في وقت مثّل فيه انتخاب حكومة وحدة جديدة في ليبيا، لحظة مفصلية في مسار الحل السياسي الليبي، حيث ينتظر أن يكون لها تأثير على مسار أزمة طال انتظار حلها، عاد الصراع بين الميليشيات الارهابية في الغرب الليبي من جديد، واستخدامها أساليب الاغتيال المتبعة لدى الجماعات الإرهابية لوقف الوئام بين الفرقاء الليبين، الأمر الذي قد يعرقل الحل السياسي في ليبيا، وسط دعوات خارجية وداخلية موجهة للبرلمان الليبي بضرورة منح الثقة للحكومة الليبية الجديدة دون قيد أو شرط، لإنهاء الأزمات التي عصفت بالبلاد خلال السنوات الماضية، وتفكيك الميليشيات، وإنهاء التدخلات الخارجية.
تحركات الدبيبة
وتصاعدت تحركات رئيس الحكومة الجديدة خلال الأيام الماضية لتكوين حكومته المنتظرة، وتواصل الدبيبة مع عدد كبير من النواب من الشرق والغرب والجنوب؛ لبحث سبل تشكيل الحكومة، وتسهل عملية نيل الثقة حال تشكيلها.
الصراع
تعاني ليبيا منذ بداية التدخلات الخارجية من تنامي أعداد المرتزقة والميليشيات؛ ما يعد خرقًا واضحًا لكل المواثيق الدولية، حيث أثارت محاولة اغتيال وزير الداخلية، فتحي باشاغا جدلا كبيرًا في الأوساط السياسية الليبية.
وتقود السلطة التنفيذية الجديدة البلاد في محاولة لتوحيد المؤسسات المنقسمة إلى حين إجراء انتخابات وطنية رئاسية وبرلمانية نهاية العام، لكن الأمر لا يخلو من صعوبات وعراقيل كشف عن بعضها رئيس الوزراء الليبي المكلف عبد الحميد الدبيبة، الثلاثاء 23 فبراير 2021، حين أكد وجود محاولات لعرقلة تشكيل حكومته.
واتهم «الدبيبة»، عبر بيان له على موقع التواصل الإجتماعي «فيسبوك»، بعض الشخصيات التي لم يسمها بأنها تحاول عرقلة تشكيل الحكومة، قائلًا: «نطمئن كل الليبيين، بأننا مستمرون في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية من أجل إنقاذ المواطن، وإنقاذ ما تبقى من الوطن»؛ حيث تشير هذه التطورات الى الصعوبات الكثيرة التي تواجه الحكومة الليبية الجديدة، وخاصة الملف الأمني الذي يعتبر أبرز أسباب الأزمة الليبية.
الأمل
وبالرغم من أن الأمل يبقى معقودًا على حل سياسي يُنهي النزاع الليبي الذي ظهر بعد سنوات عدة وخسائر جسيمة عدم إمكان حسمه بالسلاح، فإن العديد من المتابعين للشأن الليبي يؤكدون أن نجاح أي حل سياسي يبقى رهين تفكيك الميليشيات، وإنهاء التدخلات الخارجية.
وإلى جانب معاناة البلاد من ثقل الميليشيات وصراعها على النفوذ، هناك أكثر من 29 مليون سلاح متداول في ليبيا، حسب الإحصائيات الرسمية، حيث تشهد منطقة غرب ليبيا، وتحديدًا العاصمة طرابلس، توترًا أمنيًّا وتصعيدًا بين الميليشيات المتناحرة، واقتحام لمنازل شخصيات بارزة، وذلك عقب تعرض وزير داخلية حكومة الوفاق، فتحي باشاغا لمحاولة اغتيال، إضافة إلى قيام تلك الميليشيات باحتلال ساحة الشهداء، وباشرت إطلاق النار بشكل عشوائي.
مداهمات إرهابية
وهاجمت ميليشيات من مدينة الزاوية تابعة لما يسمونه جهاز حفظ الاستقرار، منزل «ناصر ألطيف» مدير أمن ورشفانة، واعتدت عليه بالضرب المبرح، وقامت بتكسير محتويات منزله، وإيقاف سيارة رئيس وحدة مرور منطقة حي الأندلس في طريق عودته بمنطقة جنزور، والاعتداء عليه بالضرب، بالإضافة إلى الهجوم على مكتب وزير الداخلية، ومقر جهاز مكافحة المخدرات في جنزور، وسرقة جميع مقتنياتهما.
من جهتها، تراقب السلطة الجديدة لعبد الحميد الدبيبة، المنتخب في 5 فبراير 2021، عن كثب تحركات الميليشيات، وتدين الحادثة التي طالت وزير الداخلية، والتي يمكن أن يواجهها أعضاء السلطة التنفيذية الجديدة، خاصة إذا حاولت احتواء نفوذ الميليشيات، وهو ما يجعل مستقبل العملية السياسية مهددًا، حيث تعد تلك الميليشيات مسؤولة عن الكثير من الفوضى في ليبيا، وهي على استعداد لفعل كل ما في وسعها للدفاع عن مصالحها، والتأكد من عدم استبعادها.
ثقة بلا قيود
وعن الدعم المطلق لحكومة الوحدة الوطنية الليبية الجديدة برئاسة «الدبيبة»، أعلن 84 نائبًا بالبرلمان الليبي دعمهم لحكومة الوحدة الوطنية دون قيد أو شرط، على أن تراعي عند الاختيار معايير الكفاءة والأمانة والخبرة، لتجاوز كل التجاذبات والخلافات، من أجل عدم عرقلة عمل الحكومة.
وخلال بيان للنواب الموقعين على دعم الحكومة الليبية الجديدة، دعوا زملاءهم بالبرلمان لعقد جلسة منح الثقة للحكومة الجديدة، وتجاوز كل التجاذبات والخلافات، من أجل عدم عرقلة عمل الحكومة؛ إذ تحتاج الحكومة الجديدة لتصويت 120 نائبًا لنيل الثقة من البرلمان، فيما لا تزال المشاورات الجارية بين النواب المجتمعين في طرابلس حول مكان انعقاد جلسة منح الثقة.
ويأتي ذلك قبل يومين من الموعد المحدد لإعلان تشكيلة الحكومة الليبية الجديدة التي يرأسها عبد الحميد الدبيبة، وبعد أيام من مشاورات ومفاوضات وجهود قادها أعضاء السلطة التنفيذية الجديدة، لإقناع البرلمان بتوحيد صفوفه، وعقد جلسة عامة لمنح الثقة لهذه الحكومة.
تحذيرات أمريكية
فيما شددت واشنطن عبر سفيرها بليبيا «شريتشارد نورلاند» على ضرورة دعوة البرلمان الليبي لعقد جلسة طارئة لمنح الثقة للسلطة التنفيذية الجديدة في أسرع وقت ممكن، مشيرةً إلى أن المصادقة على التشكيلة الحكومية تعد الخطوة الأهم نحو إجراء الانتخابات بديسمبر 2021.
وتأتي دعوة واشنطن، عقب إجراء السفير الأمريكي بليبيا، محادثة الأربعاء 24 فبراير 2021، مع رئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح للتأكيد على أهمية عقد جلسة مجلس النواب للتصويت على منح الثقة للسلطة التنفيذية الجديدة في أسرع وقت ممكن، حيث أكد نورلاند، إدراك الولايات المتحدة أن تصويت مجلس النواب الليبى على منح الثقة خطوة مهمة نحو إجراء الانتخابات في ديسمبر المقبل.