عربي ودولي

ارتفاع أسعار المواد الأساسيّة تجاوزَ الـ
ارتفاع أسعار المواد الأساسيّة تجاوزَ الـ"خطوط الحمرَاء" لمعيشَة السوريّين؟
سيطرت أخبار ارتفاع أسعار البنزين والمحروقات والخُبز على معظم وسائل الإعلام ووسائل التواصل في سوريا، وتبِعها في الوقت زيادة رواتب لـ 50 بالمئة في محاولة على مايبدو إلى "إيقاف" ماهوَ قادم من ارتفاعات مستمرّة للمواد الأساسيّة للمواطن السوري الّذي يعيش مُعظمهُ بأقلّ من دولار باليوم، وفقاً لمصادر إعلامية عديدة.

كيف تأثّر السوريّين بارتفاع الأسعار الأخيرة؟ هل سدّت "منحة" الرواتب فجوةَ رفع المحروقات وغيرها أم هي "حلّ مؤقت" سينتهي قريباً؟ هل أسقطَ تضاعف سعر ربطة "خبز  الفقراء" قناع حكومة النظام الّتي أخلفت وعدَها بعدم الاقتراب من خُبز المواطن؟ ماهو الواقع الاقتصادي الحاليّ وهل يوجد حلول متوقّعة أم سيبقى الإنهيار متواصلاً ومستمراً ؟

المحروقات إلى ارتفاع وزيادة الرواتب "إبرة مخدّر"!

ارتفاع أسعار الخبز، المحروقات، الكهرباء، الطعام اليوميّ، المواصلات..كلّ أساسيّات الحياة شبه معدومة داخل سوريا للمواطن الذّي تجاوز خطّ الفقر وأصبحَ دونهُ بدرجات..فلا حياة لمن تُنادي في الحكومة أو الدولة الّتي أصبحت مهّمتها تفقير السوريّين حتى آخر مواطن! الذّي يحصل على صعيد أدنى درجات المعيشة للسوريّين غير منطقي ولا يتحمّله عقل، البنزين والمازوت ارتفعوا عدّة مرّات في العام الماضي والآن منذُ بداية العالم الجديد ارتفعت أكثر من 3 مرّات وذلك من دون تمهيد أو حلول بديلة، لأنّ قرارات الحكومة تأتي "مُفاجئة وقاسية" على كافّة الأصعدة..

ذلكَ ما يقولهُ حازم "موظّف بإحدى مؤسسات الدولة في مدينة حلب"، عن الارتفاع الكبير لأسعار مواد أساسيّة وعن الوضع المعيشيّ للسوريّين في مدينته وفي سوريا تحديداً مناطق النظام.

وكانَ سعر البنزين المدعوم قد ارتفع أكثر من 10 مرات عام 2023، بنسبة ارتفاع تجاوزت 300 بالمئة، وبالتالي حصل ارتفاع لأسعار المواد الغذائيّة ومتوسط تكاليف معيشة المواطن .

وشكّل الارتفاع الجديد لأسعار المحروقات صدمةً كبيرة للسوريّين الّذين عبرّوا عن امتعاضهم عبر وسائل التواصل الإجتماعيّ، حيثُ صدرت يوم الإثنين الماضي نشرة الأسعار الجديدة ل"وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك" التابعة لحكومة النظام السوري، وحدّد سعر ليتر البنزين الواحد (أوكتان 90) بـ10500 ليرة سورية بدلاً من 10000، وسعر مبيع لتر البنزين (أوكتان 95) بـ13825 ليرة بدلاً من 12680 ليرة.

كذلك ارتفعَ سعر المازوت، وأصبحَ سعر مبيع لتر المازوت (الحر) بـ12425 ليرة، بدلاً من 11675 ليرة، وسعر طن الفيول 7 ملايين و479 ألف ليرة، وسعر طن الغاز السائل 11 مليوناً و219 ألف ليرة.

وفيما يبدو أنّه "تهدئة" للشارع السوريّ ، أصدر رئيس النظام السوري بشار الأسد في نفس يوم ارتفاع المحروقات مرسومين تشريعيين لزيادة الرواتب والأجور، وذلك لجميع العاملين المدنيين والعسكريين والمتقاعدين في القطاعين العام والخاص، بنسبة 50 في المئة.

ويقول حازم لـ"جسور" أنّ تلكَ الزيادة أصبحت"عادَة" بعدَ التمهيد برفع أسعار المواد الأساسيّة للمواطنين مثل المحروقات، ويتابع: "هكذا تجري الأمور مع ارتفاع الأسعار وفرض ضرائب جديدة يصدُر مرسوم رئاسي لزيادة الرواتب ك"إبرة بنج" للنّاس الّتي تفرح لأيّام بزيادة أقصاها 10 دولار على راتبهم الّذي لا يتجاوز العشرين دولاراً بالأصل! وبعد شهر ترتفع الأسعار للضعف، تُخلق ضرائب لنهب جيب المواطن، فيعود النظام ليأخذ تلكَ "المنحَة" بطريقة أخرى، وارتفاع سعر ربطة الخبز ليسَ سوى مؤشّر لما هو قادم من غلاء مستمرّ وانهيار اقتصادي ومستوى معيشة دون الصفر للغالبيّة".
 
