عربي ودولي

المخيّمات الفلسطينية ومشكلة الكهرباء في لبنان
المخيّمات الفلسطينية ومشكلة الكهرباء في لبنان
في موقف اعتيادي بالنسبة إلى اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، قال وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض قبل أيام “إذا جبنا الكهربا، سنضع عدادات على مداخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين لنعلم كمية استهلاكهم للطاقة.. وفي حال تخلفت المخيمات عن الدفع، سيتم قطع التغذية الحكومية”.

هذا الموقف، التهديد، يحاول أن يوحي بأن المخيمات الفلسطينية هي جزء من أزمة الكهرباء في لبنان، وأن حل هذه المشكلة أو بعضها، يتوقف على تجاوب المخيمات الفلسطينية مع خطة الحكومة اللبنانية لإصلاح قطاع الكهرباء.

موضوع معقد
المطلع على ملف الكهرباء في لبنان بتفاصيله المعقدة والمتشعبة، يعلم جيدا أن الوظيفة المباشرة لمواقف الوزير وليد فياض هي سياسية محلية وليست تقنية، خاصة وأن خطة الكهرباء المقترحة من قبل وزارة الطاقة لم تناقش، في شقها الفلسطيني، مع أي مرجعية فلسطينية، والجميع سمع بمواقف الوزير من وسائل الإعلام، قبل أن يعقد اجتماعا مشتركا للجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني تناول الموضوع بشكل عام دون الدخول في تفاصيل التطبيق.

معالجة مشكلة الكهرباء، في شقها الفلسطيني، أمر ممكن التحقيق إذا ما توافرت الجدية والإرادة، بعيدا عن التسييس

وقد سبق لوزراء سابقين أن طرحوا هذه المسألة على المستويين المحلي والدولي، لكن لم يتمكن أحد من وضع الخطط السابقة موضع التطبيق الفعلي لأسباب متعددة، رغم تأكيد المرجعيات الفلسطينية على التعاون في معالجة هذه القضية على خلفية المصلحة المباشرة لأبناء المخيمات بحلّها على قاعدة الحقوق والواجبات المتبادلة.

إن معالجة مشكلة الكهرباء، في شقها الفلسطيني، هو أمر ممكن التحقيق إذا ما توافرت الجدية والإرادة، بعيدا عن التسييس والتحريض والاستغلال السياسي، وعلى قاعدة المعالجات التقنية المستندة إلى خطط واقعية نابعة من دراسات علمية لواقع الكهرباء في لبنان وعلاقة المخيمات بها. وعلى هذه الخلفية لا يجوز الحديث عن المخيمات كسلة واحدة لجهة تغذيتها بالتيار الكهربائي، ومن الخطأ أصلا وضعها في خانة تقييمية واحدة لأن المخيمات الفلسطينية تنتشر على جميع الأراضي اللبنانية من الجنوب إلى الشمال مرورا ببيروت والبقاع، وبالتالي تختلف وضعية كل مخيم عن الآخر باختلاف تعاطي المؤسسة مع هذا المخيم أو ذاك.

ورغم أن وجود اللاجئين الفلسطينيين في لبنان قد مر عليه ما يزيد عن سبعة عقود، إلا أن التيار الكهربائي لم يدخل المخيمات إلا بعد ربع قرن تقريبا. وظلت المخيمات “تسلّك أمورها” باللجوء إلى وسائل بدائية كقناديل الكاز والغاز والفتيل والشمع وغيرها إلى أن قررت مؤسسة كهرباء لبنان مدها بالكهرباء، بعد أن يقوم ساكنوها بتقديم طلبات للحصول على ساعات وعدادات داخل المنازل، كما هو الأمر بالنسبة إلى المواطنين اللبنانيين، وهذا ما حصل بتركيب عدد واسع من اللاجئين لعدادات داخل المنازل. لكن مع اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية وغياب عمل مرافق الدولة، خاصة موظفي مؤسسة كهرباء لبنان المكلفين بجباية رسوم الكهرباء وعدم قدرتهم على تحصيل الرسوم من بعض المخيمات لأسباب فلسطينية ولبنانية في آن، كما المناطق اللبنانية الأخرى، أخذ الأمر الواقع يفرض نفسه، خاصة في المخيمات ذات الكثافة السكانية العالية، بينما ظلت بعض المخيّمات تدفع رسوم الكهرباء بانتظام حتى وقت قريب.

