المجتمع

خرافات حول الشيخوخة
خرافات حول الشيخوخة
قبل 300,000 جيل، انفصل الجنس البشري عن السلف المشترك بينه وبين الشمبانزي. ومنذ ذلك الوقت تضاعف متوسط العمر المتوقع للإنسان، وخلال مئتي عام الماضية تضاعف هذا الرقم مرة ثانية؛ فقياساً ببقية الكائنات يؤدي البشر أداءً جيداً في مسألة البقاء. ووفقاً لتوقعات منظمة الصحة العالمية، فإن نسبة البشر الذين تتجاوز أعمارهم 60 عاماً سوف تتضاعف من 11% في عام 2000 لتصل إلى 22% في عام 2050.

وفي ضوء هذه الحقائق، أصبح من الضروري تبديد الخرافات الكثيرة المرتبطة بالشيخوخة الآن أكثر من أي وقت مضى. وفي ما يلي سوف نتناول الأساطير المرتبطة بممارسة التمارين الرياضية، والقدرات الذهنية والجنسية، وغيرها.



1-تدهور الجسد أمر لا مفر منه

هذه المقولة ليست صحيحة تماماً، عندما نتقدم في السن يتعرض جسدنا إلى شيء من البلى والتلف نتيجة الاستخدام لعقود طويلة؛ ولكن ليس من الضروري أن يكون تدهور الجسد كاملاً، ويمكن للناس في كثيرٍ من الأحيان إبطاؤه. وكما تقول منظمة الصحة العالمية فإن: “زيادة النشاط البدني، وتحسين النظام الغذائي، يمكن أن يكونا فاعلين مؤثرين في مواجهة المشكلات التي غالباً ما ترتبط بالشيخوخة”. ومن هذه المشكلات تراجع القوة، وزيادة الشحوم في الجسم، وارتفاع ضغط الدم، وانخفاض كثافة العظام. وقد وجدت بعض الأبحاث أن مجرد توقع التدهور الجسدي سوف يزيد من احتمال حصول هذا التدهور.


مع تقدم السن يتعرض الجسم إلى البلى نتيجة الاستخدام الطويل
إحدى الدراسات التي شملت 148 شخصاً متقدماً بالسن حول شيخوختهم، وأسلوب حياتهم، وتوقعاتهم الصحية بشكل عام، خلصت إلى أن التوقعات حول الشيخوخة “تلعب دوراً مهماً في تبني أنماط حياة نشطة نسبياً عند المسنين، ومن المحتمل أن تؤثر في حالتهم الصحية، وعلى وظائفهم البدنية”.



لذلك، فعلى الرغم من توقع حدوث بعض التدهور، فإن إدارة التوقعات سوف تساعد الأفراد على اتخاذ خيارات أفضل للمحافظة على الصحة واللياقة البدنية، مع التقدم في السن. وقد تناولت دراسة سابقة كيفية تأثير توقعات الشيخوخة على احتمالات طلب الفرد للعناية الصحية. وخلص واضعو الدراسة التي شملت 429 شخصاً مسناً إلى أن “انخفاض مستوى التوقعات بشأن الشيخوخة، يرتبط بشكل مستقل مع عدم الاعتقاد بأهمية التماس الرعاية الصحية”.


النظرة الإيجابية والتمارين الرياضية يمكن أن تحد من آثار الشيخوخة
وبحثت دراسة أخرى في نظرة الأفراد إلى الشيخوخة، في فترة أواخر منتصف العمر، وكيف يمكن أن تؤثر على عمرهم الإجمالي. وخلص واضعو الدراسة إلى أن “الأشخاص المسنين الذين كانت لديهم قبل 23 عاماً تصورات أكثر إيجابية عن الشيخوخة قد عاشوا سبع سنوات ونصف السنة أكثر من أولئك الذين كانت لديهم تصورات ذاتية سلبية عن شيخوختهم”.

باختصار، فإن المحافظة على النشاط البدني، والغذاء السليم، والنظرة الإيجابية، يمكن أن تبطئ من التدهور الجسدي المرتبط بالشيخوخة.


