عربي ودولي

"الحشد الشعبي" حزب جديد يثير قلقا سياسيا في تونس

أثار قرار منح التأشيرة لحزب جديد يطلق على نفسه تسمية “الحشد الشعبي” جدلا سياسيا واسعا في الأوساط التونسية، وسط رفض وتحذير كبيرين من خطورة التسمية التي قد تحمل دلالات تهدد وحدة البلاد واستقرارها، خصوصا في ظل اقترانها بميليشيات عراقية ينظر إليها كذراع إيرانية مزعزعة للاستقرار في العراق.

وطرح ميلاد الحزب تساؤلات بشأن إمكانية تحمّل المشهد السياسي في تونس لوجود أحزاب أخرى في ظل وجود قرابة 250 حزبا سياسيا لا تملك أغلبيتها من النشاط سوى الاسم، فضلا عن مدى التنظم الحزبي والسياسي الذي يحتاج إلى استراتيجيات وأهداف لكسب ود الناخبين والوصول إلى السلطة.

ويُعرّف حزب “الحشد الشعبي” -الذي تحصّل على التأشيرة الرسمية بتاريخ السابع عشر من مايو- نفسه بأنه  “حزب سياسي وسطي، يهدف إلى الرقي بتونس نحو التطور والتقدم، ويدافع عن مدنية الدولة ومبادئ الديمقراطية، وعلوية القانون وإعلاء قيم العدل والاعتدال والتسامح بين الجميع”.

وأفاد رئيس الحزب أنيس قعدان بأن “قرار منحنا التأشيرة هو برهان على أننا نعيش في دولة قانون ومؤسسات، وهو مظهر من مظاهر الديمقراطية عكس ما يتم الترويج له من أنه سيتم حل الأحزاب”.


عبدالرزاق بن خليفة: الترخيص للحزب يتعارض مع الفصل المتعلق بمرسوم الأحزاب

وأكّد في تصريحات صحافية على أن “الحصول على الترخيص القانوني هو دحض لكل الافتراءات التي تم استعمالها في مهاجمة الحزب، ودليل على أنه هيكل منظم يحترم القوانين”، وقال “نحن ضد أي عنف، لسنا ميليشيات ولا تنظيما مسلحا، من يروج لهذه المخاوف أوجعه تواجد الحشد الشعبي. نحن أناس صادقون”.

ويرى متابعون للشأن السياسي في تونس أن اسم الحزب قد يكون مقتبسا من تجارب سياسية مماثلة في عدد من البلدان العربية، مطالبين السلطات بضرورة التحرّي في دلالات الإسم والنشاط والتمويل.وأضاف رئيس الحشد الشعبي “سنحدث مفاجآت في المحطات الانتخابية القادمة، وسنتصدر المشهد السياسي، وهو ما جعل خصومنا يتخوفون وينشرون الأكاذيب حولنا في الرأي العام”، وتابع “نحن نرفض العنف والكراهية ومع مدنية الدولة، ساندنا الرئيس قيس سعيّد وسنظل ما دام هو على الطريق المستقيم والحق ومناصرا لقضايا الشعب التونسي.. الفقاقيع والنفايات السياسية مصيرها الزوال والاندثار ونحن نعد بمفاجآت سياسية سارة”.

وأفاد الكاتب والمحلل السياسي مراد علاّلة بأن “هناك قلة ذوق في اختيار الأسماء اليوم، حيث تم إدخال بعض المصطلحات والنعوت التي لا وجود لها في القاموس السياسي والمدني في تونس”.

وأضاف لـ”العرب”، “يجب ألاّ نضخّم تسمية هذا الحزب، وهي من التعبيرات التي تعكس مرضا سياسيا سائدا في المشهد، وهو مثال للأحزاب التي بدأت تتدافع من أجل الاستعداد للمحطات الانتخابية القادمة”، لافتا إلى أن “هناك أزمة ديمقراطية ضربت الأحزاب والجمعيات ومختلف مكونات المشهد السياسي، ولا يمكن أن نبني ديمقراطية بأناس لا يمارسونها، وهذا عمل فوضوي بالأساس ويستنزف الإرادات”.

وتابع علاّلة ” قد يكون اسم الحزب مستلهما من تجارب مماثلة، وهناك تسامح في غير محلّه، وينبغي للسلطات أن تتثبّت من ذلك، ومرسوم الأحزاب الموجود الآن هو مرسوم فضفاض يسمح بالانفلات، ويفترض أن يتم التحرّي في دلالات التسمية”.

ووصفت شخصيات سياسية تسمية الحزب بـ”العبث السياسي”، نظرا إلى ما قد تحمله من شبهات ستزيد من ترذيل المشهد السياسي خصوصا في ظل ارتفاع عدد الأحزاب إلى قرابة 250 حزبا على الورق، مقابل تواجد نسبة قليلة منها في المشهد.

وقال المحلل السياسي نبيل الرابحي إن “التأسيس والتسمية يدخلان في باب العبث السياسي، والحكومة لا تملك الأدوات الكافية للمراقبة، وهي مطالبة بتعديل الاسم لما يحمله من إيحاءات”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “هناك تسميات مشبوهة وتساهم في ترذيل المشهد السياسي، وهناك أمور زعاماتية، بينما تكون حقيقة الميدان مغايرة ولا توجد أكثر من 10 أحزاب تنشط في الساحة والبقية هي أحزاب على الورق”.


نبيل الرابحي: التأسيس والتسمية يدخلان في باب العبث السياسي

وأردف الرابحي “التأسيس عبثي ولا يستند إلى خطط ودراية بالواقع السياسي، وربما لا يعرف مُؤسسه الفرق بين التسميات ولا يعرف أن تسمية الحشد الشعبي تعني وجود علاقة بإيران”، مؤكّدا “اليوم مازلنا في حالة غليان ومن الطبيعي أن يظهر مثل هذا الزخم الحزبي نظرا إلى ترذيل المشهد”.

واعتبر مراقبون أن تسمية الحزب الجديد مخالفة للقانون الجاري به العمل في البلاد، فضلا عن كونها تحمل دلالات تحضّ على ممارسة العنف والتصادم.

وقال الأستاذ الجامعي عبدالرزاق بن خليفة إن “الترخيص للحزب مخالف للقانون ويتعارض مع الفصل المتعلق بمرسوم الأحزاب”.

وأكّد في تدوينة له على صفحته الرسمية في فيسبوك أن “القانون يحجر منح التأشيرة لأي حزب خلفيته عنيفة”.

 ومنذ إعلان الرئيس قيس سعيد عن إجراءات الخامس والعشرين من يوليو عاد تشكيل الأحزاب إلى التداول وإطلاق المبادرات السياسية، وهو ما يذكّر بالفترة التي سبقت إجراء انتخابات المجلس الوطني التأسيسي في أكتوبر 2011 والتي شهدت طفرة كبيرة في عدد الأحزاب السياسية.

ولئن بدت كثرة الأحزاب ظاهرة صحية ونواة للعمل الديمقراطي، فإنها تحولت إلى صراع حول السلطة بدل أن يكون حول الشعب، حيث يغيب عن بعض الأحزاب الخط السياسي أو التوجّه الأيديولوجي الواضح، وهو ما يعسّر التمييز بين التوجهات السياسية للأحزاب الناشطة حاليا في الساحة السياسية.

19 مايو 2022

هاشتاغ

التعليقات