تقارير

الزُبيدي يغزو العاصمة لندن!
الزُبيدي يغزو العاصمة لندن!
المصدر :المركز العربي للأنباء| سالم جعفر
من المتوقع  خلال الساعات القادمة أن يصل إلى لندن  المحارب الكبير عيدروس الزبيدي ،  رئيس المجلس الانتقالي في جنوب اليمن ، والوفد المرافق له. وسيكون ضمن أجندته إلقاء  محاضرة سياسية  في البرلمان البريطاني في 5 مارس 2019، ستشمل الشأن اليمني الجنوبي، وأوضاع الجنوب الاستثنائية ،  ضمن الترويج السياسي للمجلس الانتقالي ، باعتباره الحامل السياسي للقضية الجنوبية.  
سيرأس الندوة  السيد ستيفن دوغتي، Stephen Doughty ، عضو البرلمان البريطاني عن حزب العمال ، وهو  محسوب على  جناح الوسط  ، الذي دعم  الغارات الجوية ضد سوريا في ديسمبر 2015 ،  وكان لبعض الوقت وزيرًا لحكومة الظل  ضمن  مكتب وزارة الخارجية، وأوكلت  إليه مسؤولية أفريقيا وجنوب آسيا والمنظمات الدولية ، وقد
أكتسب  بعض الخبرات السياسية  على هذا الصعيد. 

و سيشارك في الندوة أيضًا  الدكتور سيمون مابون ، Simon Mabon ، مدير معهد ريتشاردسون للسلام في جامعة لانكستر، Lancaster University  ، والباحث في  مركز السياسة الخارجية البريطانية (FPC).  وهو متخصص في الدراسات الشرق أوسطية والنظرية السياسية ، وبشكل خاص في قضايا مثل  السيادة  والنظام والإرهاب. وفي الآونة الأخيرة أتجه للاهتمام  بالعلاقات التنافسية بين السعودية إيران ، وانعكاساتها  على الأوضاع  السياسية في الشرق الأوسط. 
 كما ستشارك  الصحفية المتميزة  إيونا كريج ، Iona Craig  ، وهي صحفية بريطانية مستقلة من أصول أيرلندية ، حائزة على العديد من الجوائز ،  وتركز في كتاباتها على اليمن وشبه الجزيرة العربية ، وتعد خبيرة بالشؤون اليمنية. وقد  درست اللغة العربية في جامعة لندن ، وأمضت أربع سنوات في اليمن، ما بين 2010-  2014 ،  وكانت آخر صحفية أجنبية تغادر اليمن قبل الحرب؛ ولكنها  عادت مرارًا إلى اليمن، وكتبت عن الحرب الأهلية ، من قلب الأحداث، و عن انتهاكات حقوق الإنسان والأزمة الإنسانية هناك. 
ومن  يمكن الاستنتاج  ، بدون عناء، على ضوء هذه المُقدمة  أنَّ اللواء عيدروس الزبيدي  سيُركز ، بدرجة أساسية،  على القضية الجنوبية ،  وعلى الوضع الاستثنائي للجنوب اليمني، وسيخلص إلى أنَّ الاستقرار في اليمن و المنطقة مرهون ببناء دولة مستقلة في الجنوب في حدود 1990.  ومن جانب آخر سينظر الدكتور مابون إلى القضية اليمنية  من زاوية الصراع القائم بين إيران والسعودية، في إطار الصراع الأوسع في الشرق الأوسط ، ومصالح الدول الغربية في المنطقة. إما السيدة كريج ، فستركز، بدرجة أساسية ،  على المأساة الإنسانية وعلى الانتهاكات ، وعلى  وضع حقوق الإنسان  في اليمن. وسيستخلص السياسي البريطاني ، السيد ستيفن دوغتي، المصالح البريطانية ، الممكنة  والمأمولة،  في الظروف الراهنة والُمستقبلية.
بمعنى آخر أنْ الندوة  لن تركز على ضرورة الوقف الفوري للحرب ،  وإنقاذ الشعب اليمني من الموت ،  وصيانة سيادة اليمن ، والبحث عن حلول سياسية للمعضلات القائمة ، بالعودة إلى الشعب.  
من المتوقع كذلك أنْ  يلتقي اللواء عيدروس ، قبيل المحاضرة وبعدها ،  ببعض السياسيين والباحثين والصحفيين  البريطانيين ،  ومن المرجح أنْ يَعقد  اجتماعًا  مُصغَّرًا مع  قيادات المجلس الانتقالي في  الخارج،  وأخر موسعًا  مع أنصار المجلس وأبناء الجالية اليمنية الجنوبية في بريطانيا. 

