عربي ودولي

تصنيف الهجر الزوجي عنفا يستوجب الطلاق ينصف النساء في مصر
تصنيف الهجر الزوجي عنفا يستوجب الطلاق ينصف النساء في مصر

قبل أربع سنوات تزوجت منى حمدي، وهو اسم مستعار لسيدة مصرية، فوجئت بزوجها يقرر السفر خارج البلاد بدعوى العمل ولم تمانع في ذلك، وبعد أشهر طلبت منه أن يعود للعيش معها أو يطلبها للسفر والإقامة معه، لكنه رفض ذلك، وبعد عامين لم تعد تستطيع العيش بمفردها وفكّرت في الانفصال وديا وقوبل طلبها بالرفض.

شعرت الزوجة بأنها معلّقة، فلا هي متزوجة ولا مطلقة، وما كان منها سوى اللجوء إلى محكمة الأسرة في القاهرة لطلب الانفصال لوقوع الضرر النفسي بسبب هجر الزوج، وسعت للحصول على حقوقها فحكم القضاء لها بالطلاق وإلزام الزوج بتسليمها النفقة الزوجية ومؤخر الصداق والسكن دون أن تخسر شيئا وتم تصنيف الهجر عنفا.

وأقر القضاء المصري قبل أيام قاعدة قانونية تاريخية، مفادها “إذا غاب الزوج سنة فأكثر بلا عذر مقبول جاز لزوجته أن تطلب تطليقها طلقة بائنة إذا تضررت من بعده عنها ولو كان له مال تستطيع الإنفاق منه، ويحق للمرأة أن تطلب الطلاق نهائيا إذا تغيب الزوج في بلد آخر غير الذي تقيم فيه الزوجة، أو تكون غيبته بلا عذر مقبول، وتضررت الزوجة من غياب زوجها وتأثرت بذلك”.

تعيش بعض النساء في مصر مرارة هجر الأزواج لهن، وطوال السنوات الماضية افتقدن المظلة القانونية التي تسهل عليهن التحرر من سجن الزوجية بلا خسائر، فلم تكن هناك مرونة كافية للتعاطي مع آلامهن جراء هجر الأزواج وهروبهم دون سابق إنذار أو أعذار، فيتركون منزل الأسرة بلا رجعة أو طلاق.


من هؤلاء النساء ولاء حمدي، وهي فتاة مصرية أنجبت طفلتها الأولى بعد سنة ونصف السنة من الزواج، ثم فوجئت باختفاء شريكها، وبعد أسابيع قال إنه لم يعد يرغب في العيش معها، وعندما طلبت الطلاق رفض وأصر على عدم العودة إلى المنزل مجددا، واستمرت على ذلك عامين حتى قاربت ابنتها دخول المدرسة، ولا بد من وجود الأب.

لم تمتلك ولاء أوراقا تفيد بانفصالها عن زوجها، فهي على الورق متزوجة وفي الواقع معلقة، وليس لديها ما يفيد بأنها الوصية على ابنتها في كل شؤونها، ومن بينها الولاية التعليمية، وعجزت عن التصرف، رغم تدخل وسطاء ومعارف لطلب الطلاق أو عودة الزوج، لكن كل التحركات الودية باءت بالفشل.

ولا تستطيع الأم التي هجرها زوجها تسجيل الأبناء في المدارس المصرية أو تحويلهم منها، لأن الولاية التعليمية للأب فقط طالما أنه على قيد الحياة ولا توجد أوراق تثبت الطلاق وتؤكد أحقية الزوجة بالتصرف في تعليم أولادها، لذلك تضطر فئة من النساء إلى رفع قضايا طلاق عن طريق “الخلع” بشكل مستعجل.

وقالت الزوجة لـ”العرب” إنها قررت اللجوء إلى القضاء ولا تعرف بماذا سيحكم، وبدت مطمئنة لتصنيف محاكم الأسرة الهجر الزوجي عنفا يستوجب الطلاق وحصول المرأة على كامل حقوقها من الرجل، وهي المعاناة التي تواجه الآلاف من النساء، إذ يواجهن وحدهن مصير تربية الأبناء وتعليمهم والإنفاق عليهم وتدبير احتياجاتهم.

وأضافت “أكثر ما يؤلم المرأة التي هجرها الزوج أنها لا تستطيع تبرئة ساحتها أمام عائلتها والمجتمع، ما يضاعف الأعباء النفسية من المحيطين بها، ويتم تحميلها مسؤولية هروب الزوج، وهناك سيدات يلجأن إلى الإخفاء وتحمل التبعات والصبر على حمل لقب متزوجات وهن مطلقات سرا لتجنب قهرهن بالكلام والهمسات”.

