عربي ودولي

تحت وطأة الضغوط: تداعيات الصراع وخسائر إسرائيل
تحت وطأة الضغوط: تداعيات الصراع وخسائر إسرائيل

منذ السابع من تشرين الأقصى، والجيش الإسرائيلي يتخبط بين خسارة حرب الصورة والخسائر الاقتصادية الجسيمة. فما أن دقت ساعة الحقيقة، أميط اللثام عن هشاشة الكيان على الأصعدة كافة. ومع الهجمات البرية على غزة ونجاح إسرائيل في تدمير أكثر من نصف مباني شمالي القطاع وقتل النساء والأطفال، فهي قد فشلت لا محالة في الحفاظ على صورة "التحضر" والتطور وكذلك في التماسك العسكري بعد اهتزاز ثقة جنودها بقاداتهم وثقة القادة العسكريين بالقادة السياسيين.

وبالأرقام، تُقدر الخسائر الاقتصادية بأكثر من 15% من الناتج المحلي الإجمالي. كما تتوافق تقديرات البنك المركزي الإسرائيلي مع تقديرات المجلس الوطني الاقتصادي الحكومي، مما يعكس حجم التحديات التي يواجهها الكيان الإسرائيلي. وتتضمن تكاليف الحرب تكاليف نفقات الجيش الإسرائيلي والتعويضات الفورية وغير الفورية.

هذا وتشهد جميع قطاعات الاقتصاد الإسرائيلي حالة تراجع بسبب نقص العمالة الماهرة، حيث بلغت تكلفة الحرب أكثر من 53 مليار دولار وفقًا لتقديرات البنك المركزي الإسرائيلي. تراجع لا شك أنه ينعكس بشكل واضح في أداء القطاعات الاقتصادية المختلفة، مما يجعل التحديات الاقتصادية تتسارع وتتفاقم بلا هوادة.

خسائر طائلة يتكبدها الاحتلال

انعكست الأزمة الاقتصادية على النشاط المالي والاقتصادي الاسرائيلي، فانخفض نمو الناتج المحلي وتراجع الشكيل مقابل الدولار وتراجعت الاسهم والسندات وزادت خسائر الائتمان المصرفي الناتجة عن حالات التعثر بالإضافة إلى التكاليف الباهظة الناجمة عن إغلاق العديد من المدراس والشركات، وإجلاء أكثر من 144 ألف عامل من المناطق من القريبة من الحدود مع قطاع غزة ولبنان، ناهيك عن استدعاء حوالي 370 ألف جندي احتياطي في الجيش الإسرائيلي للخدمة وبعضهم أصبح في عداد الضحايا والآخر يتعالج في مصحات نفسية وحالات كثيرة في المستشفيات نتيجة بتر بعض أطرافهم نتيجة كمائن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة .

أما الملفت، فهو تخلّف الآلاف من المدنيين الإسرائيليين المدرّبين عسكريًا عن خوض الحرب بين صفوف المجنّدين، ومن بينهم عدد كبير من المستدعين للحرب، ما يعدّ أكبر تخلّف يشهده الجيش الإسرائيلي منذ نشأته، لا بل يدل عن "خلل أمني واضح" داخل جيش الاحتلال، وقد تبين القوّة النظامية في الجيش الإسرائيلي أضعف بكثيرٍ من الدخول في حرب. ولذا حاولت قيادة جيش الاحتلال الاعتماد على قوات الاحتياط في مثل هذه الظروف، لكن خابت توقعات القيادة العسكرية بسبب فرار عدد كبير من الاحتياط ذوي الجنسيات المزدوجة إلى بلادهم الأم وإلى وجهات عدة منها قبرص التي تحتضن منذ بداية معركة طوفان الاقصى أكثر من نصف مليون شخص. وإنه لمن المؤكد أنه سيتم الكشف عن الكثير من الفضائح في تحقيقات التي ستجري عقب انتهاء الحرب الجارية، حتى أن الولايات المتحدة فقدت ثقتها بقدرة جيش الاحتلال على المواجهة وأرسلت مئات المستشارين لمراجعة خطط الجيش في المعركة.

تبادل التهم وتمرد

المستشار المصري الدكتور احمد الحمامي يقول لـ"جسور" إنه قد فقد جنود الاحتياط كما الشعب الاسرائيلي "الثقة بقيادته العسكرية كما السياسية الاسرائيلية، ورأى عدد كبير من جنود الاحتلال عدم القدرة على التحكم بمسار الحرب وكذلك اتخاذ القرارات المناسبة وهذا أهم ما يعاني منه الجيش الإسرائيلي اليوم. أما الاعتراض الذي اعلنته القوات المقاتلة وتبادل التهم بالتقصير بين القيادات السياسية والقوات العسكرية فيبرز خطورة ما وصل اليه جيش الاحتلال.. وبالتالي فإن مشهد الاعتراض والتمرد سوف يتنامى ويتصاعد ومع نهاية الحرب سوف يتم تناقل الكثير من الروايات عبر الصحافة الاسرائيلية عن عجز القيادة العسكرية عن ادارة حرب مواجهة مع فصائل المقاومة الفلسطينية محدودة القدرات والامكانات والعديد والتسليح" .