ترافق هذا الأمر الواقع مع زيادة في عدد الطلبات المقدمة للحصول على ساعات وعدادت داخل المنازل في المخيمات وإحجام مؤسسة كهرباء لبنان عن تلبية هذه الطلبات لأسباب خاصة بالمؤسسة، مرة لقلتها وعدم وجود أعداد كافية منها، ومرة بسبب دراسات اقترحت استبدال العدادات القديمة بأخرى جديدة.

وما زاد من حدة المشكلة في العقدين الأخيرين استفحال ظاهرة زيادة الكثافة السكانية في المخيمات، خاصة بعد إقرار البرلمان اللبناني عام 2001 لقانون منع الفلسطيني من التملك في لبنان، ما دفع بالكثيرين إلى البناء العمودي داخل المخيمات، في ظل محدودوية التيار الكهربائي الذي تزود به المخيمات، مما شكل ضغطا متزايدا على كمية الطاقة أولا وعلى الشبكة التي باتت متهالكة، وهذا ما نجد ترجماته العملية في فوضى الشبكات الكهربائية المنتشرة داخل المخيمات والتي كانت سببا في وفاة العشرات من الفلسطينيين.

مشاكل مزمنة

ليس سرا القول إن مشكلة الكهرباء في لبنان موضوعة على طاولة مجلس الوزراء منذ ما قبل العام 2000، ومن ضمنها مسألة تغذية المخيمات الفلسطينية بالتيار الكهربائي. ولأسباب لبنانية صرفة قررت الحكومة في أكثر من مرة الإبقاء على سياسة الدعم الحكومي لقطاع الكهرباء، يحيلها بعض اللبنانيين إلى مشروع مقصود هدفه السيطرة على مؤسسة كهرباء لبنان بعد إفلاسها وطرحها للخصخصة بأسعار زهيدة. وقد استفادت المخيمات الفلسطينية من هذا الدعم الحكومي إلى جانب العديد من المناطق والمرافق في لبنان ومنها: المصارف والفنادق والمنتجعات السياحية، والمنازل العائدة إلى مسؤولين رسميين وحزبيين وسياسيين.. إضافة إلى مدن كانت تتزود بالكهرباء على مدار الساعة ناهيك عن مرافق أخرى كمعامل الأسمنت وقرى كانت تصنّف سياحية.

وإذا كان الحديث عن “كهرباء المخيمات الفلسطينية” له علاقة بخطة رفع تعريفة الكهرباء التي أقرها مجلس الوزراء ومؤسسة كهرباء لبنان مؤخرا، فمن المفترض تقديم رؤية واضحة لما تريده الدولة من المخيمات الفلسطينية وكيف يمكن تطبيق كلام وزير الطاقة بشأن وضع عدادات على مداخل المخيمات، ومن هي الجهة التي ستتولى هذا الأمر وغير ذلك من أسئلة ليست هناك أي إجابات جدية بشأنها، لأنها جربت في أوقات سابقة ولم يكتب لها النجاح.. لذلك من غير المنطقي رمي الكرة في ملعب المخيمات الفلسطينية باعتبارها عاملا معرقلا لخطة الكهرباء أو هي سبب مباشر للخسائر التي يتكبدها قطاع الكهرباء في لبنان، للأسباب التالية:

أولا: إن تنظيم الكهرباء داخل المخيمات هو مطلب فلسطيني قديم، تؤكده آلاف الطلبات الموجودة على طاولة مؤسسة كهرباء لبنان ولم يبت في أمرها حتى الآن، وبالتالي فإن معالجة هذا الأمر تساهم في حل مشكلة الكهرباء فلسطينيا.

ثانيا: المخيمات لا تتولى شؤونها وقضاياها مرجعية فلسطينية موحدة، بل هي تتوزع على مجموعة من المرجعيات السياسية والفصائلية والشعبية، لذلك فإن أمر الجباية الإفرادية من أبناء المخيمات، من قبل اللجان الشعبية مثلا، هو أمر لا يمكن تطبيقه في الوقت الحالي، إلا إذا توسع الحوار في نقاش قضايا قد لا تقبلها الدولة اللبنانية من نمط تشريع وقوننة اللجان الشعبية ومنحها صلاحية متابعة القضايا الاجتماعية، بالتنسيق مع مؤسسات لبنانية معنية، على غرار ما أشار إليه اتفاق القاهرة لجهة وجود “لجان محلية من فلسطينيين في المخيمات لرعاية مصالح الفلسطينيين المقيمين فيها، وذلك بالتعاون مع السلطات المحلية، وضمن نطاق السيادة اللبنانية”.

