عربي ودولي

لماذا قبِل المغرب مساعدات 4 دول فقط في فاجعة الزلزال؟
لماذا قبِل المغرب مساعدات 4 دول فقط في فاجعة الزلزال؟
تلقى المغرب عروضاً من مجموعة كبيرة من دول العالم، لتقديم المساعدات في فاجعة "زلزال الحوز"، الذي هزّ مناطق كثيرة في البلاد ليلة الجمعة 8 سبتمبر، مخلفاً حصيلة ثقيلة من الخسائر البشرية والمادية، لكن المغرب قبِل فقط عروض 4 دول. 

وقبِل المغرب عروض الإمارات العربية المتحدة، وقطر، وإسبانيا، وبريطانيا، في حين لم تحصل باقي الدول على الضوء الأخضر من الحكومة المغربية، بينما عبَّر الملك محمد السادس، خلال جلسة العمل التي ترأسها، السبت لبحث الوضع في أعقاب الزلزال، عن خالص تشكرات المملكة المغربية للبلدان الصديقة والشقيقة، التي أبدت تضامنها مع الشعب المغربي، والتي أكدت العديد منها استعدادها لتقديم المساعدة في هذه الظروف الاستثنائية.

وشملت قائمة الدول التي أعلنت استعدادها لتقديم مساعدات إلى المغرب، فرنسا، التي هاجم إعلامها المغرب بسبب عدم قبوله مساعداتها، وقال رئيسها إيمانويل ماكرون، عبر فيديو نشره على حسابه في إنستغرام مساء الثلاثاء، إنه "يود أن يتوجه مباشرة إلى المغربيات والمغاربة، لكي يقول لهم إن فرنسا اهتزت أيضاً بسبب ما حدث ليل الجمعة/ السبت، جراء ذلك الزلزال المروع، وإن فرنسا لديها الإمكانيات لتقديم المساعدة الإنسانية المباشرة، وإنه يعود لجلالة الملك، والحكومة المغربية، أن يقوما على نحو سيادي بالكامل بتنظيم المساعدة الدولية، وأن فرنسا جاهزة لخيارهما السيادي".

 لكن خطاب ماكرون أتى بنتائج عكسية وسط فئة واسعة من المغاربة، الذين رفضوا أن يتوجه إليهم بالحديث، قائلين إنهم "لا يسمعون أي خطاب لا يبدأ بـ(شعبي العزيز)"، وهي عبارة تكون في مستهل الخطابات التي يوجهها الملك محمد السادس إلى الشعب المغربي، كما أطلقوا هاشتاغ "أنا مغربي أرفض خطاب ماكرون"، مطالبين الرئيس الفرنسي بالمرور عبر القنوات الدبلوماسية، إذا أراد تقديم المساعدة الفرنسية، التي قالوا إنهم ليسوا في حاجة إليها.

لماذا قبِل المغرب مساعدات 4 دول فقط؟

تعامل مغربي إيجابي 

قال الأكاديمي والخبير المغربي في العلاقات الدولية، لحسن أقرطيط، إن "هناك الكثير من اللغط، ومن المعلومات المضللة، حول موقف المملكة المغربية من المساعدات والعروض الدولية، لكن ينبغي القول إن موقف المملكة واضح، وينطلق من مسألة أساسية هي أن هذه القضية إنسانية، جاءت بعد كارثة طبيعية تمثلت في الزلزال القوي المدمر، الذي ضرب جغرافيا واسعة من المملكة المغربية، التي رحبت على لسان الملك محمد السادس بالمساعدات والعروض الدولية، وتعاملت معها كلها بإيجابية، لكن دخولها وقبولها آنيّاً وفوريّاً مسألة معقدة جدّاً". 

ارتباط القبول بالميدان

وأضاف أقرطيط، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن "موافقة المملكة المغربية على دخول مساعدات 4 دول، راجع لكون هذه المساعدات تتضمن أطقماً طبية، وأطقم تدخل وإنقاذ وإسعاف، وهي مساعدات ذات طابع تقني، الشيء الذي تحتاج إليه المملكة في هذه المرحلة والظرفية، ولذلك قبلت 4 عروض من ضمن أكثر من 80 أو 90 عرضاً دوليّاً"، موضحاً أن "القبول مرتبط بحاجيات المملكة المغربية في الميدان، وأن هناك أولويات على مستوى هذا الأخير في هذه الأيام الأولى، تتمثل في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح، وفي أعمال النبش والحفر تحت الأنقاض، لاستخراج الجثامين، والناجين إذا كانوا موجودين".

