يواجه النظام المصري انتقادات خارجية عدة وتتزايد الأعباء بعد وصول الرئيس الأميركي جو بايدن للسلطة، بما يوليه من أهمية للحريات، ما يعني أن عبئا إعلاميا مضاعفا يقع على عاتق الدولة في الرد على سيل الاتهامات الموجهة ضدها.
في ظل أجواء مشحونة بالتوترات السياسية تحتفل صحيفة “الأهرام ويكلي” بمرور 30 عاما على تأسيسها في 28 فبراير كمنبر ناطق بالإنجليزية موجه للجمهور الغربي.
وأقر عزت إبراهيم رئيس تحرير “الأهرام ويكلي” وموقع “أهرام أون لاين” بوجود تحديات عديدة لتوصيل صورة حقيقية لما يحدث في مصر، خاصة أن بعض وسائل الإعلام الغربية تتبنى سياسة ما يوصف بالموضوع الواحد ولا تنظر للقاهرة سوى من نافذة حقوق الإنسان وتتجاهل ما يحدث على الأرض في قضايا مهمة.
وأضاف إبراهيم في حديث مع “العرب” “أن الأحداث تصل إلى العالم الغربي أحيانا بصورة مضللة أو غير دقيقة، وهنا يبرز دور ‘الأهرام ويكلي’ وأهمية المساحة التي تشغلها في نقل الأخبار كما هي، فلقد مثلنا بتواجدنا على مدار 3 عقود مساحة تمثل مرجعية لمن يريد أن يعرف”.
وتطرق الحديث حول إشكالية وجود خيط رفيع بين تقديم ما يحدث بشكل صحيح وبين تجاوز النقل إلى الدعاية، وهو ما يتم بصورة مكثفة في الإعلام المصري، وأكد إبراهيم أن “هناك نوعية من الأخبار مثل أخبار رئيس الجمهورية لا تخضع للتلوين وعرضها لا يمثل دعاية بل مواجهة للخلل المعلوماتي، ونحن نحرص على تقديم صورة بأن في مصر حياة أخرى ومجتمعا ينتج ويتطور ومؤشرات اقتصادية جيدة”.
قضايا حقوق الإنسان
الجانب الإثيوبي في حالة استنفار ضدنا ونحن ننقل كل وجهات النظر حتى الأخبار الإيجابية عن إثيوبيا كي لا نتحول إلى بوق دعائي
عزت إبراهيم: الجانب الإثيوبي في حالة استنفار ضدنا ونحن ننقل كل وجهات النظر حتى الأخبار الإيجابية عن إثيوبيا كي لا نتحول إلى بوق دعائي
لتخطي الفاصل بين الدعاية والإخبار تحرص “الأهرام ويكلي” على عرض كافة القضايا بقدر لافت من الحياد والموضوعية، حتى تلك التي توجه فيها انتقادات لمصر، ويقول إبراهيم “القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان نتناولها بطريقتنا ولا يوجد تعتيم فيها ونتعامل بشكل مهني مع البيانات الرسمية ونمنح مساحة كبيرة للتحليل والرؤى حول ما يجري في مصر والمنطقة”.
وتمثل ‘الأهرام ويكلي’ حالة خاصة منذ صدورها، حيث تتمتع بهامش أكبر من الحريات ومساحات أوسع للتحليل والآراء المتباينة.
ويعزو رئيس تحرير الصحيفة ذلك إلى هامش الحرية الذي عكس إدراكا مبكرا من صانعي التجربة لمعرفتهم بطبيعة الجمهور، قائلا “لدينا حرية التناول لأن القارئ المستهدف لن يأتي إذا لم يشعر أن وجهات النظر المختلفة تقدم له بشكل حقيقي، ولا بد من تقديم محتوى يحترم عقله ويبتعد عن القوالب النمطية للصحافة العربية”.