ثالثا: ليست المرة الأولى التي يتم فيها اقتراح وضع عدادات على مداخل المخيمات، لكن المشكلة كانت حول الجهة المكلفة بتحصيل الرسوم، وقد طرح هذا الأمر من قبل مؤسسة الكهرباء عام 2003 واقترحت وكالة الغوث للقيام بهذه المهمة، التي رفضت الاقتراح معتبرة أن التيار الكهربائي وتنظيمه هو من صلاحيات الدولة ومؤسساتها ولا علاقة للأونروا به.

كما قدم وزير الخارجية اللبناني الأسبق جبران باسيل في العام 2018 وأثناء مشاركته في مؤتمر الدول المانحة لوكالة الغوث في روما ورقة عمل حول كلفة تزويد المخيمات الفلسطينية بالطاقة الكهربائية، وتبين من الورقة أن ديون المخيمات لصالح مؤسسة الكهرباء هو رقم بسيط مقارنة مع الحملة التي تشن بشكل دائم على المخيمات (لم تتجاوز المبالغ المحددة بالورقة 15 مليون دولار سنويا).

رابعا: في قراءة التقارير الصادرة عن مؤسسات رسمية لبنانية، يبدو واضحا أن ما سمي بـ”دين مستحق على المخيمات الفلسطينية” لا يكاد يساوي شيئا مقارنة بالخسائر الفعلية لمؤسسة كهرباء لبنان التي تزيد عن 40 مليار دولار. ورغم ذلك يجري التصويب الدائم على المخيمات وكأنها خارجة عن السياق العام للمناطق اللبنانية الأخرى.

أزمة سياسية

وتفيد تلك الأرقام بأن نسبة الهدر غير التقني، أي ما له علاقة بالتلاعب بالعدادات والسرقات من خارج الشبكات الرسمية تصل إلى نحو 40 في المائة وهي تتوزع على جميع المحافظات اللبنانية وعلى إدارات ومؤسسات رسمية لبنانية معروفة.. فيما تبلغ حصة المخيمات من هذا الهدر نسبة بسيطة جدا، وهو هدر معلن سببه عدم القدرة على الجباية، ولا علاقة له بواقع الفوضى في توزيع الشبكة داخل المخيمات، وليس ناتجا أيضا عن سرقات من الشبكة الرئيسية أو نتيجة تلاعب بالعدادات، كما هو الأمر في المناطق اللبنانية.

وتفيد المعطيات الرسمية بأن خسائر شركة كهرباء لبنان ناتجة في جزء مهم منها عن أسباب لها علاقة بالهدر والنقل والتوزيع وتتوزع على الشكل التالي: خسائر تقنية 18 في المئة (النقل والتوزيع)، خسائر ناتجة من سرقة التيار الكهربائي 27 في المئة، إضافة إلى 12 في المئة كخسائر ناتجة عن تخلف في التحصيل سواء من قبل المستفيدين أو الجباة. والمستحقات المتعلقة بالمخيمات تدخل ضمن خانة (12 في المئة)، وإذا ما تم توزيع هذا الرقم على المناطق اللبنانية المختلفة فيصبح الرقم جزءا بسيطا لا يكاد يذكر.

وحتى لو سلمنا بصحة الأرقام عن نسب الهدر والديون المستحقة على المخيمات، فهي قد لا تعكس واقعا فعليا على الأرض وتحتاج بدورها إلى نقاش، لأن المخيمات وحتى هذه اللحظة ما زالت متداخلة مع الجوار اللبناني في أكثر من منطقة، ونطاقها الجغرافي متداخل مع المحيط، وبعض المواطنين اللبنانيين يستهلكون الكهرباء داخل المخيمات من خلال مؤسسات تجارية وصناعية هربا من دفع الفاتورة. وكي لا تبدو الصورة بأن المخيمات لا تدفع مستحقاتها من تعريفة الكهرباء، لا بد من توضيح بعض النقاط:

● إن مؤسسة كهرباء لبنان لا تتعاطى مع المخيمات في قضايا الجباية وفق معيار موحد، بل إن الجباية خلال الفترة الماضية كانت تتم وفق عدة أشكال، واستنادا إلى طبيعة العلاقة بين موظفي المؤسسة والمرجعيات الفلسطينية المعنية.

● بعض المخيمات ما زالت حتى هذه اللحظة تدفع فواتير الكهرباء كاملة، نظرا إلى سهولة دخول الجباة إليها مثل مخيمات نهر البارد، البداوي، مار الياس، الضبية وأيضا مخيم البص.

