المجتمع

برامج اكتشاف المواهب بمصر لا تكفي لإظهار قدرات الشباب الفنية
برامج اكتشاف المواهب بمصر لا تكفي لإظهار قدرات الشباب الفنية
تعمل الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، المسؤولة عن إنتاج الجزء الأكبر من المحتوى الفني في مصر، على رعاية مبادرات وبرامج تهدف لاكتشاف المواهب الصاعدة في مجالات فنية مختلفة، لمواكبة التغير في اتجاهات جمهور ينجذب أكثر للأعمال الفنية الشبابية بعد أن حقق بعضها نجاحًا في موسم رمضان، بجانب جماهيريتها على المنصات الرقمية، وقدرة نجوم شباب تصدر شباك تذاكر السينما.

وأعلنت الشركة المتحدة أخيرا إطلاق أكبر برنامج لـ“تجارب أداء” لاكتشاف الوجوه الجديدة، بإشراف المخرج عمرو سلامة، بهدف اكتشاف المواهب في مجالات التمثيل والإخراج والمونتاج والكتابة والتصوير، وكل عناصر العمل الفني الأخرى، وأعلنت عن رابط إلكتروني يساعد الشباب على تقديم تجاربهم من خلاله، وبدأت بمجال التمثيل ويستمر التقديم في المسابقة حتى منتصف مايو المقبل.

قال الرئيس التنفيذي للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية عمرو الفقي إنه ستتاح الفرصة للمواهب في التمثيل للانضمام إلى تجارب الأداء التي تُعرض في شكل برنامج  تلفزيوني يبرز طريقة العمل على الموهبة وتنميتها وصقلها بأساليب علمية، وسيتم التعاقد مع الفائزين على مسلسل من إنتاج الشركة المتحدة لتشجيع المواهب، ويتولى المخرج عمرو سلامة الإشراف على إخراج المسلسل وكتابته. جاءت الخطوة في سياق اتجاه شركات الإنتاج الحكومية والخاصة للبحث عن مواهب شابة، ولدى الشركة المتحدة تجربة من خلال برنامج “الدوم” منذ ثلاث سنوات وجرى تنفيذ موسمين من البرنامج، وتقديم عدد من الوجوه التي شاركت في بعض الأعمال بينهم أمير عبدالواحد الذي شارك في مسلسل  «الكتيبة 101»، وماريا أسامة التي شاركت في مسلسل “الصفارة”، وسعد سمير وشارك في مسلسل “الأصلي”.

يتفق العديد من النقاد على أن هذه البرامج التي تتيح الفرصة للمواهب تشكل مسارا مهمًا يمكن أن يصبح متنفسا لشباب لا يجدون فرصة مناسبة، لكنها لا تكفي للاعتماد عليها كأداة لتقديم المواهب، فإتاحة الفرصة للمبدعين يجب أن تظهر من خلال الارتقاء بالمسارات العلمية والأكاديمية والفنية بوجه عام لتكون هناك مساحات للظهور وترك المبدعين أمام حالة التطور الطبيعي التي قد تبدأ من المدرسة ثم الجامعة، مرورا بقصور الثقافة والمسارح، وصولاً للمشاركة في بطولة المسلسلات والأفلام.

تواجه الجهات المسؤولة عن رعاية الموهوبين واكتشافهم في مصر انتقادات لاذعة لأنها تخلت تقريبًا عن هذه الأدوار، ولم يعد هناك دور حقيقي للمسرح المدرسي.

وعلى الرغم من تبني الحكومة مبادرة لإحيائه، إلا أنها لا تزال خارج التطبيق، كما أن الكثير من المسرحيات التي تقدم على مسارح الجامعات لا تلقى الاهتمام من جانب مكتشفي المواهب الذين يعتمدون على طرق أسهل وأسرع عبر مكاتب “الكاستينغ” التي انتشرت مؤخرا، ووظيفتها البحث عن المواهب على مواقع التواصل الاجتماعي.

ولدى عدد من النقاد قناعة بأن جهات حكومية تضع مسألة اكتشاف المواهب على رأس أولوياتها لأسباب تتعلق بتطور سوق الإنتاج في السينما والدراما، وعزوف الجمهور على عدد من النجوم الذين حرقوا أنفسهم بعد أن ظلوا سنوات طويلة يوظفون الإنتاج الدرامي لصالح إبراز صورتهم لدى الجمهور، وبدا الاصطناع سائداً في بعض الأعمال، وكان موسم رمضان المنقضي جرسا للتحرك مجدداً للبحث عن المواهب.

قالت الناقدة الفنية حنان شومان إن اكتشاف موهبة التمثيل من خلال البرامج فقط أمر صعب، والوضع كذلك بالنسبة للعناصر الفنية الأخرى، مثل الكتابة أو الإخراج أو التصوير، واعتماد البرامج على تجارب الأداء التي تقدمها المواهب عامل إيجابي شريطة أن يكون الحكم من خلال لجان فنية متخصصة وليس عبر تصويت الجمهور.

