عربي ودولي

انتشار تجارة المخدرات وتعاطيها مهرب شباب سوريا من بؤس الحرب
انتشار تجارة المخدرات وتعاطيها مهرب شباب سوريا من بؤس الحرب
 يرجع أحمد – وهذا ليس اسمه الحقيقي – بذاكرته إلى الوراء، حين كان يتعاطى المخدرات ويقول، “كنت أريد فقط أن أنسى كل أشكال البؤس وكل ما فقدته في الحياة”.

واتجه أحمد وهو مواطن سوري إلى وسائل ممنوعة، للهروب من الآلام التي عانى منها خلال الحرب التي مزقت سوريا، وأدمن أحمد، لعدة سنوات، تعاطي مخدر يعرف على باسم كابتاغون، وهو نوع من العقاقير التخليقية المنشطة.

وليس أحمد وحده هو الذي سلك هذا الطريق في هذه الدولة الموبوءة بالصراع، بل هناك كثيرون مثله صاروا ضحية لأحد تداعيات الحرب، التي دخلت عامها الرابع عشر في منتصف مارس الماضي.

وبدأت الحرب الأهلية في سوريا في مارس 2011، باحتجاجات مناهضة للحكومة قمعتها بعنف حكومة بشار الأسد، ولا تزال البلاد منقسمة على نفسها حتى اليوم.

ويسيطر الأسد حاليا على ثلثي البلاد، بينما تسيطر قوات المعارضة على المنطقة الشمالية الغربية، وهي آخر معاقل المعارضة، ولا يزال الحل السياسي للصراع يراوح مكانه حتى اليوم.

ويقول زاهر سحلول مدير منظمة “ميد غلوبال” غير الحكومية ومقرها الولايات المتحدة، “ظل إنتاج المخدرات بشكل غير قانوني والاتجار فيها، جزءا من الصراع السوري على الدوام”، وتتيح المنظمة الرعاية الصحية للأشخاص في مناطق الكوارث.

في المئة من المستهلكين يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة السورية

وبينما لفتت تجارة المخدرات القادمة من سوريا أنظار العالم منذ فترة طويلة، فإن استهلاك السوريين للمخدرات يقابل بالتجاهل في الكثير من الأحيان.

وتشير دراسة أجرتها منظمة “ميد غلوبال”، إلى أن تعاطي المخدرات زاد بنسبة ثلاث مرات تقريبا منذ اندلاع الحرب السورية، وأن أكثر من 80 في المئة من متعاطي المخدرات السوريين من الذكور، ومعظمهم تحت سن 30 عاما.

وجاء في الدراسة أن استهلاك المخدرات منتشر في جميع المناطق السورية، وأن ما نسبته نحو 50 في المئة من المستهلكين يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وما نسبته 20 في المئة يعيشون في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، بينما يعيش ما نسبته 30 في المئة كلاجئين في الخارج.

كما تشير الدراسة إلى أن سوريا تعد الدولة التي يوجد فيها أكبر عدد من مدمني المخدرات في المنطقة العربية.

وتختلف دوافع تعاطي المخدرات بين السوريين، حيث يوضح سحلول أن الكثير من جنود الأسد يستخدمونها كمواد منشطة، كما ينتشر التعاطي بشكل خاص بين الرتب العليا من الضباط.

الأحياء السكنية الفقيرة، التي تعيش فيها مجموعات ضعيفة بشكل خاص، أصبحت هدفا لموزعي المخدرات

ومن ناحية أخرى يستخدم جرحى المعارك المخدرات أساسا لتسكين الألم، حيث أن نقص الأدوية بشكل عام في سوريا، لا يترك في الغالب أي خيار آخر أمامهم.

وبالإضافة إلى ذلك تساعد على انتشار المخدرات سهولة الحصول عليها، وفي هذا الصدد يقول سحلول إن “ازدهار تجارة المخدرات وإنتاجها محليا، يعني توافرها بكميات كافية وبأسعار رخيصة”، مشيرا إلى عامل آخر للانتشار وهو أن الكثيرين يتعاطونها للهروب من الواقع الأليم.

كما يشير مدير منظمة “ميد غلوبال” إلى أن الوضع الاقتصادي السيء، يسهم أيضا في انتشار المخدرات، ويقول “يعد الفقر عاملا يشجع على تعاطي المخدر”.

ومن جهة أخرى يقول الخبراء إن الأحياء السكنية الفقيرة، التي تعيش فيها مجموعات ضعيفة بشكل خاص، أصبحت هدفا لموزعي المخدرات، ويتم استغلال صغار السن والأرامل بشكل خاص في هذه التجارة.

وتشير بيانات “وورلد دراج ريبورت” أي التقرير العالمي عن المخدرات لعام 2023، وهو تقرير سنوي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، إلى أن إمبراطورية المخدرات، تعد تجارة تقدر بمليارات الدولارات كما تعد من بين أسلحة الحرب.

جرحى المعارك يستخدمون المخدرات أساسا لتسكين الألم، حيث أن نقص الأدوية بشكل عام في سوريا، لا يترك في الغالب أي خيار آخر أمامهم

ويقول التقرير إن مخدر كابتاغون هو الأكثر استخداما كمنشط، في هذه الدولة التي مزقتها الحرب الأهلية.

وتقول “ميد غلوبال” إن القنب، وغيره من المخدرات مثل الكوكايين منتشرة أيضا.

ويعرب المحققون الدوليون حاليا عن اعتقادهم بأن سوريا أصبحت إحدى أكبر الدول المنتجة لهذا المخدر في العالم، وتقول التقارير إن 80 في المئة من إمدادات الكابتاغون العالمية تصنع في سوريا.

وتقول قوات المعارضة المتمركزة في المنطقة الشمالية الغربية من سوريا، إن دمشق تستخدم المخدرات وتجارتها كسلاح في الحرب.

وفي هذا الصدد يقول خالد الأسد مدير وكالة الشرطة العسكرية التابعة للمعارضة، في المنطقة الشمالية الغربية من سوريا، إن “النظام السوري والدول المتحالفة معه مثل إيران والميليشيات التابعة لها، تهرب المخدرات إلى المنطقة الشمالية الغربية من سوريا، بشكل ممنهج في مسعى لتدمير المجتمع”.

ويوجد مستشفى واحد فقط في المنطقة الشمالية الغربية من سوريا، يقدم الدعم لمدمني المخدرات خلال فترة الانسحاب من تأثير المخدر، وهو المستشفى الذي يتلقى فيه أحمد العلاج.

وهو يتلقى العلاج منذ عام، ويعرب عن ندمه لتعاطي المخدرات لكي ينسى البؤس الذي عايشه، ويقول إنه سيعمل على مساعدة الآخرين على التوقف عن تعاطيها.

ويضيف “إنني أشعر بالسعاد لدخولي المستشفى، وأوصي المدمنين الآخرين بأن يسعوا لتلقي العلاج”.

08 مايو 2024

هاشتاغ

التعليقات