عربي ودولي

أول بشائر الحوار الوطني في مصر تصحيح قانون ازدراء الأديان
أول بشائر الحوار الوطني في مصر تصحيح قانون ازدراء الأديان

 يشير اتجاه النظام المصري إلى تصحيح قانون ازدراء الأديان المثير للجدل إلى انفتاحه على أهداف الحوار الوطني وعدم الممانعة في الاستجابة لما يطرح خلاله من مطالب ومناقشات تخص قضايا جادة.

وكلّف الرئيس عبدالفتاح السيسي الخميس وزارة العدل باختيار مجموعة من الخبراء من وزارة الأوقاف والأزهر ودار الإفتاء للاستعانة بهم في قضايا ازدراء الأديان، مع تأهيلهم للتعرف على أركان الجريمة وما يلحق بها من ظروف أخرى.

وجنت مصر بذلك أولى ثمار الحوار الوطني، حيث طالب عدد كبير من المفكرين وأصحاب الرأي وبعض القوى السياسية والمدنية بضرورة إعادة النظر في النصوص القانونية المكبلة للحريات الدينية والسياسية والعامة، وبينها حرية الفكر والاجتهاد.

ودعا مثقفون وسياسيون وحقوقيون خلال جلسات الحوار الوطني إلى تصحيح قانون ازدراء الأديان بعد أن أصبح سيفا مسلطا على رقاب من يحاول التغريد خارج السرب، أو يسعى للاجتهاد والتجديد والتنوير ومواجهة المتطرفين.


وتسبب جمود الأزهر في توريط مفكرين وكتاب والزج بهم خلف أسوار السجون، فمع كل قضية تستطلع فيها المحكمة رأي مجمع البحوث الإسلامية أو هيئة كبار العلماء التابعين للأزهر كان الرد يأتي بإثبات تهمة ازدراء الأديان على المتهم، ويصدر القضاء حكمه بحبس المفكر أو صاحب الرأي استنادا لهذه التوصية.

ودأب السيسي على التدخل بالإفراج عن عدد من المحبوسين في قضايا ازدراء أديان بعد فترة قصيرة من صدور أحكام عليهم، بحكم صلاحياته التي كفلها له الدستور والقانون عبر تفعيل آلية العفو الرئاسي، لكن تكليفاته الأخيرة تشير إلى أنه يريد تجميد العقوبة من خلال لجنة منفتحة ومواجهة فكرية عصرية.

وترى دوائر سياسية أن هذه الخطوة تنطوي على رغبة لتقييد نفوذ الأزهر والكف عن اعتباره الجهة الدينية الوحيدة التي تحسم عقوبة ازدراء الأديان، لأن إدخال دار الإفتاء ووزارة الأوقاف كطرفين في القضية، وهما جهتان منفتحان إلى حد كبير، يفضي إلى تعطيل تهمة الإدانة التي يتبناها الأزهر.

ومن المستبعد أن تتأثر دار الإفتاء والأوقاف بموقف الأزهر الذي اعتاد اتهام بعض المجتهدين بازدراء الإسلام، لأنهما مستقلتان عنه، وكلتاهما تمتلكان رؤية متناغمة مع توجهات السلطة بشأن التجديد والانفتاح.

ويصعب فصل تحرك السيسي نحو تصحيح قانون ازدراء الأديان عن دعوته مؤخرا إلى عقد مؤتمر تشارك فيه كل الفئات وأصحاب العقائد، من المسلمين السنة والشيعة والمسيحيين والملحدين، لتكريس التعايش على أساس وطني، لكنه يُدرك صعوبة تحقيق ذلك مع استمرار وجود تشريع إقصائي.

ويحمل قرار الرئيس المصري رسالة ضمنية لمجلس النواب، كجهة تشريعية، بإعادة النظر في المادة الثامنة والتسعين من قانون العقوبات الخاصة بازدراء الأديان، بإعادة تصويبها بما يتفق مع نشر التنوير أو إلغائها كليا.