الكهرباء هي نقطة في بحر الإشكالات التي ما زالت عالقة على مستوى العلاقة بين المخيمات والسلطات اللبنانية

● بعضها الآخر كان سابقا يدفع قيمة الفاتورة بشكل مقطوع من خلال اللجان الشعبية التي نسقت هذه المسألة مع إدارة المؤسسة بشكل رسمي، وبعضها الآخر يعاني بدوره من مشكلة عدم وجود عدادات أحيانا لسبب سياسي ما وأحيانا لخوف موظفي الكهرباء من دخول بعض المخيمات.

● بعض المخيمات في مراحل سابقة كانت تدفع مباشرة ودون إيصالات من موظفي المؤسسة القريبة من المخيم والذين كانوا يرفضون تحرير أي إيصالات لأسباب واضحة.

● بعض المخيمات لا يدخلها الجباة، رغم أنها مفتوحة وتعيش حالة استقرار على المستوى الأمني وسكانها يبدون استعدادهم لدفع ما يتوجب عليهم من مستحقات، لكن المشكلة لديهم تتمثل في تراكم الأموال لأشهر وربما لسنوات نتيجة عدم دخول الجباة إليها، الأمر الذي أدى إلى تراكم المستحقات المالية على المخيمات حتى بلغت وفقا للمؤسسات اللبنانية بين أعوام 2003 و2014 حوالي 244 مليار ليرة لبنانية أي ما يوازي 160 مليون دولار استنادا إلى سعر صرف الدولار على أساس 1500 ليرة للدولار الواحد.

ويجمع الكثيرون على أن مشكلة الكهرباء على المستوى اللبناني ليست فنية وغير محصورة في جانب الهدر والتعديات فقط، بل هي سياسية من الدرجة الأولى، والحل يكمن في رفع الغطاء عن كل المخالفين، أما على المستوى الفلسطيني فالمسألة أكثر تعقيدا، والدولة دائما ما تحاول الهروب من طرح المشكلة على حقيقتها. فهناك من يقول إن الدولة اللبنانية أحجمت عن طرح مسألة الكهرباء مع ممثلي المخيمات كي لا تقع في محظور غياب المرجعية المعنية عن متابعة أوضاع المخيمات واللاجئين، لذلك على الدولة أن تلعب دورا إيجابيا لجهة وجود وتشريع مرجعية فلسطينية تنسق مع الحكومة اللبنانية في كل ما له علاقة بالمخيمات وساكنيها.

لذلك، فإن مشكلة الكهرباء بالنسبة إلى المخيمات لا يمكن مقارنتها مع المشاكل الموجودة في بقية المناطق اللبنانية، وإذا ما أرادت الدولة اللبنانية ومؤسسة الكهرباء حل هذه المشكلة فبالإمكان إيجاد أكثر من حل، فتنظيم التيار الكهربائي وربط المخيمات بالمحيط اللبناني، كما هو الأمر في الدول العربية المضيفة كان دائما مطلبا فلسطينيا، غير أن التلكؤ في إنجاز ذلك عائد إلى أسباب لا تتعلق بالفلسطيني الذي رحب ويرحب بشكل دائم بحل معضلة الكهرباء على قاعدة المساواة الكاملة مع المواطنين اللبنانيين الذين يستهلكون الكهرباء ويدفعون ما عليهم من رسوم ومستحقات.

إن المخيمات وفي كل المحافظات ما تزال حتى هذه اللحظة غير مشمولة بالخدمات البلدية، الأمر الذي ساهم في إفقارها وتكريس عزلتها عن المحيط وبشكل نافر أحيانا، رغم أن بعض المشكلات التي تعيشها المخيمات لا تختلف في الجوهر عن مشكلات المحيط. لذلك فمشكلة الكهرباء هي نقطة في بحر الإشكالات التي ما زالت عالقة على مستوى العلاقة بين المخيمات والسلطات اللبنانية، والحلول الجزئية لا يمكنها معالجة مثل هذا الملف الشائك، لذلك يصبح مطلوبا فتح الملف الفلسطيني بجميع عناوينه السياسية والقانونية والخدماتية وطرحها على بساط البحث والحوار المشترك الذي لا بد أنه سيأتي بالمعالجات الصحية والسليمة إذا ما توافرت الإرادات على الحل والمعالجة.

09 ديسمبر 2022

هاشتاغ

التعليقات