عربي ودولي

لقاءات مجلس الإعلام المصري منزوعة الدسم الصحافي
لقاءات مجلس الإعلام المصري منزوعة الدسم الصحافي
 عقد المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في مصر قبل أيام حلقة نقاشية مع وزير الري والموارد المائية محمد عبدالعاطي، وسبقها لقاء مع وزيرة الصناعة والتجارة نيفين جامع، إلى جانب لقاءات مع وزراء آخرين أبرزهم وزير التموين والزراعة، في تقليد استنّه لإجراء حوارات مباشرة مع وزراء لم تعد الفرصة تتاح لكثير من الصحافيين للوصول إليهم بسهولة.

ويعتقد المجلس أن هذه اللقاءات تقرّب المسافات بين الصحافة والمسؤولين وتتيح لكلّ فريق لعرض أفكاره وأسئلته والخروج بنتيجة تفيد المجتمع من خلال حوار بناء.

غير أن المعارضين لهذا التوجه المتزايد يرون أم لقاءات المجلس منزوعة الدسم الصحافي، لأنها تركز على عرض إنجازات الوزراء في مواقعهم المختلفة في حضور عدد كبير من رؤساء التحرير والمحرّرين والمذيعين، ولا مجال لتوجيه أسئلة خارج النص، الأمر الذي يخل بالعمل الصحافي والمهنية التي يحرص عليها مجلس الإعلام.

وخلت غالبية اللقاءات من الاهتمام بمشكلات تشغل بال المواطنين ويمكن أن تكون سبيلاً لنقاش إعلامي ثري في مثل هذه الحوارات المباشرة، وتستغرق وقتا في تسليط الضوء على جهود كل وزير في منصبه حتى تحوّلت إلى حوارات نمطية تشارك فيها العديد من الأطراف على سبيل المجاملة وتنشرها وسائل الإعلام على نطاق واسع.

وقال رئيس المجلس الأعلى للإعلام كرم جبر إن اللقاء المفتوح مع وزير الريّ يستهدف نقل “رسالة طمأنة وثقة في الدولة المصرية وقدرتها في إدارة ملف المياه”، مشددا على ضرورة الحصول على الأخبار والمعلومات والتحليلات من مصادرها الرسمية وعدم اللجوء إلى المصادر المرسلة التي تنشر معلومات غير صحيحة.

بدت حجّة رئيس الإعلام منطقية وبالفعل قدم وزير الري في ندوته الأخيرة معلومات قيمة حول سد النهضة الإثيوبي كان الوقوف عندها وتحليلها سيمثل إضافة مهنية، غير أن ما حصل أن هناك قلة من الصحافيين قاموا بذلك، وبث أو نشر الآخرون ما قاله الوزير ومعاونوه دون تفسيرات تضفي أهمية مضاعفة على البيانات التي كشفها.



ويقول خبراء إعلام إن مجلس الإعلام خرج بهذه اللقاءات عن مهامه المنصوص عليها في قانون تأسيسه وتتضمن تطبيق القواعد والضوابط التي تضمن حماية حقوق الجمهور وجودة الخدمات التي تقدّم له، لأنها تعني إعلان انحياز كامل للجهات الحكومية على حساب أدوار وسائل الإعلام وحق المواطن في المعرفة، وهو ما يفرز المزيد من التعتيم على المشكلات.

ويلاحظ الخبراء تراجع تركيز المجلس على مستوى ضبط العلاقة بين وسائل الإعلام ومصادر المعلومات المختلفة لصالح قيامه بأدوار تسويقية لجهات حكومية وانخراطه في عقد شراكات إعلامية مع جهات رسمية في دول أخرى على حساب تنظيم العمل في الداخل، ما يترتّب عليه عدم التزام بعض وسائل الإعلام بالأكواد والمعايير التي يُعلن عنها المجلس بين حين وآخر، وهي مهمة ويمثل تطبيقها عملا مهنيا بامتياز.

ولعب المجلس منذ أن جرى تأسيسه دوراً في حصار حالة الفوضى التي عمت بعض وسائل الإعلام منذ العام 2011، وإن لم يتمكن من ضبط المشهد بشكل كلي فقد استطاع أن يحافظ على مسافة معقولة بين الحكومة والإعلام، لكنه واجه انتقادات حادة لنصبه ما يشبه بمحاكم التفتيش على محتوى الدراما والبرامج الساخرة.