وقال المحامي والحقوقي نجاد البرعي إن تشكيل لجنة من مؤسسات مختلفة للنظر في عقوبة ازدراء الأديان خطوة إيجابية، وقد تمهد لعقد مناظرة دينية تحت مظلة قانونية وقضائية، وهذا يجعل حرية الرأي والتعبير والتفكير والاجتهاد مصانة قضائيا ودينيا.

◄ تحرك السيسي نحو تصحيح قانون ازدراء الأديان يصعب فصله عن دعوته إلى عقد مؤتمر تشارك فيه كل الفئات

وأضاف لـ”العرب” أن المواجهة الفكرية حول قضية الازدراء بداية لوضع حلول بديلة للترهيب والحبس والمحاكمات، فأزمة المؤسسة الدينية تكمن في رفضها تقبل النقاش حول التراث والحوار بين مؤيدين ومعارضين بطريقة متحضرة.

ويتزامن موقف النظام المصري من العقوبات السالبة للحريات مع عملية تصحيح واسعة لبعض القوانين العقيمة وسيئة السمعة الموروثة من أنظمة سابقة، وأغلبها يتعارض مع وجود توجه سياسي لبناء دولة مدنية منفتحة ومتحضرة.

وكلّف السيسي وزير العدل عمر مروان بالتسريع في إجراءات تنقية القوانين وتنقيحها بدلا من ترسانة التشريعات التي تعطل منظومة العدالة، ولا تحقق طموحات المواطنين في العدالة الناجزة، مع وجود مظلة تشريعية تتناسب مع احتياجات الدولة.

وبدت رسائل الرئيس المصري مباشرة لجهة عدم الحاجة إلى قوانين مقيدة للفكر أو تشريعات تقف حائلا أمام تحقيق الطموحات المرتبطة بتجديد الخطاب الديني أو السياسي، باعتبار أن بقاء ازدراء الأديان يخدم أهداف المتشددين.


وتدرك الحكومة أن المعركة مع المتطرفين فكرية ومن الضروري توفير الوسائل اللازمة لمنع تمكينهم للسيطرة على المجتمع، وطالما بقيت المواجهة مقتصرة على الشق الأمني لن تكون هناك حلول جذرية لتلك المعضلة، فالمتشددون يعولون على استنزاف قوى الدولة وتوظيف خوفها من المساس بالتشريعات ذات الصبغة الدينية.

وأوضح أستاذ الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية في القاهرة سعيد صادق أن استمرار بعض التشريعات المكبلة للفكر والإبداع والتجديد سوف يكرس الاستقطاب، بما يعرقل بناء دولة منفتحة على الآخر ويصب في صالح أصحاب الفكر المتشدد.

وأكد لـ”العرب” أن الإرهاب بأنواعه المختلفة، دينيا كان أو سياسيا، لن ينتهي قبل تجفيف منابع المتطرفين في المجتمع، ولا سبيل للتعايش بين أصحاب العقائد قبل تكريس ثقافة قبول الآخر، وهو ما يحتاج إلى تشريعات عصرية لا تعاقب مفكرا بسبب انفتاحه.

ولفت إلى أن هناك تركة ثقيلة من القوانين التي صارت مرهقة للمواطن والحكومة، والمفترض إعادة النظر في ما لا يصلح للدولة في الوقت الراهن، ولا يصح سياسيا بقاء تشريعات تعاقب المواطن على التفكير وتتهمه بالازدراء.

وإذا أرادت الحكومة عودة قواها الناعمة من المفكرين والمبدعين والمثقفين والإعلاميين والكتاب ليكونوا حائط صد منيع ضد تغييب الوعي والإرهاب الفكري والحريات العامة عليها أن تلغي القوانين المشبوهة وعدم الاكتفاء بترقيعها.

وطالما ظلت الحكومة متخوفة من التفتيش في التشريعات المكبلة للحريات لتجنب الصدام مع أغلبية متدينة أو قلة متطرفة، فلن تحرز تقدما ملموسا في القضاء على ميول التشدد ومعاني الاستقطاب بشكل يجعلها عاجزة عن وضع أسس بناء الجمهورية الجديدة التي يتم الترويج لها في وسائل الإعلام المصرية حاليا.

19 نوفمبر 2022

هاشتاغ

التعليقات