عربي ودولي

استمرار محنة التضخم يبدد رهانات خفض الفائدة في تونس
استمرار محنة التضخم يبدد رهانات خفض الفائدة في تونس
استبعد محللون تونسيون أن يقوم البنك المركزي بخفض نسبة الفائدة تحت مستواها الحالي، كما فعل نظيره الأوروبي، بالنظر إلى الاختلافات في النتائج التي توصل إليها صناع السياسات النقدية بعد أشهر من التشديد بفعل تداعيات الحرب في أوكرانيا.

وكان المركزي الأوروبي قد خفض الخميس الماضي الفائدة للمرة الأولى منذ قرابة خمس سنوات بمقدار ربع نقطة مئوية لتبلغ 3.75 في المئة، ما يشير إلى نهاية سياسته المتشددة للقضاء على ارتفاع التضخم.

وكان مجلس إدارة المركزي التونسي قد رفع أواخر ديسمبر 2022، الفائدة بربع نقطة مئوية لتصل إلى 8 في المئة بعد أن كانت 7.75 في المئة في فبراير 2019 أملا في مقاومة وتيرة التضخم الجامح.

ورأى محللون حينها أن الخطوة لم تكن مفاجئة بالنظر إلى تسارع وتيرة ارتفاع التضخم بشكل مقلق رغم أنها حدت من عمليات الإقراض بسبب التكاليف، الأمر الذي عاد بانعكاسات سلبية وذلك في شكل نمو ضعيف للاقتصاد.

وعانت البلاد من أزمات اقتصادية حادة ومركبة منذ العام 2011، فاقمتها تداعيات الوباء في 2020، ثم ارتفاع تكاليف استيراد الطاقة والمواد الأساسية، إثر اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية أواخر فبراير 2022.

وفي مارس الماضي، أبقى البنك على مستوى الفائدة لكبح أسعار الاستهلاك، التي لم تشهدها البلاد منذ سنوات في ظل وضع اقتصادي ومالي قاس بسبب تداعيات الوباء ثم الحرب في شرق أوروبا.

وشهدت السوق المحلية ارتفاعا في معدلات التضخم وصلت إلى 10.1 في المئة خلال ديسمبر الماضي على أساس سنوي، صعودا من 9.8 في المئة في الشهر السابق له. ولكنها تقهقرت لتستقر عند أكثر بقليل من سبعة في المئة خلال الشهرين الماضيين.

ومع أن الفائدة أداة رئيسية للبنوك المركزية لضبط السياسة النقدية لأنها تحدد سقفا لسعر الأموال المتداولة في السوق كما أن المقاربات الاقتصادية تؤكد جدواها في كبح التضخم، لكن للعملية تداعيات سلبية قد تكون مدمرة أحيانا.

وما يؤكد هذا الأمر هو عجز أغلب الأسر عن شراء أضاحي هذا العام بفعل تآكل القدرة الشرائية، ليس بسبب الجفاف وقلة الدعم للمربين والمزارعين، ولكن نظرا لتضاعف أسعار الأعلاف بشكل غير معقول، التي انعكست على أسعار الخرفان.

وأوضح المحلل المالي بسام النيفر في تصريح لوكالة الأنباء التونسية الرسمية أن تونس حاليا لا يمكنها التقليص من نسبة الفائدة مثلما فعل المركزي الأوروبي.

وبرر ذلك بعدة عوامل أهمها أن الأوروبيين اشتغلوا كثيرا على المسألة، بعد أن وصلت نسبة التضخم في منطقة اليورو في أكتوبر 2022 إلى مستوى قياسي بلغ 10.6 في المئة لينخفض حاليا إلى مستوى 2.6 في المئة.

وأشار النيفر إلى أن نسبة التضخم في تونس وصلت في أكتوبر 2022 إلى 9.2 في المئة لتستقر عند 7.2 في المئة في مايو الماضي، إلى جانب أن التضخم الضمني لا يزال مرتفعا، إذ بلغ 7.4 في المئة لينزل إلى مستوى 6.8 في المئة خلال فترة المقارنة.

