عربي ودولي

تحسن تصنيف مصر لا يخفف الضغوط الشعبية عن الحكومة
تحسن تصنيف مصر لا يخفف الضغوط الشعبية عن الحكومة
استثمرت الحكومة المصرية تحسن التصنيف الائتماني للبلاد، من مستقر إلي إيجابي، للإيحاء بأنها تسير في الطريق الصحيح للإصلاح الاقتصادي، بشهادة مؤسسات دولية كبرى، كمحاولة لتخفيف الضغوط الشعبية والكف عن اتهامها بالإخفاق في إدارة أزمة أثقلت كاهل المواطنين بالمزيد من الأعباء المعيشية.

وبالغ مسؤولون حكوميون في تفسير تقدير “فيتش” للرأي العام المصري كي يقتنع الناس بتغيير النظرة السلبية للاقتصاد والحد من الإحباط الشعبي، في ظل عدم وجود بوادر ملموسة حتى الآن يمكن البناء عليها وأن البلاد قادرة على الخروج من الأزمة الاقتصادية سريعا، وأن الحكومة تسير بخطوات علمية.

وفسّرت وكالة “فيتش” تغير نظرتها المستقبلية لتصنيف مصر الائتماني بتراجع مخاطر التمويل الخارجي على المدى القريب بسبب الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الدولة وصفقة رأس الحكمة التي عقدتها مع دولة الإمارات، وساعدت على زيادة الاحتياطي الأجنبي في البنوك المصرية.

وقالت الوكالة الجمعة إن قرارها جاء على خلفية انتقال الحكومة المصرية أخيرا إلى سياسة سعر صرف مرنة، وتشديد السياسة النقدية، والتمويل الإضافي من المؤسسات المالية الدولية، وعودة تدفقات غير المقيمين إلى سوق الدين المحلية، ما اعتبره وزير المالية المصري محمد معيط بأنه “شهادة ثقة بالاقتصاد”.

ونجحت القاهرة في تعزيز تدفق العملات الأجنبية عبر صفقة رأس الحكمة وقيمتها 35 مليار دولار يجري تحويلها على دفعات، والاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج موسع بقيمة 8 مليارات دولار، والتفاهم على مساعدات أوروبية سخية.

وتظل المشكلة أن هناك حالة من تراجع الثقة بين الشارع والحكومة تسيطر على شريحة من المصريين، ومهما قدمت الحكومة من أدلة على قوة الاقتصاد لا يحظى خطابها بمصداقية عالية، طالما أن الشواهد غير ملموسة على الأرض.

وتعتقد دوائر سياسية أن احتماء الحكومة بتقارير المؤسسات الدولية حول تحسن وضع الاقتصاد لن يكفي لطمأنة الشارع، ومن الخطأ التعويل فقط على التصنيفات الائتمانية لإقناع الناس أن أوضاعهم المعيشية ستكون أفضل.

وتبدو الحكومة غير عابئة كثيرا بنبض الشارع، حيث تركز على إبرام صفقات وعقد اتفاقيات مع مؤسسات تمويل دولية وإقناع الرأي العام بأنها تسير في الطريق الصحيح، وما حدث من أزمة اقتصادية له تداعيات إقليمية وعالمية لا ذنب للحكومة فيها.

وأكد الخبير في شؤون الاقتصاد السياسي كريم العمدة أن المواطن المصري لا يعنيه التصنيف الدولي، ولا يثق بأي شيء إيجابي، لأن لديه فهمه الخاص للاقتصاد المختلف بشكل جذري عن وجهة نظر الحكومة والمؤسسات الدولية.

وأضاف لـ”العرب” أن أزمة الدولار انتهت بالنسبة إلى الحكومة، وهذا لم يحدث بالنسبة إلى المواطن العادي، فالحكومة تعتبر أن تحرير سعر الصرف يعني زوال المشكلة، أما بالنسبة إلى الناس فيعني أن وصول سعر الدولار مقابل الجنيه إلى 49 ضعفا يظل كارثة.