وانعكس خفوت الدور التنظيمي للمجلس الأعلى للإعلام في استمرار نشر محتويات غير مهنية في بعض وسائل الإعلام وآخرها ما أثاره أحد الأشخاص الذي ادّعى أنه يقوم بوظيفة “المحلل الشرعي” وزواجه 33 مرة ضمن إطار مهام وظيفته، في أثناء استضافته ببرنامج “يحدث في مصر” على فضائية “أم بي سي مصر”، قبل أن يخرج الشخص ذاته وينفي صحة ما قاله.

وأشار الرجل المعروف إعلاميًا بـ”المحلل الشرعي”، في مداخلة هاتفية مع برنامج “حضرة المواطن” على فضائية “الحدث” مساء الثلاثاء، إلى أنه رفع دعوى لتكذيب فحوى حواره، قائلا “حصلت على وعد بأنني سأكون نجمًا لامعًا بظهوري في التلفزيون للحديث عن هذا الأمر، وأنا أعمل موديل إعلانات في الأساس”.

تبرهن الواقعة التي غاب عنها المجلس الأعلى للإعلام ولم يتصد لها على الفور بالرغم من شغلها الرأي العام المصري أن تحركاته التي اتسمت بسرعة التدخل في مثل هذه المواقف باتت غائبة، في حين أن الشخص المُدعي قد استغل القناتين لتحقيق شهرة، فضلا عن وجود أخطاء إعلامية وقعت فيها المحطتان اللتان لم تتحققا من هويته وصواب ما تفوّه به أمام جمهور عريض.

المجلس يحاول القيام بدور وزارة الإعلام التي أضحت شاغرة، إذ لم تظهر معلومات بشأن الإبقاء على الوزارة أم إلغاؤها

وقال أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة صفوت العالم إن المجلس عليه استضافة المتخصصين في قضايا الإعلام ومشكلاته من الأكاديميين وأعضاء نقابتي الصحافيين والإعلاميين لتقديم معالجات مهنية للأداء الإعلامي والأزمات المتكررة التي تقع فيها بعض وسائل الإعلام، بدلاً من استضافة الوزراء التي تعد أحد أشكال نفاق السلطة التي تُفقد الثقة في الإعلام وفهم ميثاق الشرف وضوابطه التي تتسم بالدقة والمهنية.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الدور التنويري والتوعوي لوسائل الإعلام والقائمين على عملية الاتصال غاب عن أداء المجلس طيلة الفترة الماضية، ما ترتّبت عليه زيادة أخطاء العديد من المذيعين والقائمين بالاتصال بشكل عام، بينما استضافة هذا الوزير أو ذاك لا تمثل قيمة كبيرة للعمل الصحافي أو لدور المجلس الحيوي.

وتساءل صفوت العالم “كيف ستقوم وسائل الإعلام بمحاسبة الوزراء بشكل مهني في حين أن الجهة القائمة على تنظيم الإعلام تدعم هذه الجهات وتشارك في الترويج لما يسعون لإبرازه في وسائل الإعلام المختلفة”، مشيراً إلى أن المسؤولين أنفسهم في حاجة إلى توعية إعلامية من المفترض أن يسهم فيها المجلس أيضًا.

وقد يجد المجلس صعوبات في تنفيذ معاييره الإعلامية التي يُعلنها من وقت إلى آخر، لأنه بالأساس لم يقم بتدريب الإعلاميين عليها، وتعد مشاركته ضمن خطط جهات حكومية تستهدف “توعية المواطنين بقضايا مجتمعية وسياسية” تبقى محل استفسار بشأن تدخلاته في توجيه رسائل الإعلام دون أن يساعدها على امتلاك الأدوات المهنية التي تجعلها أكثر قدرة على تطوير الأداء وجذب الجمهور إليها أولاً.

وينظر البعض من المراقبين إلى توجهات المجلس على أنها محاولة للقيام بدور وزارة الإعلام التي أضحت شاغرة منذ استقالة الوزير أسامة هيكل من منصبه في مايو الماضي، ولم تظهر معلومات بشأن الإبقاء على الوزارة أم تم إلغاؤها مرة أخرى.

وكشفت مصادر إعلامية لـ”العرب” أنه يجري تقييم دور المجلس الأعلى للإعلام على مستوى دعم توجهات أجهزة الدولة قبل اتخاذ قرار بتعيين وزير جديد يقوم بوضع سياسة تحريرية وخطط واضحة للإعلام أم يبقى الوضع القائم على ما هو عليه.

24 أكتوبر 2021

هاشتاغ

التعليقات