إنَّ فقدان الشعب للأمل  بحكومة الشرعية الفاسدة ، الراضخة  لأحابيل القوى الخارجية ، ونفور الشعب من القوى الظلامية ، سواء تلك المتغلغلة في حكومة الشرعية، والمدعومة من قطر وتركيا  و السعودية ، أو تلك المهيمنة على السلطة الانقلابية الطائفية  في صنعاء والمدعومة من إيران ، جعل المجلس الانتقالي محط الأمل للكثيرين،  وأتيح له منذ 2017 أنْ يتبوأ، تحت قيادة عيدروس الزبيدي ، موقعًا مُتميزًا في الخريطة السياسية  في المحافظات الجنوبية.  
ولا شك أنَّ عيدروس الزبيدي  نجم صاعد في سماء السياسة اليمنية، فهو  وُلد في ذات العام الذي نال فيه جنوب اليمن استقلاله من الاستعمار البريطاني  في نوفمبر 1967، ويُعوَّل عليه في تحرير جنوب اليمن من قبضة قوى التخلف المحلية، وصد الأطماع الخارجية ، واستعادة  جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ، وتحقيق العدالة والتقدم ، لشعبنا في الجنوب ، ومساعدة أشقائنا في الشمال للتحرر من أسر النظام الطائفي، الذي يرزحون تحته، والمساهمة في تثبيت الأمن و الاستقرار في المنطقة ، بما يخدم مصلحة شعبنا بشكل عام  ومصالح القوى الإقليمية والدولية.  ولكن ما الذي يمنح اللواء عيدروس الزُبيدي هذه القدرة الاستثنائية لكي يحقق هذه الأهداف؟   