تحامل فرنسي

وأفاد “أقرطيط”، بأن "هذه القضية إنسانية، ولا تحتمل تسييس هذه المساعدات، وأن هناك دولاً عربية شقيقة عبرت عن استعدادها لتقديم مساعدات للمملكة المغربية، وفتح جسر جوي نحوها، لتقديم هذه المساعدات، وأن فرنسا ليست وحدها التي لم تتلقَ بعد موافقة السلطات المغربية، لدخول مساعداتها، وبالتالي فإن التحامل الإعلامي والسياسي لبعض الفرنسيين، وبعض المنابر الإعلامية، هو تحامل مغلوط ومضلل، وأنه ليست هناك أية مؤسسة وطنية مغربية من المؤسسات الرسمية، قالت إننا نرفض هذا العرض أو ذاك، أو نرفض بعض العروض الدولية، فهذا الموقف لم يصدر نهائيّاً عن أية جهة دبلوماسية رسمية للمملكة المغربية، وبالتالي فإن ما ذهب إليه الإعلام الفرنسي يعبر عن نية مبيتة، من أجل الإساءة للمملكة المغربية، ويدخل صراحة في ما نسميه بالأخبار الكاذبة"، معتبراً ذلك "سقطة إعلامية فرنسية بكل ما تحمله الكلمة من معنى".

وأبرز "أقرطيط" أن "هناك العديد من الدول الأوروبية، التي تربطها بالمملكة المغربية علاقات دبلوماسية قوية، وحليفة وصديقة لها، قدمت عروض المساعدة، ولكن لحدود الآن لم تحصل على الضوء الأخضر من طرف السلطات المغربية، ومع ذلك لم يتحرك إعلامها وبعض مواقعها السياسية عبر الأخبار الكاذبة ضد المملكة المغربية، كما فعلت بعض المواقع الإعلامية والسياسية الفرنسية".

الجزائر تعامل كالجميع

وفي ما يتعلق بالجزائر، قال أقرطيط إن "المغرب عبَّر مراراً وتكراراً عن أن إغلاق المجال الجوي الجزائري في وجه الطيران المغربي (منذ 22 سبتمبر 2021)، هو ظلم في حق المملكة المغربية، وفي حق الشعب المغربي، وإن بلاغ وزارة الخارجية الجزائرية، الذي يعبر عن الحزن والأسى تجاه زلزال المغرب، والبلاغ الذي أقرت من خلاله الجزائر إعادة فتح المجال الجوي، يعد أمراً إيجابيّاً جدّاً، وتتعامل معه المملكة المغربية بإيجابية، ولكن في ما يتعلق بالمساعدات التي عرضتها الجزائر، فإنه يسري عليها ما يسري على كل الدول، والقرار النهائي هو قرار السلطات المغربية، والمؤسسات الوطنية الموجودة في الميدان، الخاصة بالإنقاذ، والإسعاف، والتضامن، وإن الحاجيات والأولويات هي المحدد النهائي في التعامل سواء مع المساعدات الدولية، أو المساعدات الداخلية القادمة من المغرب".

وقررت الجزائر في 24 أغسطس 2021 قطع علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب، وسحب سفيرها في الرباط، قبل أن تقرر في 22 سبتمبر 2021 إغلاق مجالها الجوي في وجه كل الطائرات المدنية، والعسكرية، المغربية، وأيضاً تلك التي تحمل رقم تسجيل مغربي. 

وأعلنت الجزائر، السبت، فتح مجالها الجوي أمام الرحلات الإنسانية والطبية إلى المغرب، لنقل المساعدات، والجرحى، والمصابين، وأنها مستعدة لتقديم المساعدات الإنسانية، وكل إمكانياتها المادية والبشرية، تضامناً مع الشعب المغربي الشقيق، في حال طلب المغرب هذه المساعدة.

وأردف أقرطيط، أن "المملكة المغربية تطالب المواطنين، والقوافل القادمة من كل ربوع المملكة، من أجل تقديم مساعدات غذائية، وتقديم أَسِرَّة، وأغطية، وغيرها من المساعدات، بضرورة التنسيق مع المؤسسة الوطنية، التي تتكفل بالتضامن، وهي مؤسسة محمد الخامس للتضامن، من أجل تدبير أنجع لهذه المساعدات والقوافل، وأن الأولوية هي فتح الممرات والمسالك الوعرة، وأن أية مساعدات، وأية قوافل غير منظمة، ستؤثر بطبيعة الحال على حركية سيارات الإسعاف، التي تنقل الجرحى والموتى".

