المسيحيون في العراق كما باقي الأقليات والطوائف تعرضوا لخطر الإرهاب المتطرف ضدهم من قتل وتهجير وتنكيل، وذلك بعد عام 2003 ما اضطرهم الى الهجرة من بلاد الرافدين التي تعتبر من البلدان الاولى في أعداد المسيحيين في المنطقة.
تسببت الهجرة من العراق بقلة أعداد هذا المكون الأصيل الى نسبة قليلة جداً، حتى أن أحياء كاملة في العاصمة بغداد كانت مسكونة من المسيحيين بشكلٍ شبه كامل، أصبحت خالية من المسيحيين بشكلٍ شبه كامل، كأحياء بغداد الجديدة والدورة ( الاثوريين ) وغيرها من المناطق التي هجرها المسيحيون بسبب التهديدات الإرهابية والإستهداف المباشر لهم، ما اضطرهم للنزوح خارج العراق أو الى اقليم كردستان على أقل تقدير.
وبرغم أن المسيحيين هم من أهل البلاد الأصليين، إلا أن ذلك لم يشفع لهم كي يتسلموا المناصب الحساسة في العراق ما بعد النظام الشمولي السابق والذي رغم شموليته كان وزير خارجيته المسيحي طارق عزيز.
فالعراق ما بعد 2003 لم يشهد وجود شخصية مسيحية في منصب سيادي مهم، رغم أن المكون المسيحي لا يخلو من الكفاءات الوطنية والعلمية التي تؤهل أبناءه لاستلام هكذا مناصب، لكن للمحاصصة الكلمة الأخيرة في توزيع المناصب بين الشيعة والكرد والسنة حصراً.
حتى منصب بطريرك الكنيسة الكلدانية في العراق، تم سحبه بقرار جمهوري لرئيس الجمهورية الحالي وتم تجريد البطريرك لويس ساكو روفائيل من المنصب الديني الأول للمكون المسيحي في إجراء غير مسبوق في تاريخ البلاد وهو أمر استغربته البطريركية الكلدانية في العراق واعتبرته قرارا سياسياً يهدف الى سحب الشرعية من ممثل المسيحيين الشرعي وزيادة كفة ريان الكلداني حليف الإطار التنسيقي وزيادة نفوذه داخل المكون المسيحي!
داعش زادت الطين بلة!
في عام 2014 وإثر دخول داعش للعراق في نينوى بالخصوص والتي تحتضن الثقل المسيحي في مركز مدينتها وكذلك في سهل نينوى وغيرها التي تحتضن هذا المكون، تعرض المسيحيون أيضاً لعمليات القتل وتدمير كنائسهم الأثرية التي تعتبر الأقدم في العالم، كذلك هاجر من هاجر الى اقليم كردستان حيث الملاذ الآمن ومنهم من استطاع الهجرة الى اوروبا وامريكا واستقر نهائياًً هناك ليبدأ حياة جديدة له ولأبنائه .
وبوجود داعش في نينوى، كانت أفراح المسيحيين مؤجلة أو ملغية خصوصاً في القوش والحمدانية وغيرها من المناطق المسيحية أو ذات الاغلبية المسيحية وذلك بسبب الرعب والحصار الداعشي والخوف من المجهول، حتى تم تحرير نينوى من داعش بعد سنوات عصيبة على أهل المدينة وعلى أهل العراق بشكلٍ عام.
بعد التحرير مباشرةً، أقبل سكان نينوى بشكلٍ عام على الحياة بعد سنوات عجاف من القتل والتهجير والاستعباد الداعشي، وأقبل من تبقى من المسيحيين على الحياة ايضاً وعادوا لحفلات الزواج وأعيادهم الدينية .
الجشع شريك الإرهاب !
بمجرد عودة أجواء الأعياد المسيحية والإسلامية والأيزيدية الى مناطق سهل نينوى وغيرها، بات من الضروري إيجاد قاعات ضخمة لحفلات الزواج والأعياد وغيرها، وعلى عجل بُنيت الكثير من هذه القاعات وحتى مدائن الألعاب والترفيه، وكان يشوب بناء هكذا مشاريع، الغش التجاري بسبب الجشع الذي يعتري بُناة هذه المشاريع .