واستشهد بالدور الذي تلعبه صحيفته في ملف سد النهضة، ليعكس تأثيرها، قائلا “لعبنا دورا مهما في قضية سد النهضة، فالجانب الإثيوبي في حالة استنفار ضدنا ووزير خارجيتها ذكرنا بالاسم أكثر من مرة، يسمي الموقع آلة الدعاية المصرية، كما تتعرض صفحاتنا على مواقع التواصل لحملات هجوم من كتائب إلكترونية تعمل لصالح إثيوبيا.
ومع ذلك، ننقل كل وجهات النظر حتى الأخبار الإيجابية من داخل إثيوبيا ننشرها كي لا نتحول إلى بوق دعائي لأن المسألة تتعلق بحق القارئ في أن يعلم، لكن هناك مصالح عليا للدولة نحاول الحفاظ عليها وندعمها، هي قضايا تمثل حياة أو موتا، لا ينفع معها الوقوف على الحياد. أوضحنا وجهة نظر مصر أمام العالم ومع ذلك تحتاج القاهرة لتكثيف إعلامي في الخارج وعلى مواقع التواصل الاجتماعي لأن أديس أبابا تجيد الانتشار على تويتر وفيسبوك”.
وأكد إبراهيم، الذي سبق أن رأس مكتب الأهرام في واشنطن، أن ثمة جملة من المفاهيم المغلوطة في إدارة بايدن، فبعض رجال الإدارة لديهم خبرات سابقة من فترات الرئيسين السابقين بيل كلينتون وباراك أوباما، من بينها اعتقادهم أن جماعة الإخوان تؤمن بالديمقراطية، وبعضهم يسيرون وفق نموذج واحد في الممارسة دون النظر في حقيقة ما إذا كانت تلك الجماعة بالفعل تؤمن بالديمقراطية، فثمة فجوة كبيرة في الفهم والتناول بيننا وبين الصحافة الغربية، هم يتعاملون مع تلك الأمور كمسلمات.
لذلك على الدولة المصرية مخاطبة الجمهور الغربي بطريقة أكثر احترافا مما يصنعه أنصار جماعة الإخوان المسلمين، ما يعزز الحاجة الملحة لتدعيم التجارب، مثل “الأهرام ويكلي”، وتكرارها في منابر أخرى.
أهمية مراكز الأبحاث
مازالت المنابر المصرية الناطقة بلغات أجنبية محدودة، والتأخر ليس فقط في مضمار الإعلام، بل في مجال المراكز البحثية التي تعد إحدى دوائر صنع القرار في الغرب.
وأشار إبراهيم إلى حاجة مصر لعدد كبير من مراكز الأبحاث وإطلاق إصدارات باللغة الإنجليزية في الولايات المتحدة تحديدا، ويمكن أن يقوم على تأسيسها أميركيون من أصول مصرية، و”أعتقد أن ثمة أمورا في طور البلورة بهذا الاتجاه”.
ولفت رئيس تحرير “الأهرام ويكلي” إلى أهمية تلك المراكز، قائلا “تلك المراكز بدأت تتزايد، فتونس افتتحت مركزا منذ أسابيع وتركيا لها مركز في واشنطن وافتتحت آخر في لندن، لقد بات التوجه بعد رحيل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في العودة إلى تأثير تلك المراكز في دوائر صناعة القرار، وعادت تتصدر المشهد، الكل يبحث عن التأثير بكل الطرق الممكنة”.
وتشبه المراكز البحثية سياسة تسمى في الإعلام بـ”الباب الدوار”، فالباحث اليوم في المركز وغدا يخرج إلى الإدارة السياسية ثم يخرج من الإدارة ليعود إلى المركز وهكذا، هذا ما حصل بين إدارة كلينتون وأوباما وحاليا بايدن، وخرج أكثر من 60 في المئة من طاقم إدارته من مراكز بحثية.
وقبل ثلاثة عقود، حين أطلقت مصر منبرا إعلاميا بلغة أجنبية، مثل “الأهرام ويكلي”، كانت الأوضاع أكثر هدوءا ولم تكن البلاد في مواجهة اتهامات كثيرة ولم يكن الزخم الإعلامي المضاد حاضرا بشكل كبير، ورغم ذلك فكر مثقفون مصريون وعرب في ضرورة تدشين جسر يحمل فكرهم إلى الخارج.