وتظهر مؤشرات نمبيو، وهي منصة أميركية تتابع الأوضاع المالية والمعيشية للمواطنين في مختلف بلدان العالم، أن الأسرة التونسية المكونة من أربعة أفراد تصل تكاليف مصاريفها الشهرية إلى 3722 دينارا (1203 دولارات) باستثناء الإيجار.

في المقابل، تقدر التكاليف الشهرية للفرد الواحد بنحو 338.5 دولارا بدون إيجار مسكن، وهذا يعني أن ثمة عجزا على مستوى الدخل وهو ما يجعل الناس يواجهون صعوبات، وبالتالي تدهورا في قدرتهم الشرائية.

وتبدو تونس في أمس الحاجة إلى تحفيز اقتصادي يجعلها قادرة على النهوض من أزمة معقدة تواجهها، ودفعت بتصنيفها إلى مستويات متدنية رغم المحاولات الحكومية المضنية لدفع عجلات الناتج المحلي الإجمالي الذي نما 0.2 في المئة بالربع الأول من 2024.

ويعي الكثيرون أن أزمة التضخم عالمية، وأن تونس ليست بمنأى عن ارتدادات ذلك، لكن من الواضح أن صناع القرار السياسي أو النقدي ليست لديهم أدوات كافية للإسراع في تخفيف التشديد النقدي، وبالتالي تخفيف الضغوط المعيشية على الناس.

وشدد النيفر في هذا الصدد على أنه “لا يمكن في الوقت الراهن توفير هامش تحرك كبير مقارنة بالتضخم حتى يجعل البنك المركزي يراجع نسبة الفائدة”.

وزاد في تفسيره للمسألة “بأهمية حماية الدينار مستدلا على رصيد مخزون العملة الأجنبية التي ناهزت 23 مليار دينار (7.35 مليار دولار) حاليا مقابل 15.6 مليار دينار (نحو 5 مليارات دولار) في نوفمبر 2023 وهي أغلبها ودائع لغير المقيمين بالعملة الصعبة”.

7.2
في المئة معدل التضخم خلال الشهرين الماضيين، والفائدة عند 8 في المئة وفق البيانات الرسمية

وقال النيفر إن “في حال التخفيض من الفائدة سيتم التقليص من مردودية ودائع غير المقيمين الممكن التحصل عليها”، محذرا من أنه يمكن لهؤلاء سحب ودائعهم.

ولكنه أشار إلى أنه للحفاظ على مستوى رصيد النقد الأجنبي فإنه من الضروري الحفاظ على المستوى الراهن من العملة الصعبة.

ورجح المحلل أن تظل الفائدة مرتفعة بسبب الطلب الكبير على الدينار من قبل الدولة من خلال إصدار سندات الخزينة قصيرة المدى، وكذلك إصدار سندات في السوق المحلية لحاجة الحكومة إلى التمويلات لسد عجز الميزانية الحالية.

وتسعى الحكومة إلى تقليص العجز المالي خلال السنوات الثلاث المقبلة إلى 6.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، ثم 3.9 في المئة نهاية عام 2026، في مقابل نحو 7.7 في المئة بنهاية العام الماضي.

ولكن يبدو هذا الأمر صعبا بالنظر إلى متطلبات التمويل الكبيرة التي تحتاجها الدولة، رغم أن السلطات تحاول إثبات جدوى خططها البديلة عبر الاقتراض المباشر من البنك المركزي وعقد بعض الاتفاقيات الثنائية.

وتظهر وثيقة الميزانية أن الدولة ستسدد ديونا خارجية بقيمة 3.9 مليار دولار هذا العام، بزيادة 40 في المئة عن مستويات عام 2023.

وسترفع الحكومة حاجتها إلى القروض الخارجية من 3.32 مليار دولار في العام الماضي إلى 5.2 مليار دولار خلال العام الحالي.

10 يونيو 2024

هاشتاغ

التعليقات