تضاعَف سِعر " خُبز الفقراء"

وأعلنت وزارة التجارة السورية بالتزامن مع زيادة رواتب العاملين، عن زيادة 100% على سعر ربطة الخبز من 200 إلى 400 ليرة سورية، وبرّرت الوزارة -عبر بيانٍ نشرَ على وسائل التواصل الاجتماعيّ- مضاعفة سعر "خبز الفقراء" سببهُ أن السعر الجديد للخبز ليس رفعاً لسعر الربطة بقدر ما هو "مساهمة من المواطن" في تحمّل جزء بسيط من عبء التكلفة لضمان استدامة تدفّق وتوفر هذه المادة الأساسية.

وتناولت مصادر إعلاميّة بأنّ قرارت حكومة النظام السوريّ الأخيرة خصوصاً رفع سعر الخبز هو مقدّمة لرفع الدعم عن هذه المادّة الّتي قالت الحكومة نفسها بعدّة مناسبات بأن الخبز السوريّ لا يمكن رفع سعره. ويقول أحد العاملين بإحدى مؤسسات الحكوميّة بالعاصمة دمشق  لـ "جسور"، إنّ المعادلة الريّاضية المستحيلة الحلّ هي كيف يستطيع النّاس تدبير أمورهم اليوميّة ومعيشتهم بسوريا، وراتب الموظّف الشهريّ بضعة دولارات "لا تُغني ولا تُسمن من جوع" كما يُقال والمعيشة تكلّف أكثر من 500 دولار!

ويتابع: "يبدو أنّ الدولة تفرض على المواطن السوري عدّة خيارات محدودة أحلاهما مرّ..فَإمّا أن تسرق وتدخل بلعبة الفساد "المنظّم" معهم وتعيش على خطّ الفقر وبذلك تكون شريكهم بالجريمة ولكن بأبخس الأسعار، أو تصمُت وتعيش فقيراً مديوناً إن كنتَ نظيف الكفَ، وإذا تحدّثت أو انتقدتَ أيّ مرسوم رئاسيّ أو قرارات حكوميّة ظالمة أو تكشِف حالات فساد موّثقة لمسؤوليين معروفين، سيكون مصيرك السجن أو المُلاحقة وسوفَ تدفَع"الفوقك والتحتك" من أجلِ أن يعفو عنك.."

ويُكمل "إنها ليست حياة الّتي يعيش بها السوريّين داخل مناطق سيطرة النظام او "الدولة" في حال نستطيع أن نسمّيها كذلك! وأعتقد انّ رفع أسعار المواد الأساسيّة كالمحروقات والخبز، ماهي إلّا مقدمة لكسر "الخط الأحمر" لفقراء سوريا، وهو رفع الدعم شبه الكامل الذّي بدأ بالتدريج بالسنوات الأخيرة..وذلك ما سيكون حتماً وضعاً قابلاً لإنفجار الشعبيّ على الحكومة والدولة، ويبدو ذلك ليس ببعيد فالنّاس تبيع بيوتها لكي تستطيع أن تسافر أو حتى تأكل بها لفترة معيّنة داخل بلدها، ومن لم يملك شيئاً وهم الغالبيّة فيعيشون تحتَ رحمة القدر".

إنهيار اقتصاديّ مستمرّ ومتوقّع

ووفقاً لتقارير إعلاميّة وخبراء اقتصاديّين، تنتظر سوريا عموماً ومناطق النظام خصوصاً أيّام وشهور قادمة ستتضاعف فيها الأسعار ويرتفع سعر الدولار أمام العملة المحليّة، وأشار منهم إلى أنّ رفع دعم الدولة عن المواد الأساسيّة ماهو إلا مسألة وقت لا أكثر.
 
ويشير صحفي سوري اقتصادي لـ "جسور" إلى أنّ معدلات التضخّم حتّى قبلَ زيادة الأسعار والرواتب الحاليّة، كانت إلى ارتفاع مخيف ومستمرّ ويتصاعد أيضاً يوميأ، مضيفاً أنّ الوضع الاقتصادي للعائلة السوريّة سيّء جداً بالعموم والأمور ذاهبة إلى تدهور الاقتصاد السوريّ ودخوله إلى المجهول.
 
ويتابع "لا توجد مؤشرات إيجابيّة على التحسّن بأيّ شكل من الناحية الاقتصادية، فالدولة تتحجّج بالعقوبات الغربية مثل قيصر وفي الوقت نفسه ظهرت في السنوات الأخيرة طبقة "فاحشة الثراء" من أثرياء الحرب أو السوريّين المرتبطين بمسؤولين وضبّاط ونافذين في الدولة، بالمقابل حتماً تضاعفت أعداد الفقراء لأنّ معظم أموال أولئك الأثرياء أتت عن طريق الفساد والسرقة من جيوب الفقراء بعدّة طرق، لكن وفقاً للمعطيات الاقتصادية الحاليّة يبدو أنّ "الخطوط الحمراء" لفقراء سوريا قد تجاوزتها السلطة، بالأخصّ المسيطرين على اقتصادها والمتحكمّين به".

يبدو أنّه لا توجد "حلول مستقبليّة عمليّة" للواقع الاقتصادي المتردّي للسوريّين داخل بلدهم خصوصاً بمناطق سلطة النظام، حيثُ يُنذر ارتفاع أسعار المواد الأساسيّة موخراً ومارافقهُ من زيادة رواتب، بأنّ الأوضاع الاقتصاديّة تتّجه نحو إنهيار يكون بطيئاً تارةً ومتسارعاً بشدّة تارةً أُخرَى، وذلك مُرتبط بكلّ فترة بتحوّلات سياسيّة يشهدها الوضع السوريّ خصوصاً بالأشهر القليلة الماضية.

08 فبراير 2024

هاشتاغ

التعليقات