رئيس تحرير الصحيفة عزت إبراهيم أعرب عن وجود هامش حرية غير مستغل جيدا في مصر على مستوى الممارسة، ويمكن تقديم محتوى محترف أفضل مما هو موجود الآن وعلى المؤسسات والصحف تطوير نفسها
وصدرت صحيفة “الأهرام ويكلي” في 28 فبراير 1991 بعد نهاية الحرب الباردة وبعد شن الحرب على العراق، وهي منفصلة تماما عن النسخة العربية
من الأهرام حتى الآن، حيث لها رئيس تحرير وإدارة مستقلان.
وشعر وقتها القائمون على مؤسسة الأهرام تحت قيادة إبراهيم نافع أن الوقت قد حان لتعبير المثقفين العرب عن أنفسهم من خلال إصدار معتبر، وكان الراحل حسني جندي أول رئيس تحرير لـ”ويكلي”، وينسب له تأسيس قواعد مهنية صارمة لها.
وشارك في المناقشات الأولى عند التأسيس نخبة من كبار الكتاب والصحافيين والمفكرين، أبرزهم: محمد حسنين هيكل، محمد سيد أحمد، سلامة أحمد سلامة، إدوارد سعيد، رضوى عاشور وبطرس غالي، حيث وضعوا للصحيفة رؤيتها وأهدافها.
وأوضح إبراهيم أن في ذلك الوقت كان الإعلام العربي غائبا عن الساحة الغربية تقريبا، ولم يكن أحد يلعب هذا الدور قبل “الأهرام ويكلي” التي استطاعت، على حد وصفه، “الوصول إلى البعثات الدبلوماسية في مصر وأصبحت نافذتهم الأولى لمتابعة الأوضاع في البلد الذي يمثلون بلدانهم فيه، وبات أرشيفها موجودا كمصدر مهم للمعلومات ودراسة الشرق الأوسط في مكاتب جامعات عالمية عدة وداخل الكونغرس الأميركي”.
ولفت إلى أن “الانتشار الأوسع للأهرام ويكلي يوجد في الولايات المتحدة ودول غرب أوروبا، بالإضافة إلى مصر”.
ورغم ذلك التقييم الإيجابي، تواجه الصحيفة تحديات من بينها انكماش مساحة الكتاب العالميين والعرب فيها، بسبب ضعف الميزانية المالية المخصصة لها، علاوة على غياب عدد كبير من الجيل الذي ارتبط بالتأسيس والكتاب العالميين كل له ثمن.
وأعرب رئيس تحرير الصحيفة عن وجود هامش حرية غير مستغل جيدا في مصر على مستوى الممارسة، ويمكن تقديم محتوى محترف أفضل مما هو موجود الآن وعلى المؤسسات والصحف تطوير نفسها وعدم الانشغال بالإثارة.
وأضاف “الإعلام يحتاج إلى تصحيح المسار من داخل المهنة لدعم صناعة الإعلام والصحافة، مع تخطي مسألة الورق، فالقضية ليست الصحافة الورقية بل المهنة ككل”.
واقترح إنشاء وقفيات للإنفاق عليها وتقديم صحافة مستقلة تتمتع بالحرية وتواكب المجتمع، “وقفية للإنفاق على مضمون صحافي محترم كي لا تجري الصحف وراء المكسب أو تطارد من قبل غول طول الوقت يسمى الإيرادات. وألا تصبح الوقفية لخدمة تيار معين، بل لخدمة غرض خلق صحافة مستنيرة، سواء شارك في تمويل تلك الوقفية رجال أعمال أو جهات رسمية، فالمهم تخصيص مصدر مالي يتم الإنفاق منه وفق معيار وقياس ما تم تحقيقه، لتخليص المهنة من الضغوط”.