عربي ودولي

الفنانة اللبنانية هبة كلش تمنح لوحاتها حياة ثانية بطعم الأحلام
الفنانة اللبنانية هبة كلش تمنح لوحاتها حياة ثانية بطعم الأحلام
شكل معرض الفنانة اللبنانية هبة كلش المقام حاليا في صالة صالح بركات البيروتية استمرارا لأسلوبها الفني الذي يقف على حدود التلاشي، وكأنه الخلاص الوحيد من عالم أثقلته قيوده المادية وانشغالاته اليومية.

وذكر البيان الصحافي الذي قدم المعرض المعنون بـ”أحلامنا حياة ثانية” أنه “مجموعة من الأعمال التي توسّع ثيمات وإيماءات ممارسات كلش الحديثة في تجهيز جديد مؤلّف من لوحات ورسومات، إلى جانب تدخّل نحتي يُبرز التوتر الموجود بين الرسومات المؤطرة واللوحات الملفوفة بالإيماءات الكتابية الهشة والحميمة والبديهية التي تميّز إنتاجات الفنانة اللبنانية”.

ويضيف البيان “تستحضر القطع وعود وأهوال اليقظة والأحلام. لا يتوق المعرض إلى عالم آخر يتجاوز حدود تجربتنا، لكنّه يأخذ على محمل الجد ما هو أساسيّ وجوهريّ بالنسبة إلى هذا العالم في الرغبة اللاواعية”.

وما هو أساسي بالنسبة إلى الفنانة ليس فقط في هذا المعرض بل في الذي سبقه أيضا، هو ثيمة الحلم الذي يتخطّى كونه تفريغا لشحنات عاطفية أو تخفيفا من أهوال وكوابيس مستقبلية. الحلم بالنسبة إليها بوابة إلى العالم الآخر حيث تهدئ الجراح وتنتعش الروح، وليس في ذلك أي غرابة حتى وإن نظرنا إلى ما قدّمته الفنانة هبة كلش من أفكار في معرضها الفني هذا من خلال نظرة علمية/ طبية حديثة بدأت ترى أن هناك أمرا آخرا غير الحالتين المكرستين منذ زمن طويل، وهما الوعي واللاوعي. أما هذا “الأمر الآخر”، فهو حالة تتخطى الوعي واللاوعي وتبقى خارج محدودية الجسد وفنائه.

وعلى “بساطة” نص الفنانة، إذا جاز التعبير، وهدوء الألوان التي استخدمتها سابقا وحاضرا، فإن نصها الفني فيه الكثير من الغموض، لذلك جاءت الكلمات، لا بل الجمل التي أرفقتها الفنانة بالأعمال مُقربة للمعنى الذي أرادت أن تعبّر عنه.


ومن تلك الكلمات نذكر “غضبنا الصامت يعطينا أجنحة” و”كثيرا من الحوادث القاهرة حدثت لتُعبد طريق أمور أشد منها وطأة” و”وتعلقت ثقيلة في الفراغ حين تلاقي القلوب القلقة بالقلوب القلقة”.

ليست الفنانة كلش أول أو آخر من استخدم النصوص الكتابية لترافق أعمالها. من الفنانين من كتبوا نصوصهم الشخصية ومنهم من استعاروها من آخرين أدباء أو شعراء أو فلاسفة، ولكن اللافت في نصوص الفنانة وكيفية قراءتها لأعمال شعرية وترجمتها في أعمال فنية أنها تتّبع مسارا يمكن تسميته بالمسار الباطني الذي هو غامض في أحيان كثيرة حتى عند الفنانة. وما يدعم هذه السلاسة في التعبير الفني هو هذا “التسليم” بعذوبة غيب هو الأقدر على نحت أفكارنا وإظهار مشاعرنا.

وبعد معرضها الفني الذي قدّمته في صالة صالح بركات تحت عنوان “ليموناضة كل شيء كان لانهائيا” منذ سنتين، طرحت الفنانة التشكيلية اللبنانية في معرضها الجديد “أحلامنا حياة ثانية” أفكارا ليست بعيدة عمّا قدّمته سابقا. أفكار لا زالت على ما يبدو تهجس بها ولكنها في معرضها هذا ازدادت شفافيتها تشكيليا بوضوح، كما ازدادت الفنانة قبولا بها ومن هنا خفّت حدّة ظهور أشواك الورود وعروقها المشدودة في شبه فراغ اللوحات كاختناق يريد أن “يبدو جميلا”.

وظهر في لوحاتها السابقة نمو أغصان دقيقة لأشجار مجهولة المغرس تظهر متقصّفة الفروع في بعض اللوحات، بينما تمدّدت بعيدا حتى تلاشت هيئاتها عند نهاية مطافها المُتعرّج في لوحات أخرى.

أما في لوحاتها الجديدة وبعد أن يُرسل المُشاهد نظره فيها سيلحظ كيف تراخت معظم أغصان الأزهار ونبتت براعم لأزهار وردية متكوّرة ومُنغلقة على ذاتها، وليست بزهور بقدر ما هي تجسيد لمشاعر وأفكار بقيت في طور التشكّل ومتقوقعة على ذاتها إلى ما لا نهاية أو حتى أن يُشرق عليها من خارج الأرض اطمئنان حقيقي.


تكاثرت بُتيلات الأزهار المُنفصلة عن بعضها البعض في لوحات كلش الجديدة لتطفو في وحدتها عبر حالات صوفية لم تعد تقيم لحضورها المادي كزهرة متكاملة أي أهمية.

وحضرت بعض الأزهار شبه كاملة في لوحات جديدة، ولكنها ليست بأهمية نفحات البُتيلات التي انتشرت في لوحاتها عطرا وبخورا برائحة، بل لنقل بروح الورد، وكأن في ذلك محاولة للهروب إلى حقيقة الحياة خارج مظاهرها الطنانة والبالية.

وهبة كلش، المولودة في بيروت، هي فنانة متعددة التخصّصات تمتد ممارستها إلى الرسم واللوحات والمنحوتات والتركيب مستخدمة تقنيات مختلفة في أعمالها مثل الزجاج والمواد الغذائية والأسلاك المعدنية والملابس.

وفي العام 2005، حصلت كلش على درجة الماجستير في الفنون الجميلة من كلية كاليفورنيا للفنون. ولديها عدد من المعارض الفردية خارج لبنان وداخله، حيث عرضت أعمالها في بيروت وبرلين وبروكسل وإسطنبول ونيوأورلينز وأوكلاند وسان خوسيه وسان فرانسيسكو وطهران. كما شاركت في معارض جماعية منها في مركز بيروت للمعارض ومتحف الورود في الجامعة الأميركية في بيروت.

15 يناير 2021

هاشتاغ

التعليقات