خسائر مؤلمة للجيش الإسرائيلي

في السياق، يقول مدير المركز اللبناني للأبحاث والاستشارات الأستاذ حسان القطب لـ"جسور" إن "حالة الاعتراض التي تتنامى وتتفاقم ضمن الجيش الاسرائيلي، لم تصل إلى حالة التمرد بعد، ولكن لها أسباب وجذور عميقة تتعلق بالبنية العسكرية والأمنية الاسرائيلية. فحالة الاعتراض الأولى ضمن هيكلية الجيش الاسرائيلي، بدأت منذ أشهر، مع امتناع مئات العسكريين الاحتياط من جنود وطيارين عن الالتحاق بالتدريبات والمناورات الدورية لإبقاء الجيش في حالة جهوزية واستعداد للحرب، رفضًا للتعديلات القضائية التي كان نتنياهو يحاول تمريرها واعتبرت حينها مساساً بالجسم القضائي الاسرائيلي".

أضاف القطب أن الحالة الثانية "تتطلب تفاعلًا داخل قوات الاحتلال الإسرائيلي، حيث يعبر جنود إسرائيليون على جبهة غزة عن احتجاجهم على الأوامر والقرارات التي لم تلقَ إعجابهم. يُعزى سبب ذلك إلى أن البنية والنظام العسكري الإسرائيلي يعتمدان بشكل كبير على الاحتياط، الذي يتم استدعاؤه للمشاركة في القتال عند الضرورة. فتُجرى تدريبات دورية للحفاظ على جاهزية الجيش الإسرائيلي للتعامل مع التحديات الأمنية، ويُعتبر المجتمع الإسرائيلي مجتمعًا في حالة حرب، جاهزًا للتصدي لأي تهديد. في فترات السلم، يشارك جنود الاحتياط في مختلف القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة وقطاعات أخرى. وبناءً على ذلك، يتم استدعاء الاحتياط من مراكز عملهم بغض النظر عن نوع القطاع الذي ينتمون إليه".

لا جهوزية للمعركة

أشار القطب إلى أن إسرائيل لا تملك جيشًا محترفًا جاهزًا للحرب فورًا، وهو ما تمثل بوضوح عند دخول قوات حركة حماس إلى منطقة غلاف غزة في فلسطين المحتلة. وفي هذا السياق، تعرضت القوات الإسرائيلية لصدمة، حيث استغرقت القيادة العسكرية والسياسية للكيان الإسرائيلي أربع ساعات قبل اتخاذ أي إجراء عملي للرد على الهجوم. واستمر التحضير للرد لأكثر من ثلاثة أيام، مع النظر في اللوجستيات ووضع الخطط والاستعداد لحرب محتملة على جبهة غزة وربما جبهة الشمال مع لبنان، بالإضافة إلى ضبط المناطق الفلسطينية المحتلة داخل الأراضي الإسرائيلية.

وأضاف القطب أن قوات الاحتياط تعتبر "أن مشاركتها لن تستمر طويلاً، وأن حسم الحرب يجب أن يتم بسرعة، مع عودة أفراد الاحتياط إلى حياتهم الطبيعية بعد الانتهاء من المهمة. وهذا ما لم يحدث في معركة غزة، حيث استمرت لفترة طويلة إلى جانب استمرار الاستنفار لكافة الهياكل العسكرية الإسرائيلية لمواجهة أي حالة طارئة."

وأشار إلى أن التأخر في الرد وعدم وضوح الخطة العسكرية وعدم التنسيق المناسب بين فروع القوات الإسرائيلية تسبب في سقوط مدنيين وعسكريين إسرائيليين، مما أدى إلى فقدان جنود الاحتياط والشعب الإسرائيلي الثقة في قيادتهم العسكرية والسياسية. ورأى في ذلك عدم القدرة على التحكم في مسار الحرب وعدم اتخاذ قرارات مناسبة.

فقدان الثقة

أكمل القطب بالتأكيد على أن أخطر ما يمكن أن يحدث لأي جيش هو فقدان الثقة، وهو ما يعاني منه الجيش الإسرائيلي اليوم بحسبه. فإعلان جنود السرية المقاتلة عن الاعتراض وتبادل التهم بالتقصير بين الكتائب المقاتلة يبرز خطورة الوضع الحالي للجيش الإسرائيلي. وبناءً على ذلك، من المتوقع "أن يتزايد ويتصاعد مشهد الاعتراض، وعند انتهاء الحرب، سيتم نقل العديد من الروايات عبر الصحافة الإسرائيلية حول عجز القيادة العسكرية في إدارة حرب مواجهة مع قوات حماس، التي تمتلك قدرات محدودة من حيث المكان والقوة والإمكانيات. 

وفي هذا السياق، يظهر فشل نظرية الجيش الميكانيكي، الذي يعتمد على آلاف المدرعات لترهيب خصومه والمدنيين أيضًا، في قطاع غزة. لا بل يشير ذلك إلى أن الحرب الإلكترونية والآلية، التي تعتمد عليها إسرائيل، لم تكن قادرة على إيجاد الثقة لدى المدنيين وعناصر الجيش الإسرائيلي لتحقيق نصر سريع، وبالتالي، يتطلب تأمين الثقة والنجاح في المواجهات المستقبلية تقوية التخطيط والتنسيق وتحسين الأداء العسكري بشكل شامل، حتى يكون الجيش الإسرائيلي قادرًا على التعامل مع أي تحدي يمكن أن يطرأ في المستقبل".

وختم القطب قائلا إن "ما جرى من اعتراض الآن قد يتحوّل إلى تمرد وانشقاق لاحقاً. كما إن البنية العسكرية الاسرائيلية سوف تكون موضع مراجعة من قبل القيادة الاسرائيلية دون شك" .

01 ديسمبر 2023

هاشتاغ

التعليقات