وتُتهم الحكومة من معارضين بأنها تعاملت مع الملف الاقتصادي بما يخصها وحدها دون مشاركة الناس في الخطوات لتكون تحركاتها مبنية على قناعة مجتمعية تضمن عدم الصدام مع المواطنين وقت الأزمات، ولم تستمع إلى الخبراء والمتخصصين.

وهناك معضلة ترتبط بطريقة تسويق بعض المسؤولين عن الملف الاقتصادي لأيّ تصنيف إيجابي مرتبط ببلادهم، حيث يبالغون في شرح أبعاد ذلك، ويصل الأمر أحيانا حد إقناع الناس بأن ظروفهم ستكون أفضل على المستوى القريب، وعندما لا يحدث ذلك تثار الشكوك في مصداقية الحكومة وما يصدر من تصنيفات دولية.

وأكد كريم العمدة لـ”العرب” أن المواطن يقيس أيّ تصنيف إيجابي للاقتصاد بأن يجد كل شيء في متناول يديه، وما دون ذلك سوف تظل الحكومة متهمة بالإخفاق، مع أنها ترى نفسها ناجحة وفق تقارير من مؤسسات دولية، لكن هذا “فهم فني للمشكلة”.

وتشكل استعادة ثقة المؤسسات الدولية بالاقتصاد المصري تحديا مهما، لأن كل تصنيف إيجابي تقابله شروط تضعها الوكالات الائتمانية لتعديل نظرتها، ترتبط بالمزيد من تحرير سعر الصرف وخفض معدلات الديون والقدرة على الوفاء بالالتزامات المالية، وتسريع خروج الحكومة من القطاعات الخدمية لصالح القطاع الخاص.

ويرفض غالبية المصريين أن يعيش بلدهم على المساعدات الخارجية، ويلتزم بتطبيق شروط مؤسسات دولية لتحسين التصنيف، لأن ذلك يكرّس للتبعية في الاقتصاد، ويجعل الحكومة خاضعة لرؤى المؤسسات المانحة، وما يترتب على ذلك من تراجع في الاستقلال مقابل الانصياع لشروط سوف يدفع ثمنها المواطن.

وتظل الاستفادة السياسية بالنسبة إلى الحكومة من تحسن التصنيف الائتماني في انتصارها معنويا على خطاب قوى المعارضة الذي استغل النظرة السلبية السابقة للإيحاء بأن الحكومة قادت البلاد إلى الانهيار، خاصة أن أسوأ تصنيف لمصر كان قبل عام عندما خفضت وكالة “فيتش” التصنيف الائتماني إلى سلبي لأول مرة منذ عام 2013.

وتتحفظ شريحة من المصريين على توظيف الدوائر الإعلامية لتحسن التصنيفات الدولية لتحقيق تفوق سياسي سريع، لأن ذلك يقود إلى بقاء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية على ما آلت إليه دون التحرك خطوة إلى الأمام، فالعبرة بشعور المواطن البسيط بنتائج ذلك على حياته ومتطلباته وقدرته على تدبير احتياجاته بأقل الإمكانيات.

ولفت كريم العمدة في حديثه مع “العرب” إلى أن أيّ توظيف سياسي لتقارير الوكالات الدولية لن يجدي، فالمواطن لم يعد ساذجا ولديه أدوات قياس مرتبطة بالسوق المحلية.

ويقود التصنيف الإيجابي إلى زيادة الاستثمارات الأجنبية وإفساح الطريق أمام القطاع الخاص للتوسع دون مخاطرة، بالإضافة إلى قدرة الحكومة على إدارة ملف التضخم بشكل يعزز ثقة مؤسسات التمويل الدولية، وهو ما ينعكس بالتبعية على وضعية الاقتصاد على المدى المتوسط ويقود أيضا إلى السيطرة نسبيا على الغلاء.

وترتبط قدرة المصريين على تحمل الصعوبات المالية بمدى شفافية الحكومة والكف عن الوعود بأن الشارع اقترب من جني ثمار صبره على التقلبات الاقتصادية، وعليها التعامل بحكمة وواقعية والسيطرة على الغلاء ليشعر الناس بعوائد الصفقات والتحسن في التصنيف الائتماني، وإلا سوف تظل متهمة بتخدير الرأي العام سياسيا.

05 مايو 2024

هاشتاغ

التعليقات