2-يجب على المسنين الابتعاد عن ممارسة الرياضة

مما ورد سابقاً يتضح أن هذه خرافة، فقد أظهرت دراسات سابقة أن النشاط البدني يعزز قوة العضلات، ويقلل تراكم الدهون، ويحسن الصحة الذهنية. يعتقد البعض أنه بعد الوصول إلى سن معينة لا يعود هنالك أية فائدة من ممارسة التمارين الرياضية، وهذه أسطورة أخرى. قام باحثون في إحدى الدراسات بإخضاع 142 مسناً تُراوح أعمارهم بين 60 و80 عاماً لبرنامج رياضي في رفع الأوزان مدته 42 أسبوعاً، ووجد العلماء أن هذا البرنامج قد زاد من قوة العضلات وحجمها وقدراتها الوظيفية.


هنالك أدلة واضحة أيضاً على أن ممارسة الرياضة بانتظام تقلل من مخاطر الإصابة بمرض ألزهايمر وأشكال الخرف الأخرى. وقد وجدت دراسة شملت 1740 مسناً أن ممارسة الرياضة بانتظام “ترتبط مباشرة بتأخير ظهور الخرف وألزهايمر”. وفي جميع الأحوال يمكن للغالبية العظمى من المسنين الانخراط في شكل من أشكال الرياضة.

3-المسنون يحتاجون إلى ساعات أقل (أو أكثر) من النوم

يعتقد البعض أن كبار السن يحتاجون إلى النوم أكثر من البالغين الأصغر سناً، وربما يرجع ذلك إلى الصورة النمطية للمسن الذي يستمتع بالقيلولة. ويعتقد آخرون أن المسنين يحتاجون إلى ساعات أقل من النوم، وقد يكون ذلك بسبب الصورة النمطية لكبار السن الذين يستيقظون باكراً جداً. ومن الصعب دحض هاتين “الأسطورتَين”؛ نظراً لكثرة العوامل المؤثرة، ولكن مما لا شك فيه أن المسنين يعانون صعوبات في النوم، ويكون نومهم متقطعاً وغير منتظم، وهذا يبرر حاجة بعض المسنين إلى القيلولة أثناء النهار. ومع تغير الجسم بتقدم العمر، قد تتعطل الساعة البيولوجية، وهذا بدوره يمكن أن يؤثر على النوم؛ وهي علاقة متعددة الأوجه أيضاً: فإذا تعطلت الساعة البيولوجية لشخص ما يمكنها أن تؤثر على وظائف حيوية أخرى؛ مثل مستوى الهرمونات الذي يمكن بدوره أن يؤثر على النوم أيضاً.


وبصرف النظر عن الاضطرابات البيولوجية اليومية، يمكن لأمراض معينة تصيب المسنين عادة أن تؤثر على النوم؛ مثل مرض هشاشة العظام الذي يسبب عدم الراحة، وبالتالي قد يؤثر سلباً على قدرة المسن على النوم أو على البقاء نائماً. وبالمثل فإن بعض الأمراض التي تسبب ضيق النفس؛ بما فيها مرض الانسداد الرئوي المزمن وقصور القلب الاحتقاني يمكن أن تجعل النوم أكثر صعوبة. ووفقاً لدراسةٍ سابقة فإن بعض الأدوية؛ مثل منظمات القلب وموسعات القصبات والكورتيكوسترويدات، ومضادات الاحتقان ومدرات البول، يمكن أن تتداخل مع النوم؛ وهي أدوية غالباً ما يأخذ المسنون أحدها أو العديد منها معاً.