وأفاد بلاغ لوزارة الداخلية المغربية بأن السلطات المغربية أجرت تقييماً دقيقاً للاحتياجات في الميدان، آخذة بعين الاعتبار أن عدم التنسيق في مثل هذه الحالات سيؤدي إلى نتائج عكسية، وعلى أساس ذلك استجابت في هذه المرحلة بالذات لعروض الدعم، التي قدمتها الدول الصديقة إسبانيا، وقطر، والمملكة المتحدة، والإمارات العربية المتحدة، التي اقترحت تعبئة مجموعة من فرق البحث والإنقاذ، وأنه يمكن مع تقدم عمليات التدخل أن يتطور تقييم الاحتياجات المحتملة، ما قد يؤدي إلى اللجوء إلى عروض الدعم المقدمة من دول أخرى صديقة. 

ترتيب الأولويات 
 
ومن جانبه، أوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة محمد الخامس بالرباط، عبدالحميد بنخطاب، أن "العلاقات الدولية فيها شيء اسمه سيادة الدول، ومعناها حرية هذه الأخيرة في اتخاذ قرارها، وأيضاً في تقديم مواقفها تجاه نفسها، وتجاه العالم، وبالتالي فإن رفض أو قبول دعم دولة معينة، يدخل في صميم التقييم السياسي للدولة لعلاقتها بالآخر". 

وأضاف بنخطاب، في تصريحات لـ"جسور بوست"، أنه "يعتقد أن القائمين على الأمر في المغرب، بعد تقييم الوضعية، ارتأوا أن المساعدة الفرنسية لم يحن وقتها بعد، وأنه ليس هناك رفض بتاتاً، بل هناك فقط تأجيل للطلب، وأن إغاثة المنكوبين وتقديم الدعم لهم عملية لا تدوم فقط خلال الأيام الأولى بعد الزلزال، ولكنها ستستمر لسنوات، وبالتالي فإن الأمر هنا -بحسب بنخطاب- يتعلق فقط بترتيب للأولويات، وبتقييم فوري لاحتياجات المغرب في ما يخص الإسعافات الأولية، التي يجب تقديمها للمنكوبين، وهذا ما جعله يقبل بعض طلبات الدعم، ويؤجل الأخرى، وأنه يعتقد أن الدعم الفرنسي سيأتي وقته لاحقاً، وأنه ليس هناك رفض غير رفض المساعدة الجزائرية"، معتبراً أن ذلك "ربما فيه رد بالمثل، لأن المغرب كان قد قدم طلباً لتقديم العون للمنكوبين في الجزائر خلال الحرائق، التي اندلعت هناك في صيف 2021، لكن الجزائر رفضت ذلك".

تجنب الازدحام والفوضى

وقال بنخطاب، إن "طلبات الدعم إذا تمت الاستجابة لها، ستخلق ازدحاماً واختناقاً، وربما فوضى، في تقديم هذا الدعم"، مردفاً أن هناك "اليوم صعوبة بالغة للغاية في الوصول إلى المناطق المنكوبة، لأن هناك انهيارات في التربة، وانقطاعاً في الطرق، وبالتالي فإن تقديم الدعم بشكل مكثف يخلق ازدحاماً واختناقاً، لا يمكن للسلطة أن تحله، وهذا ما جعل السلطات المغربية -في اعتقاد بنخطاب- تتريث في قبول طلبات الدعم من قِبل الدول الصديقة". 

وأردف أن "هناك الآن زخماً وطنيّاً على مستوى المغرب لمساندة المنكوبين، والتضامن معهم، خلق نوعاً من الازدحام والفوضى في الوصول إلى الأهالي"، الذين أوضح بنخطاب أنهم "ليسوا بحاجة أي نوع من الدعم، بل في حاجة إلى دعم نوعي وخاص بالمرحلة، وأن الأشياء التي تحتاج إليها الساكنة اليوم هي الأغطية، والخيام، وحليب الأطفال، والمياه، لكن في ما بعد ستكون هناك حاجيات ضخمة، لتجاوز هذه المحنة، إذ هناك 300 ألف منكوب، وانهيار مئات الآلاف من المنازل، والطرقات، والأبنية الرسمية، والإدارات، وغيرها، وهذه عملية بناء ستستمر لا محالة سنوات في ما بعد"، مبيِّناً أنه "يعتقد أن الدعم الفرنسي سيكون مقبولاً ومطلوباً أيضاً في الأيام القادمة، وأنه عندما نتحدث عن فرنسا، فنحن نتحدث عن دولة صديقة للمغرب، وليس عن دولة معادية له، وأن المسألة فيها تقييم للأولويات، أكثر ما هي موقف سياسي تجاه الدولة المعنية". 

