عربي ودولي

طريق للانتحار وموت بطيء.. ماذا تعرف عن عمل
طريق للانتحار وموت بطيء.. ماذا تعرف عن عمل "النبّاشة" في العراق؟
قرب الطريق السياحي الرابط بين ديالى وبغداد ضمن ما يعرف بتقاطع "كنعان" تلوح من بعيد التلال العالية من النفايات، وكلّما اقتربت منها تجد بين أطنانها أطفال وشباب يبحثون عن بقايا ما تركه الآخرون كمخلّفات، عسى أن يجدوا ما يصلح للاستخدام، ليضمنوا قوت يومهم.

مكب النفايات هذا تحول إلى نقطة جذب منذ سنوات طويلة، لما يطلق عليهم بـ"النباشة"، والذين لا يتجاوز عمر أغلبهم الـ 20 عاماً، يتوافدون عليه في مجاميع، ويبدأون بالبحث عن مواد مختلفة، كي يتم نقلها إلى ورش قرب العاصمة بغداد لإعادة تدويرها هناك، مقابل مبلغ زهيد.

 "إحسان أبو جعفر"، أربعيني يعمل في "النبش" منذ 18 عاماً، اعتاد القدوم يومياً مع أولاده الثلاثة، يتحدث مع "جسور" ويقول: "أقطع يومياً قرابة 25 كم للوصول إلى مكب النفايات من أجل جمع المواد البلاستيكية وعلب البيبسي الفارغة".

وعلى الرغم من "معاناة حساسية القصبات الهوائية التي سببها استشناق الملوثات في مكب النفايات"، لكنّ أبو جعفر يتحسر: "ما باليد حيلة، واستمر بالقدوم إلى هنا مع أولادي، لأن هذه النفايات باتت مصدر رزقنا الوحيد".

"انتمي إلى الجيل الثاني من النباشة، وأطفالي هم الجيل الثالث.. والموضوع مستمر على هذا النحو"، يقول أبو جعفر.

أما ابنه جعفر، فقد ترك دراسته في وقت مبكر، وحمل كيساً غليظاً والتحق بوالده، كي يجمع معه ما تجود به عليهما تلال النفايات.

 جعفر يقول لـ"جسور"، إننا "نعمل وسط أكوام من الأمراض وليس النفايات فقط"، ويكمل متهكماً: "نحن أصدقاء للأمراض، ونادراً ما تجد أحداً منا لا يعاني حتى ولو كان في ريعان شبابه".

تزوج جعفر قبل 8 أشهر، ولا يستبعد أن يجلب أولاده لاحقاً ليستلموا "مهنة النباشة" حينما "يشتد عودهم".

بيئة خطيرة وروائح لا تطاق

"أبو علي"، سائق شاحنة لنقل النفايات، يرى في حديثه مع "جسور"، أن "النباشة يأتون إلى مكتب النفايات بشكل مستمر ومنتظم، لأنهم توارثوا هذا العمل رغم أن الروائح هنا لا تطاق".

ويقول إنّ "مكب تقاطع كنعان هو الأكبر، لذا استقطب النباشة منذ سنوات طويلة. ومع إغلاقه عدة مرات بسبب حرائق النفايات، لكنهم (النباشة) يصلون إليه مهما كانت المعوقات".

ويشير إلى أن "النباشة يمتلكون حاسة سادسة، لدرجة أنهم يعرفون نفايات أي الأحياء التي تصل للمكب من النظرة الأولى".

بدورها، رئيس لجنة البيئة في مجلس ديالى السابق نجاة الطائي أقرّت بخطورة عمل النباشة والذين أغلبهم من أزقة الفقراء.

الطائي تقول لـ"جسور"، إن "العمل في بيئة ملوثة انتحار لكن سوء أوضاعهم المعيشية يدفعهم للعمل مهما كانت التضحيات"، مستدركة بالقول: "حاولت ضمان دمجهم في الرعاية الاجتماعية، لكن هؤلاء توارثوا المهنة ومن الصعب تركها".

وكمحاولة أخيرة، تبين الطائي أنها "حاولت مرات عدة توجيهم حول سبل منع الأطفال من العمل في هذه البيئة الخطيرة".

 موت بطيء.. التلوث في كل مكان

 مدير مفوضية حقوق الإنسان بديالى صلاح مهدي يصف "النباشة" بأنها "مهنة الموت البطيء"، عازياً وصفه إلى أن "نسبة الإصابات بالأمراض تكون مرتفعة لدى العاملين فيها، وتم تحذيرهم من ذلك مرات عدة، ولكن يصرون على المضي بين النفايات".

يوضح مهدي لـ"جسور"، أن "إضرام النيران في المكبات واستنشاق هواءها الملوث أمر بالغ الخطورة صحياً، ولكن هؤلاء اختاروا حياتهم  رغم تحذيراتنا المتكررة".

وبالنسبة لمهدي، فإنّ "جميع مكبات النفايات في ديالى لا تنطبق عليها الشروط الموضوعية للبيئة"، مؤكداً أن "النباشة هم مشروع مرض باختصار لأن نهاياتهم تكون مأساوية بسبب العيش وسط أجواء ملوثة".

إلى ذلك، يؤكد مدير إعلام صحة ديالى فارس العزاوي، أنّ "المكبات بيئة ملوثة بالفعل وهناك من يصاب بالأمراض".

ويضيف العزاوي، لـ"جسور"، أن "عمل الأطفال في مكب النفايات يعني تعريضهم للأمراض الفتاكة"، مبيناً أن "جهودنا تنحصر في التوعية المبكرة وضمان أن يدرك العاملون في المكبات بأن عملهم يحمل خطورة الإصابة بالأمراض".

02 مايو 2024

هاشتاغ

التعليقات