يقول مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها إن الأشخاص في عمر 61- 64 عاماً يحتاجون من 7 إلى 9 ساعات من النوم، بينما يحتاج مَن تجاوزوا الخامسة والستين إلى 7- 8 ساعات. وقد يكون ذلك بسبب صعوبة حصولهم على هذا النوم المهم. ومن الناحية الإيجابية، تشير بعض الدراسات إلى أنه مع التقدم في العمر تزداد القدرة على التعامل بشكل أفضل مع الحرمان من النوم. وقد خلصت دراسة نشرها موقع صحيفة أبحاث النوم إلى أن المسنين سجلوا نتائج أفضل ممن هم أصغر سناً في التعامل مع الحرمان من النوم ممن هم أصغر سناً في عدد من المقاييس؛ بما فيها الآثار السلبية، والاكتئاب، والارتباط، والتوتر، والغضب، والوهن، والتهيج.

4-النساء فقط يصبن بهشاشة العظام

هشاشة العظام هي حالة تضعف فيها العظام بشكل تدريجي، ويعتقد البعض أنها لا تصيب إلا النساء، وهذا غير صحيح؛ فهي تصيب الجنسَين، وفي كل الأعمار، مع أنها أكثر شيوعاً بين المسنين والبيض والنساء.

ووفقاً لمقالة عامة، فإن الجمعية الدولية لهشاشة العظام تقدر أن واحدة من كل ثلاث نساء فوق سن الخمسين مصابة بهشاشة العظام، وأن واحداً من كل خمسة رجال سيعاني كسراً يرتبط بهشاشة العظام خلال حياته.

وتقول أسطورة أخرى إن هشاشة العظام حتمية بالنسبة إلى النساء مع تقدمهن في السن، كما تشير الأرقام الواردة أعلاه فإن ثلثي النساء فوق سن الخمسين لا يعانين هذا المرض. ولتقليل مخاطر الإصابة ينصح المعهد الوطني للشيخوخة الناس بتناول الأطعمة الغنية بالكالسيوم وفيتامين D وبممارسة الرياضة بانتظام.


5-القدرات الذهنية تتراجع مع التقدم في السن

يشير مصطلح تراجع الإدراك إلى الانخفاض التدريجي في الأداء العقلي مع التقدم في السن؛ ولكن قبل البحث في الحقائق حول هذا الأمر، فإننا نستبعد بعض الخرافات المرتبطة به:

الخرف أمر حتمي

وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن احتمال الإصابة بالخرف يزداد مع تقدم السن؛ ولكنه لا يصيب جميع المسنين. فعلى المستوى العالمي، يقدر أن 5- 8% ممن تجاوزوا الستين مصابون بالخرف، وهذا يعني أن 92- 95% لا يعانون منه. وفي الولايات المتحدة تقدر نسبة من يعانون الخرف بنحو 13.9% ممن تجاوزوا 71 عاماً، وهذا يعني أن 86.1 ممن هم فوق 71 عاماً غير مصابين به.


التعلم المستدام والتمارين الذهنية تقلل مخاطر الإصابة بالخرف
تراجع الإدراك يؤدي إلى الخرف

على عكس الاعتقاد السائد، فإن تراجع القدرات الذهنية لا يشير بالضرورة إلى بداية الخرف. يميل الأشخاص المصابون بالخرف إلى الإصابة بتراجع الإدراك أولاً؛ ولكن ليس كل مَن يعاني تراجع الإدراك سيصاب بالخرف، فقد قدرت دراسة سابقة أن 22.2% من الأمريكيين الذين تجاوزوا 71 عاماً يعانون تراجع الإدراك، ومن بين هؤلاء يُصاب سنوياً 11.7- 20% بالخرف.



تراجع الإدراك أمر حتمي

كما تدل الإحصاءات أعلاه، فإن تراجع الإدراك ليس أمراً حتمياً، على عكس الخرافة السائدة بأن جميع المسنين يعانون تباطؤ الذهن. وهنالك طرق لتقليل مخاطر الإصابة به.



