عربي ودولي

زيادة العنف في المدارس تعكس سقوط التربية من حسابات العديد من الأسر المصرية
زيادة العنف في المدارس تعكس سقوط التربية من حسابات العديد من الأسر المصرية

لم يعد يمر يوم إلا وتشهد مدرسة مصرية حالة عنف بين الطلاب حتى صارت المؤسسات التعليمية عاجزة عن فرض الانضباط السلوكي على طلابها، ما يعكس لأي درجة أصبحت بعض الأسر تتجاهل، سهوا أو عمدا، التربية الصحيحة لأبنائها وتحميلها المدارس هذه المسؤولية كاملة، رقابة أو تقويما.

وهناك مدارس تشهد حوادث غير مألوفة من العنف كأن يكون بحوزة الطالب أسلحة بيضاء يستخدمها في الدفاع عن نفسه ومعاقبة الضحية، وهو ما حدث قبل أيام في إحدى مدارس محافظة الدقهلية بشمال القاهرة بعدما أقدم طالب على ضرب زميله بآلة حادة، محدثا جرحا غائرا في رقبته، وكاد أن يودي بحياته قبل نقله إلى المستشفى، وهو ما سبق أن تكرر في مدارس أخرى.


وتكمن الأزمة في تحميل الأسر مسؤولية الانفلات الأخلاقي والسلوكي بين الطلاب لوزارة التربية والتعليم وحدها من دون الحديث عن ضرورة إشراك الأسر في السيطرة على انفلات أبنائها والتعاون مع المدارس للمساهمة في حل المشكلة بعيدا عن أن يكون طرف واحد هو المعني بالتربية لاستحالة تحقيق معادلة التربية والتعليم.

ويرى مختصون في الشأن التربوي أن غياب تعاون الأسرة مع المدرسة في تربية النشء يؤسس لمجتمع فوضوي تسيطر عليه لغة العنف وفرض السيطرة بالقوة، خاصة عندما يكون البعض من أرباب الأسر أنفسهم رعاة لهذا العنف، ومن ثم فإن الدور السلبي للأسر يحول دون فرض الانضباط الكامل على المدارس.

وما يلفت الانتباه أن أطفال المراحل التعليمية الأولى أنفسهم صاروا أكثر عنفا من أيّ وقت مضى، وهناك الكثير من الوقائع التي كاد أن يتسبب فيها طفل في وفاة زميله ولا تملك إدارات المدارس سوى فصل الطفل واستدعاء ولي الأمر للتوقيع على إقرار بعدم تكرار ابنه لهذا السلوك، وإلا تعرض للإبعاد النهائي عن المدرسة.

والمشكلة الأكثر تعقيدا مرتبطة بأن بعض أولياء الأمور صاروا مثل أولادهم يمارسون العنف والترهيب ضد المعلمين، وأحيانا ما يصل الأمر حد الاعتداء عليهم والاستعانة ببلطجية وخارجين عن القانون لتأديب معلم لمجرد أنه حاول تقويم سلوك الابن أو تعنيفه لأنه أخطأ أو لم يلتزم بما عليه من واجبات منزلية.

وكانت المدارس تعتمد على الآباء لتحجيم تجاوزات أبنائهم، ووصل الأمر إلى حدّ معاقبة الأب لابنه أمام الجميع داخل المدرسة حتى لا يكرر تجاوزاته ويتعامل مع المدرسة وزملائه باحترام، لكن الحال تبدل وأصبحت تجاوزات ربّ الأسرة نفسه تجاه المدرسة والمعلمين من المشاهد المتكررة.

ولم تنجح لائحة الانضباط المدرسي التي تفرضها وزارة التعليم في عودة الاستقرار إلى المدارس، برغم ما تتضمنه من عقوبات صارمة ضد الطلاب حتى لو كان التجاوز بالقول وليس بالفعل، وتتراوح العقوبات فيها من الفصل لثلاثة أيام إلى نقل الطالب خارج المدرسة كليّا، لكن لم تتضمن عقوبات تربوية أو علاجا لأزمة الانفلات الأخلاقي.

وأمام العجز الصارخ في أعداد المعلمين، حتى وصل إلى 400 ألف معلم تركوا أماكنهم في المدارس وخرجوا على المعاش، أضحت هناك نُدرة في الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين الذين تكون مهمتهم الأساسية المساهمة في تقويم سلوكيات الطالب صاحب الشخصية العنيفة ومعرفة أسباب ذلك والتعاون مع أسرته لتقويمه وانضباطه.

وفشلت وزارة التربية والتعليم في نظر المجتمع في بناء علاقة قوية قائمة على الاحترام المتبادل بين الأسرة والابن والمدرسة، ما أثر على سمعة وصورة المؤسسة التعليمية أمام التلاميذ بعدما تحولت إلى ما يشبه ساحة للمعارك الكلامية، وطال التشابك بالأيدي أجساد الأطفال وبلغ حدّ إصابة بعضهم بعاهات مستديمة.