إنَّ السيد عيدروس  لم يعش تجربة المرحلة الاستعمارية، ولم يشارك في حرب التحرير ضد الاستعمار البريطاني، ولكنه  وُلد  ونشأ في كنف اليمن الديمقراطي ، وترعرع ضمن  مناخ  قيم الحرية  والكرامة والعدالة  التي انتعشت في  تلك  البيئة الثورية،  المنبثقة  عن ذلك النظام التقدمي ،  وأصبح  قائدًا  عسكريًا  مُتميزًا  عقب تخرجه من المدرسة العسكرية.   وعندما  أقدمَ  نظام صنعاء القبلي  على  تصفية  الحزب الاشتراكي ومنجزاته التقدمية ،  تصدى عيدروس الزبيدي بجسارة   للعدوان، وشارك في الدفاع عن تلك المنجزات،  وبعد الانكسار العسكري في 1994 ،  خرج الزُبيدي من اليمن إلى الخارج ، ثم عاد بعد عامين   إلى عدن ، وشارك الناس معاناتهم ، وشكل كيانًا  مُسلحًا  عُرف باسم حركة تقرير المصير  " حتم"  لمقاومة  سلطة الهيمنة القبلية في صنعاء ، وعمل في إطار الحراك الجنوبي  ،  وبرز كمناضل جسور  من قلب المعانات الشعبية،  التي أعقبت حرب 1994 ، و حظي بثقة قطاع كبير من الشعب في المحافظات الجنوبية.
وفي وقت لا حق  غدا  اللواء عيدروس أحد أبرز قادة الحراك السياسي في جنوب اليمن، المطالب بفك الارتباط عن السلطة القبلية في صنعاء  ،   وقاد معركة تحرير محافظة الضالع ضد القوى المتخلفة سنة 2014 ، كما ساهم في تحرير العند  عام 2015  من قوات السلطة  والمليشيات الانقلابية و الطائفية  التابعة للحوثي،  وعُيِّن من قبل الرئيس اليمني عبد ربه منصور  محافظًا  لعدن  في 7 ديسمبر 2015    ، ولكنه أقيل من منصبه  في 27 أبريل 2017،   بسبب خلافة مع " الرئيس الشرعي"  ،  وأتجه للنشاط السياسي ، بشكل مستقل عن الدولة ، وبرز كقائد متميز للحراك الاجتماعي والسياسي ، وحظي بإجماع شعبي ،  وأصبح  عن جداره رئيسًا للمجلس الانتقالي في 11 مايو2017.
 ومنذ أن تبوأ  اللواء عيدروس الزبيدي مركز الصدارة في الحراك السياسي الجنوبي كان عليه أنْ يناضل على ثلاث جبهات أسياسية:
الجبهة الأولى ، أن يُعزز قاعدته الداخلية، ونيل ثقة الشعب، ليس فقط في محافظة  الضالع ولكن في عموم المحافظات الجنوبية والشرقية.  وقد أفلح  في كسب القطاع الأكبر من قوى الحراك،  التي تجلت  من خلال المسيرات الشعبية الواسعة، وصعود مكانته ، وهبوط مكانة غيره من الزعامات ، ومن ثم حصوله على نوع من الإجماع الشعبي على زعامة  الشعبي في زعامة الحراك ،  ومن ثم  تتويجه ، عن طريق الديمقراطية المُباشرة ،  Direct  democracy، رئيسًا  للمجلس الانتقالي  في منتصف 2017.
الجبهة  الثانية  أنْ يعزز قواته العسكرية من أجل حماية  الحركة، وقد أفلح في ذلك ، و نجح في تشكيل جيش من المحاربين المتمرسين ، المتمثلين بالأحزمة الأمنية ،  وأصبح المجلس الانتقالي في وضع عسكري قوي ، بل  أقوى  من الحكومة الشرعية ذاتها.
الجبهة الثالثة ، أن يركز على  كسب التأييد الخارجي، الإقليمي والدولي،  لمشروع فك الارتباط.  وهنا نجح جزئيًا في كسب تأييد بعض الدول الإقليمية ، كدولة الإمارات العربية المتحدة  الشقيقة.   وعليه الآن مهمة  كسب ثقة الدول الغربية ، وبشكل خاص المملكة المتحدة. ولذلك تدخل زياراته إلى بريطانيا  ضمن هذه المهمة  ، فضلًا عن توسيع دائرة نفوذ المجلس الانتقالي بين المغتربين من جنوب اليمن في بريطانيا، وأغلبهم من الضالع و يافع ، وعدن ،  ونسبة  ضئيلة من لحج و إبين وشبوه  وحضرموت .
لا ريب أنَّ النجاحات الباهرة على صعيد الجبهات الثلاث  تعد  مؤشرًا مهمًا على طريق النصر ضد التخلف ، ولكن مهلًا ،  لنتواضع قليلًا ،  و نؤجل الابتهاج بالنصر ، ونناقش الصعوبات  الماثلة أمامنا. إذ لا ينبغي ، بأي حال من الأحوال، أنْ نميل إلى الاستسهال، ونقفز فوق الظروف الذاتية الموضوعية ،  تحت تأثير الحماس، ونتجاهل الصعوبات القائمة والمحتملة. 
 عيدروس الزبيدي مكافح جسور ولكن لا سبيل لفهم الفرد دون اخذ سياقه الاجتماعي  في الاعتبار ، فعيدروس الزبيدي ، الصبور و المُعين ، هو أولًا  الابن الشرعي  للبيئة الاجتماعية اليمنية بكل تعقيداتها ،  وهو ثانيًا يواجه  معضلات،  داخلية وخارجية، لا حد لها ، من بينها  مكانة المجلس الانتقالي على  الصعيد اليمني،  ضمن مشروع تقدمي شامل  للوطن مُنفتح على العصر ، بأفق مُستقبلي ، ومكانة اليمن الصعيد  الإقليمي والعربي والدولي ، والحصول على الدعم  الخارجي، وبشكل خاص  من  القوى الديمقراطية والتقدمية  في العالم، وليس من الدول التي تتربص بالوطن، وتستغل التشققات القائمة  بين أبنائه ، تقتل بعضهم ، وترشي بعضهم  وتشتريهم ،  لكي تقوض وجوده السياسي  ، و تهمين عليه. 
وقبل التطرق  إلى جملة المعضلات التي تواجه  المناضل  اللواء عيدروس ، علينا  أنْ نستمع إليه ،  ونقرأ توجهه السياسي ، ونرصد  أصداء زيارته  إلى بريطانيا، ونستخلص نتائجها الظاهرة والمُستترة،  ونستنتج الموقف البريطاني إزاء الأوضاع في اليمن والمنطقة. بريطانيا كانت الدولة الغازية لجنوب اليمن و المُستعمِرة له ، وعيدروس الزُبيدي  ليس غازيًا لها ، وإنما زائرًا ومحاورًا.  ولذلك فأنَّ  حوار عيدروسنا المُعِيْن ، مع السياسيين البريطانيين ، سيكون كالحوار مع إبليس اللعين! 
 ولذلك سنؤجل بقية حديثنا  عن زيارة عيدروس والمعضلات القائمة  إلى الأسبوع المُقبل .تحياتي..


02 مارس 2019

هاشتاغ

التعليقات