كانت بواكير الغش والإهمال كذلك ما حدث في العبّارة المشؤومة التي اختطفت حياة عشرات الموصليين في أحد الأعياد في مدينة نينوى وذلك بسبب استخدام العبّارة الترفيهية أكثر من قدرتها الاستيعابية وهذا ما تسبب بغرقها خلال ثوان معدودة ووفاة عشرات المدنيين بين أطفال ونساء .
اليوم، هناك كارثة أكبر أصابت نينوى والمسيحيين بالذات، كارثة إنسانية وفاجعة ما بعدها فاجعة بوفاة المئات من المحتفلين بأحد الأعراس في منطقة الحمدانية / بغديدا ، وذلك بعد احتراق إحدى قاعات الأعراس المبنية بمادة ( سندويچ بنل والفلين ) وهي مواد سريعة الاشتعال وتحترق بالكامل خلال دقائق قليلة مهما كانت المساحة الإجمالية كبيرة. لبناء مُعين من هكذا مواد سريعة الاشتعال لا يجوز وجود مواد اخرى حارقة مثل الشموع او الطباخات او المواقد أو غيرها من المواد الحارقة او المساعدة على الاحتراق، فضلاً عن خطورتها حتى بعدم وجود هكذا مواد بسبب خطر وجود الكهرباء فيها واحتمالية حدوث تماس كهربائي بسبب الحريق ايضاً يأكل هكذا بنايات مثل النار بالهشيم خلال فترة وجيزة .
ولأن الفساد شريك أساسي لنظام الفشل والمحاصصة، فإن بناء هكذا قاعات أو مبان لم يخضع لمراقبة أو منع من الجهات المختصة التي كان عليها منع بناء هكذا قاعات بهكذا مواد سريعة الاشتعال وغير مطابقة للمواصفات الآمنة للبناء .
سبب ذلك يعود لأن هكذا قاعات أو مبان تعود لاشخاص متنفذين قريبين من أصحاب قرار وسلاح زاد نفوذهم بعد انتهاء خطر داعش، فأصبحوا أصحاب مشاريع وسيطرة على هذه المناطق بسبب وجود السلاح في أيديهم، وأمثال هؤلاء من الصعب محاسبتهم ومساءلتهم عن المعايير الخاطئة لأعمالهم واحتمالية وجود خطر على حياة الناس بسبب هذه المشاريع !
أصابع الاتهام تشير الآن لأشخاص معينين متنفذين وقريبين من جهات مسلحة تمتلك هذه القاعة ومشاريع اخرى كثيرة، ورئيس الوزراء بطبيعة الحال أمر بإجراء تحقيق عاجل لكشف ملابسات الحادث، ومن غير المعروف هل سيتم فعلا محاسبة المتسبب بهذه الكارثة الانسانية بسبب إهماله وفساده ؟
فالكثير من الحوادث والكوارث التي سببها الفساد والإهمال لم يتم محاسبة أحد وذلك لعدم وجود إرادة لمحاسبة الفاسد أصلاً والذي بعضهم يتم إطلاق سراحهم رغم فسادهم وسرقاتهم، فكلما زاد نفوذ الفاسد زاد معه احتمال عدم إدانته بل وزيادة نفوذه ومكاسبه، حتى أن النائب "شيروان الدوبرداني" قال في تصريح بعد الكارثة إن المكاتب الاقتصادية في نينوى هي أسوء من المكاتب الاقتصادية لداعش!
اليوم، هناك المئات من القتلى الذين ماتوا حرقاً ومئات الذين يصارعون الموت حرقاً والسياسي المسيحي جوزيف صليوة ناشد الخيرين لارسال دهون معالجة الحروق لنفاذها من المستشفيات وكل ذلك بسبب قاعة الموت التي أنهت أحلام عروسين أرادا بدء حياة جديدة مع أهلهم، فماتوا هم وأهلهم وأقرباؤهم وأصدقاؤهم بسبب الإهمال المتعمد والجشع في بلد زادت كوارثه والتي اختفت حتى في بلدان العالم الثالث، مثل حريق المستشفيات لوجود ذات المادة المستعملة ببناء قاعة الأعراس التي احترقت ليلة أمس وكذلك انهيار بناية طبية كذلك في بغداد بسبب سوء هندسة البناء و حوادث الطرق بسبب سوء تعبيد الطرق وغيرها من الكوارث بسبب تهالك البنى التحتية . ليكون الجميع في العراق من مسلمين ومسيحيين وغيرهم من لم يمت منهم بالسيف، ماتوا بسيف الفساد والجشع !