ويصنف الهجر الزوجي كأحد أشكال التفكك الأسري المستتر الذي لا يعرف عنه الكثير، فالمرأة تلجأ إلى إيهام الأهل وبيئة العمل بأن زوجها سافر للعمل أو ظروفه لا تمكّنه من الإقامة معها باستمرار، حتى تتجنب النظرات والعبارات القاسية، ومن النادر أن تفصح الزوجة عن الحقيقة إلا لدائرة مقربة على سبيل الفضفضة والتنفيس.

وبإمكان أي سيدة مصرية الآن هجرها زوجها لأكثر من سنة، دون عذر، أن تلجأ إلى القضاء وتستفيد من القاعدة القانونية التي أقرتها محكمة الأسرة مؤخرا وانتصرت فيها للزوجات اللاتي يعانين هروب أزواجهن لفترة طويلة ويعشن شبه مطلقات.


مصير مجهول
ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية أن إنصاف النساء المعلقات قضائيا بتطليقهن ومنحهن كامل حقوقهن يحمل لهن تحررا من القيود الواقعة عليهن والعيش حياة طبيعية، لكن العبرة بمدى شجاعة المرأة في حمل لقب مطلقة أو في أن يعرف أقاربها ومعارفها أنها تعيش دون زوج أو تم تطليقها لأن شريكها تركها وهرب.

وذكرت دراسة سابقة صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية بالقاهرة أن عدد الأزواج الهاربين بلغ 18 ألف شخصا، وهناك زوجات رفضن اللجوء إلى القضاء لطلب الطلاق لوقوع الضرر أو بالخلع، خشية نظرة المجتمع ووصمهن بتوصيفات سيئة تؤثر على سمعتهن ويتمسكن بأمل العودة وعدم التسرع في هدم الأسرة تماما.

وأكد علاء الغندور استشاري العلاقات الأسرية وتقويم السلوك بالقاهرة أن أزمة الزوجة التي هجرها شريكها مع المجتمع كبيرة، لأنها تسعى للدفاع عن نفسها بأنها لم تفعل شيئا يدفع الزوج إلى الهرب والهجر، وهناك من يصنفها على أنها غير جديرة بالحفاظ على بيتها وشريكها ويشكك في سلوكها، وهي نظرة تعاني منها نساء معلقات.

أكثر ما يؤلم المرأة التي هجرها الزوج أنها لا تستطيع تبرئة ساحتها أمام عائلتها والمجتمع، ما يضاعف أعباءها النفسية

وأشار لـ”العرب” إلى أن تحميل المرأة التي هجرها الزوج مسؤولية العيش دون هوية يعمق إنهاكها نفسيا، وقد ينعكس ذلك على أولادها لكونها تواجه مصيرا مجهولا، بخلاف الإهانة المتكررة التي تصل إلى حد السخرية، وهذا وضع غير إنساني يتطلب تدخلا عاجلا من القضاء، لكن تظل المشكلة في أن هناك أصواتا دينية متشددة تشرعن هجر الزوجة كإجراء عقابي لها على أي سلوك أو تصرف خاطئ.

وثمة فتاوى تعج بها مواقع إسلامية متطرفة تجيز شرعا هجر الزوجة لشهور، بالبقاء خارج المنزل أو مقاطعتها في فراش الزوجية وعدم منحها حقوقها الشرعية، بدعوى أن النبي محمد (ص) هجر إحدى زوجاته لأنها أفشت سرا، ما يعكس لأي درجة قادت بعض الفتاوى إلى تكريس الهجر الزوجي بلا تفرقة بين الماضي والحاضر وظروف كل حالة، وأصبحت هذه المسألة مشكلة حقيقية لإنصاف النساء قضائيا.

وتفرض بعض الفتاوى الشاذة تدخلا مباشرا وعاجلا من المؤسسات الدينية الرسمية وتبنّي خطاب معتدل لمعالجة المفاهيم الأسرية الخاطئة عن الهجر الزوجي، مع قيام أرباب الأسر بدور فاعل في تقديم الدعم المعنوي لمن هجرها زوجها وعدم تحميلها المسؤولية كاملة والتعامل معها على أنها تستحق عقابا قاسيا في صورة هجر.

وتظل الميزة الأهم في القاعدة القانونية التي أقرتها محكمة الأسرة المصرية مؤخرا أن المرأة التي هجرها زوجها تحصل على حقوقها الشرعية، مع أن الكثير من الرجال تعمدوا الهروب من المنزل لفترة طويلة لتكون الزوجة مضطرة إلى رفع قضية خلع، تخسر معها كل شيء بذريعة أنها طلبت الطلاق، لكن القضاء بات أكثر حكمة وعقلانية في التصدي لهذه الظاهرة.

24 مارس 2023

هاشتاغ

التعليقات