صعوبة التفسير الحاسم

ومن جهته، قال أستاذ القانون الدستوري والفكر السياسي في جامعة القاضي عياض بمراكش، عبدالرحيم العلام، إن "التفسير الحاسم يظل صعباً جدّاً، بينما يمكن تقديم فرضيات". 

وأوضح العلام، في حديث مع "جسور بوست"، أنه "في حالة ألمانيا، فقد قالت هذه الأخيرة إن المغرب لم يرفض المساعدات، وأنهم تعلموا كألمان أن التنسيق في مثل هذه الظروف مهم، حتى تكون هناك استفادة من هذه المساهمات، وأنه لا يوجد مشكل سياسي"، مردفاً أن “ألمانيا كانت لديها في الماضي علاقات غير جيدة مع المغرب، لكنها أُصلِحت لاحقاً، وهناك منظمات ألمانية عاملة فعلاً في المغرب، ما يجعل من الصعب القول في هذه الحالة إن المغرب رفض عرض ألمانيا لأسباب سياسية، أو إنه يرفض مساعدات الكويت، والبحرين، والسعودية، والولايات المتحدة الأمريكية، وهي كلها دول عرضت المساعدات، ولا يوجد أي سبب سياسي يجعل المغرب يرفضها، في حين تظل الفرضية السياسية حاضرة بشكل قوي -وفق المتحدث نفسه- في حالة فرنسا، والجزائر، وتونس”.

وتابع أنه "ربما ما جعل المغرب يرفض مجموعة من المساهمات، أو يؤجل قبول بعضها، هو أنه لن يقبل مساعدات فرنسا، وفرض عليه ألّا يقبل حتى مساهمات كل من ألمانيا، والسعودية، والكويت، حتى لا يقال إنه يعزل فرنسا".

وأضاف "العلام" أن "المغرب ربما يرى أنه في حاجة اليوم فقط إلى بعض التقنيين هنا وهناك، وأن هذا الأمر مقدور عليه مغربيّاً، ويقوم بتأجيل المساعدات وانتقائها، لكن إعادة الإعمار هي المرحلة الصعبة، وآنذاك ربما يمكن أن ينفتح المغرب على المساهمات الألمانية، والأمريكية، والسعودية، وغيرها".

وأفاد العلام بأنه "صحيح أن الزلزال بلغ 7 درجات، لكنه ليس زلزالاً عظيماً، وتأثيره لم يكن خطيراً على المدن، وشمل منطقة شاسعة، لكن عدد سكانها قليل مقارنة مع المدن، وربما بسبب تضامن المغاربة، وصندوق الكوارث الذي يتوفر عليه المغرب، تبين للسلطات المغربية أنه لا داعي لطلب فتح باب المساعدات الآن، وأن المغرب مقبل على تنظيم حدث عالمي يتمثل في مؤتمر البنك وصندوق النقد الدوليين، سيكون أيضاً في مراكش، وربما تكون آنذاك فرصة لتقديم مساهمات لإعادة الإعمار، لأن التحدي بالنسبة للمغرب الآن هو إعادة الإعمار". 

وأبرز العلام أن المغرب "ربما يريد أن يظهر بأنه قادر على حل مشكلته بيديه، وأمواله، وقدراته الذاتية، وليس بلداً منكوباً وفقيراً وفي حاجة إلى مساعدات الآخرين، خاصة أن المغرب يحاول في السنوات الأخيرة أن يظهر نفسه إفريقيّاً على أنه بلد متقدم وقوي، ويريد أن يكون في الريادة على مستوى القارة، وربما الصورة التي ستقدَّم للدول الإفريقية ولقادتها هي أن المغرب بلد قوي، بدليل أنه رفض المساعدات، وأن لديه إمكانيات، وبالتالي ينبغي أن يُطلب وده، وأن تكون العلاقات الدبلوماسية معه جيدة، وأن الأمر كله مرتبط بقضية الصحراء المغربية".

17 سبتمبر 2023

هاشتاغ

التعليقات