مقالات

خطاب الكراهية... هل نعطي الشيطان حقه؟
خطاب الكراهية... هل نعطي الشيطان حقه؟
الكاتب :د. ياسر عبد العزيز
لقد بات بوسعنا أن نحتفل بامتلاكنا أعظم آلة دعاية عرفها التاريخ، وهي الآلة التي تتكون من منصات مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب» و«غوغل»، إذ لم تكن تلك القدرة الهائلة متوافرة بكل هذا النفاذ والزخم في أي حقبة من الحقب السابقة. ورغم أن تلك الآلة عززت المشاركة والتفاهم، وأتاحت الألفة والتسرية، ويسرت الأعمال، وجعلت النقاش العمومي عالمياً متدفقاً، فإنها أيضاً جعلت العالم أكثر هشاشة، ووضعت الديمقراطيات التعددية قرب حافة الهاوية.

بسبب أنماط الاستخدام المسيئة عبر تلك الوسائط الرائجة، راح خطاب الكراهية (Hate Speech) ينتشر كالنار في الهشيم، حتى بات جزءاً أصيلاً من المحتوى الذي يُتدَاول من خلالها، وهو الأمر الذي استدعى إجراءات ومبادرات للحد من آثاره الضارة، وهي إجراءات ولدت مخاوف عميقة على حرية الرأي والتعبير.

أول من أمس (السبت)، دخل قانون جديد لمواجهة الكراهية في «الإنترنت» حيز التنفيذ في ألمانيا. وتقول وزيرة العدل، كريستينا لامبرشت، إن حكومتها تريد من هذا القانون «الردع وزيادة الضغط على المسيئين». ولذلك، فإن القانون يفرض عقوبة على الأشخاص الذين يستخدمون خطاب الكراهية ضد آخرين على الشبكة العنكبوتية، تصل إلى السجن لثلاثة أعوام. كما أنه يفرض على شركات التكنولوجيا العملاقة المشغلة لمواقع «التواصل الاجتماعي» ضرورة إبلاغ السلطات بأسماء مُصدري خطابات الكراهية، وليس فقط إزالتها.

لم تكن ألمانيا هي الدولة الديمقراطية الوحيدة التي اتخذت هذا المنحى، إذ أقر البرلمان الفرنسي، في قراءة أولى، قانوناً يستهدف «تشديد الخناق على جرائم الكراهية عبر (الإنترنت)»، وهو القانون الذي يفرض عقوبات صارمة بدوره، رغم وجود انتقادات ومخاوف من تداعياته على حرية الرأي والتعبير.

لا يخفق دعاة سن القوانين المكافحة لخطاب الكراهية أبداً في البرهنة على سلامة حجتهم، وهم قادرون على إيراد طوفان من الأدلة على قدرة هذا الخطاب على صناعة العنف وإشاعة الفوضى وتقويض السلام.

وتؤكد حكومات وأجهزة استخبارات في دول كثيرة أن ثمة ارتباطاً وثيقاً بين معظم أحداث العنف التي اندلعت في العالم أخيراً وتلك الوسائط. ففي الفترة من يناير (كانون الثاني) 2017 حتى يونيو (حزيران) 2018، قُتل 33 شخصاً، وأُصيب 99 آخرون في الهند، بعد شائعات جرى تداولها على «السوشيال ميديا»، نسبت لهم كذباً اقتراف جرائم خطف للأطفال، وهو الأمر الذي حمل «واتساب» على اتخاذ تدابير للحد من عدد مرات تداول المحتوى عبره.

ورغم وجود الأدلة الكافية للبرهنة على خطورة خطاب الكراهية، وقدرته على إحداث العنف ونشر الفوضى وزرع الشقاق، فإن تياراً علمياً نشأ في الغرب راح يبلور مقاربات جديدة لمحاولة الحد منه واحتوائه بعيداً عن سن القوانين الرادعة.

تعول سوزان بينيش، الزميلة في مركز بيركمان كلاين بجامعة هارفارد، كثيراً على صيغة تسميها «الخطاب المضاد» لكبح جماح خطاب الكراهية. وتشير في هذا الصدد إلى نهوض مجموعات على «الإنترنت» في 13 دولة تكافح الخطابات الضارة بخطابات متسامحة، وتناقش دعاة الكراهية بالمنطق، وتقدم أدلة على فساد طرح الصدام والعداء.

أما مايكل شيرمر، الزميل في جامعة تشابمان، فقد أصدر كتاباً عنوانه «إعطاء الشيطان حقه»، وهو الكتاب الذي يسعى فيه إلى إقناعنا بضرورة ترك أصحاب خطابات الكراهية يعبرون عن أنفسهم، لأن قمعهم لن يؤدي إلى إنهاء الكراهية، بقدر ما سيحرمنا من مناقشة تلك الخطابات وتفنيدها والرد عليها وإظهار عوارها.

وقبل خمس سنوات، أصدرت الباحثة تشويس أبانغا كتاباً بعنوان «خطاب الكراهية في الفضاء السيبراني: لماذا التعليم أفضل من التنظيم؟»، طارحة فيه 11 سبباً تجعلنا نحجم عن سن القوانين الرادعة ضد خطاب الكراهية، في مقابل التركيز على جهود التعليم التي تتمتع من وجهة نظرها بالقدرة على الاستدامة، ومواجهة الفكر بالفكر، وصيانة حرية الرأي والتعبير، وغل يد بعض الحكومات المستبدة عن استخدام آليات مكافحة هذا الخطاب في قمع مواطنيها.

إن تلك المبادرات والاقتراحات تعكس روحاً إيجابية بناءة، وتنبني على جهد بحثي مميز، لكنها مع ذلك تخفق في إقناع كثير من الحكومات بتبنيها، إذ يتحول بعض أصحاب «الخطاب المضاد» إلى أهداف وضحايا للتوجهات والممارسات العدائية، بينما يخفق أصحاب مبادرة «الرد عبر التعليم» في توضيح السبب الذي حمل قادة دول وبرلمانيين ومشاهير من النخب في دول متقدمة على تبني خطابات الكراهية، رغم حصولهم على تعليم رفيع جامعي وفوق جامعي.

الكراهية كانت موجودة منذ بدء التاريخ، لكن الوسائط الجديدة ساهمت في تأجيجها، وسهلت انتشارها، وفاقمت أثرها. والتردد في مواجهتها بالقوانين الرادعة ستكون له عواقب وخيمة.

05 أبريل 2021

هاشتاغ

التعليقات