وأضافت في تصريح لـ“العرب” أن المبادرات الحكومية لتشجيع المواهب خطوة إيجابية في مصر مع تراجع أعداد المعاهد الفنية لاكتشاف المواهب وعدم الاهتمام بالنشاط الفني في الأماكن النائية، وصعوبة الانتقال إلى العاصمة من جانب مواهب تتواجد في الأقاليم ولا تجد من ينظر إليها، ومن المهم أن يواكب ذلك تطور مماثل في أنشطة وزارة الثقافة التي تعد المفرخ الرئيسي للمواهب عبر قصورها ومسارحها المنتشرة.

وأشارت إلى أن إنفاق مبالغ هائلة على إنتاج برامج لاكتشاف المواهب يمكن توظيفه لصالح تطوير قصور الثقافة وبناء مسارح في المدارس وفي تلك الحالة يمكن استدامة تقديم المواهب، ولن يقتصر الأمر على موسم أو أكثر من المسابقات التي قد تعبر أحيانا عن رغبة بعض الأطراف في التأكيد على قيامها بأدوارها تجاه اكتشاف المواهب من دون أن يترك ذلك الأمر أثرا فنيا على أرض الواقع.

ويربط البعض من النقاد بين توالي المبادرات والبرامج التي أعلنت عنها شركات وجهات حكومية لاكتشاف المواهب وبين انغماس الأجهزة الحكومية في الإنتاج الفني، ما يجعل هناك حاجة لضبط السوق خاصة أن تقديم مبدعين شباب يحقق أكثر من هدف، فهو يفتح الباب للتحديث المطلوب في الإنتاج الدرامي والسينمائي، ويخفض ميزانيات الإنتاج الضخمة التي جزء كبير منها لبطل العمل، ودعم ثقة جمهور الشباب في ما تقدمه الشركات الحكومية من أعمال أكثر قربًا من عقولهم واهتماماتهم.

ظهرت وجوه شابة في أعمال درامية ناجحة، أبرزها أحمد داش وعصام عمر اللذان قاما ببطولة مسلسل “مسار إجباري”، وهو أول عمل فني بطولتهما المطلقة، كما شارك الشاب مصطفى عبدالهادي في بطولة مسلسل “الحشاشين” وهو أحد الشباب الذين برزوا عبر منصات التواصل الاجتماعي.

وقدمت الفنانة الشابة دينا سامي دورا مهما مسلسل “فراولة”، وميرنا جميل في مسلسل “بيت الرفاعي”، بجانب حور وجوريا أحمد، وهما إبنا أكرم حسني في مسلسل “بابا جه”، وأحمد عبدالواهاب وهو مؤلف مسلسل “خالد نور وولده نور خالد” وشارك في في مسلسلي “الحشاشين” و”أشغال شقة”.

وبرز الفنان الشاب أسامة السيد في شخصية”ميكا”في مسلسل “خالد نور وولده نور خالد”، وبرزت الفنانة نور إيهاب في مسلسلي “الحشاشين” و”صدفة”، وسجل الفنان “عنبة” ظهوراً جيداً في مسلسل “عتبات البهجة”، وسلمى أبوضيف التي برعت في بطولة مسلسل “أعلى نسبة مشاهدة”.

أكدت الناقدة الفنية ماجدة خيرالله أن برامج اكتشاف المواهب يصعب أن تكون أداة لإظهار المواهب الجديدة وحدها، وقد تتمكن من تقديم ثمانية أو عشر مواهب في الموسم الواحد، في حين أن تطور الإنتاج الفني وتعدد مساراته وقوة المنافسة مع استمرار تقديم المسلسلات على مدار العام عبر المنصات الرقمية بحاجة إلى خطوات عديدة لتقديم المواهب، وأن ورش التدريب على الكتابة والإخراج مهمة كي تساعد شركات الإنتاج على الانتقاء من بين مواهب عديدة.

وأوضحت في تصريح لـ“العرب” أن شركات الإنتاج بحاجة للبحث عن سبل مختلفة للبحث عن المواهب وعدم الاستسهال في الاختيار مع رعايتها ومساعدتها على تطوير ذاتها، ويمكن أن تكون برامج اكتشاف المواهب التي ترعاها الشركة المتحدة أساس جيد يمكن البناء عليه للمزيد من مبادرات اكتشاف المواهب وتقديمها.

ولعل ما يبرهن على أن مسابقات اكتشاف المواهب تواجه مشكلات في تقديم مبدعين حقيقيين أن تجارب الأداء التي تظهر على مواقع التواصل من خلال محتويات يقدمها شباب لم تكن ناجحة مع اختيار هؤلاء لأداء أدوار في مسلسلات وأفلام عديدة، وبدا هناك فارق بين المحتوى الرقمي وثقل الموهبة الفنية وقدرتها الوقوف أمام الكاميرا لأداء دور في عمل فني متكامل، ما يبرهن على أن الاهتمام بمسارات تطور المبدعين عبر المسرح والجامعة والمدرسة وقصور الثقافة هو فاعلية وإيجابية.

28 أبريل 2024

هاشتاغ

التعليقات