في عام 2015 قامت جمعية ألزهايمر بتقييم الأدلة على عوامل الخطر القابلة للتعديل المتعلقة بتراجع الإدراك والخرف، وأوضح تقريرها الذي قدمته إلى مجلس الخرف العالمي أن “هنالك أدلة كافية تدعم العلاقة بين العديد من عوامل الخطر القابلة للتعديل، وتقليل خطر تراجع الإدراك”. وذكر التقرير أن المحافظة على النشاط البدني المنتظم وإدارة عوامل الخطر التقليدية للقلب والأوعية الدموية؛ مثل مرض السكري والسمنة والتدخين وارتفاع ضغط الدم، ترتبط كثيراً بانخفاض مخاطر الإصابة بتراجع الإدراك. ووجدت الدراسة أيضاً أدلة واضحة على دور النظام الغذائي الصحي، والتعلم المستدام، والتمارين الذهنية، في التقليل من احتمال الإصابة.



6-لا فائدة من الإقلاع عن التدخين الآن

سواء أكانت هذه أسطورة بحق أم مجرد عذر، يقول بعض المسنين إنه لا فائدة من الإقلاع عن التدخين في مثل سنهم؛ وهذا غير صحيح بالمرة. وكما تشير هيئة الخدمات الصحية الوطنية: “بغض النظر عن عدد سنوات التدخين، أو عدد السجائر التي تدخنها في اليوم، فإن صحتك ستبدأ بالتحسن حالما تتوقف عن التدخين، وبعض الفوائد تكون فورية وبعضها على المدى البعيد؛ ولكن المهم هو أن الوقت لم يفت قط”.



7-مع تقدم السن يتراجع النشاط الجنسي أو يتوقف

يعتقد البعض أن المسنين يفقدون قدراتهم الجنسية، لحسن الحظ هذه خرافة. صحيح أن احتمال الإصابة بالضعف الجنسي أو جفاف المهبل يزداد مع تقدم السن؛ ولكن هذه ليست مشكلات مستعصية بالنسبة إلى معظم الناس، فهنالك أدوية وكريمات مرطبة لها مفعول السحر في الكثير من الحالات؛ ولكن قبل تعاطي الأدوية يجب استشارة الطبيب، لأنها قد لا تكون مناسبة للجميع.

أشارت دراسة نشرت في المجلة الدولية للممارسة الطبية إلى أن نحو 0.4% من الرجال في سن 18-29 عاماً يعانون الضعف الجنسي، بالمقارنة مع نسبة 11.5% بين من هم في سن 60- 69؛ ولكن قلب هذه الإحصائية رأساً على عقب يجعل الأمر أقل صعوبة، ما يقارب 9 من كل 10 رجال في الستينات لا يعانون الضعف الجنسي.


التقدم في السن لا ينهي الحياة الجنسية الصحية.. بل يحتاج إلى إعادة تعريف التعبير عنها
قد تكون ممارسة الجنس بين المسنين أقل سرعة وصخباً؛ ولكن هذا ليس بالضرورة أمراً سيئاً، فكما كتب أحد المؤلفين: “التقدم في السن لا يتطلب التوقف عن الحياة الجنسية السليمة؛ بل يحتاج إلى إعادة تعريف التعبير عنها”، ومع أن البعض يفقدون شيئاً من الرغبة الجنسية مع التقدم في السن؛ ولكن هذا لا يعني أن هذا ينطبق على الجميع.

وختاماً، ولرفع المعنويات، في ما يلي مقطع من دراسة شملت 158 مسناً، ومع أن المشاركين قالوا إنهم يمارسون الجنس بمعدلات أقل مما كانوا يفعلون قبل عشر سنوات، فقد جاء في الدراسة: “لوحظ وجود حياة جنسية قوية عند الرجال والنساء حتى في مراحل متقدمة من الشيخوخة”.

الخلاصة

بشكل عام يبدو أن كل الخرافات المتعلقة بالشيخوخة تركز على الحتمية؛ حيث يعتقد الناس أنه لا مفر من أن تصبح حياتهم تدريجياً بائسة ومملة وخالية من المشاعر ومليئة بالآلام.

مع أن بعض جوانب الصحة قد تتدهور بتقدم السن، فلا شيء مما سبق هو أمر حتمي للجميع. وكما رأينا فإن النظرة النفسية الإيجابية إلى الشيخوخة يمكنها أن تفيد كثيراً الجوانب الجسدية منها.

23 فبراير 2021

هاشتاغ

التعليقات