غياب تعاون الأسرة مع المدرسة في تربية النشء يؤسس لمجتمع فوضوي تسيطر عليه لغة العنف
الدور السلبي للأسر يحول دون فرض الانضباط الكامل على المدارس


ويصعب فصل ظاهرة عنف الطلاب ضد بعضهم ودخول أولياء الأمور كطرف في هذا الصراع بالاعتداء على المعلمين عن الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي تلاحق الكثير من الأسر المصرية جراء الظروف المعيشية الصعبة، ما ولّد طاقة سلبية لديهم وأدى إلى ارتفاع وتيرة الإحباط والغضب.

وقال محمد هاني استشاري الطب النفسي والعلاقات الأسرية بالقاهرة إن تفعيل دور مجالس الآباء بالمدارس يؤسس لتعاون مثمر مع آباء وأمهات الطلاب ويخلق مدرسة بعيدة عن العنف والممارسات غير المسؤولة، ويمهد لتنشئة شخص متزن عقلاني، فالعقوبات وحدها لا تكفي لفرض الانضباط والالتزام على الصغار بل الاحتواء أيضا.

وأضاف لـ”العرب” أن تحميل الأسرة مسؤولية التربية وتقويم السلوك للمدارس وحدها سوف يكرس العنف ويؤسس لسلوكيات وتصرفات شديدة الخطورة كأن يعتقد الطفل أو المراهق أن القوة هي الأساس، ولو كان نشأ بشكل صحيح أسريا فقد يميل إلى ممارسة العنف كي لا يظهر كأنه ضعيف أو جبان وقليل الحيلة.

وأكد أن المدارس لا يمكنها أن تقضي على العنف داخلها بعيدا عن تدخل أولياء الأمور، لأن علاج هذه السلوكيات المشينة يبدأ من البيت قبل المدرسة، فالمعلم يبني على ما وضعته الأسرة من أسس وضوابط، وتتحمل بعض الأعمال الفنية جزءا من نشر ثقافة الاستقواء والانتقام بعيدا عن القانون والنظام العام.

غياب تعاون الأسرة مع المدرسة في تربية النشء يؤسس لمجتمع فوضوي تسيطر عليه لغة العنف وفرض السيطرة بالقوة

ويعتقد بعض خبراء التربية أن مشكلة بعض الآباء أنهم يساعدون الأبناء على أن يكونوا زعماء وقادة على كل المحيطين بهم ولو كانوا معلميهم، ويسيرون بقاعدة “البقاء للأقوى” ما يتعارض كليّا مع مفهوم التربية بالمدارس، ويبدو ذلك واضحا في قيام البعض بالتعدي على المعلم إذا ما سعى لتقويم سلوك ابنه بأي طريقة.

وتقود هذه السلوكيات إلى أن يكون الطالب نفسه عدوا لكل من يتصدى له بالتوجيه والتقويم وتعديل السلوك ولو كان من أجل التربية واتباع الأصلح في حياته، كما أن هناك كثيرا من الطلاب يفتقدون رعاية أسرهم نتيجة انشغال عائلها بتوفير متطلبات الأسرة المادية في ظل صعوبة الأوضاع الاقتصادية، ما يجعله ينسى دوره كمربّ.

ويصعب فصل العنف المدرسي عن العنف الذي صار سائدا في المجتمع بشكل عام، وثمة مراهقون يتعاملون مع هذه المشاهد كأنها من ثقافتهم وتكوينهم الشخصي، ما يدفع بعض المعلمين إلى استخدام العنف للسيطرة على هذه الفئة ومنع انتشار البلطجة، إلى أن ضاعت هيبة المعلم بين تلاميذه.

وإذا كانت الأغلبية تحمل الأسر مسؤولية هذا الانفلات فهناك من يبرر لبعضها العجز عن تقويم سلوكيات الأبناء في المدارس وحثهم على الانضباط لشعورهم بأن المؤسسة التعليمية تحولت إلى عبء نفسي ثقيل ومضيعة لوقت ومجهود الطلاب، وأصبحت العلاقة بين الأهل وصناع القرار التعليمي مضطربة وقائمة على التحدي.

وتتحجج بعض الأسر بأن الضغوط النفسية الواقعة على أولادها تقودهم للانفلات في ظل البيئة المدرسية المحبطة وغير الجاذبة والتي تحولت إلى ما يشبه السجن العقابي، ما دفع الأبناء للخروج عن النص والتعامل مع المؤسسة التعليمية بطريقة صدامية مبنية على الكراهية، عكس الماضي عندما كانت المدارس منبرا للعلم وبيئة مثالية للتربية، وكلما تراجع دورها لن تختفي مشاهد العنف.

09 ديسمبر 2022

هاشتاغ

التعليقات