عربي ودولي

استقبال القاهرة للدبيبة لا يوقف تحركاتها لتشكيل حكومة ليبية جديدة
استقبال القاهرة للدبيبة لا يوقف تحركاتها لتشكيل حكومة ليبية جديدة
استأنفت القاهرة جهودها الظاهرة على الخط السياسي للأزمة الليبية، عبر استضافة اجتماع ضم نحو 140 عضوا من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، بهدف خلق أجواء لحراك يساعد على إجراء الانتخابات المعطلة، وتفكيك مشكلات أدت إلى انسداد استفاد منه رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة.

وتبعث هذه التحركات برسالة مفادها أن استقبال القاهرة للدبيبة قبل أيام لا يغير موقفها من حكومته التي سبق أن وصفها مسؤولون مصريون بأنها “منتهية الولاية”.

وانتهت ولاية حكومة الدبيبة قبل أكثر من سنتين لكنه يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة منتخبة.

لكن مراقبين يقللون من أهمية هذه التحركات ويرون أنها طالما لا تتم بدعم من البعثة الأممية فإن أقصى ما يمكن أن تتوصل إليه هو تكرار سيناريو حكومة أسامة حماد وقبلها حكومة فتحي باشاغا؛ إذ يحتاج تغيير الحكومات في ليبيا إلى دعم دولي.

واستغل عبدالحميد الدبيبة الجمود وسعى إلى تثبيت أركان حكومته المنتهية صلاحيتها وقبول التعامل معها كأمر واقع، وهو ما وافقت عليه قوى إقليمية ودولية، ما ساعده على كسر جانب من محاولات تشكيل حكومة جديدة لإدارة الانتخابات.

◄ في جميع الأحوال يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبّد مدبر العصيان، والمحرض عليه، ومن تقلد فيه قيادة بأي شكل كان

وكشفت مصادر مصرية لـ”العرب” أن موقف القاهرة السياسي والقانوني من الدبيبة لم يتغير، ومازالت تطالب بتشكيل حكومة موحدة تشرف على إجراء الانتخابات، وأن لقاء الدبيبة مع رئيس الحكومة المصرية مصطفى مدبولي في القاهرة مؤخرا لا يعني تغيير الموقف من الدبيبة، فقد حدث اللقاء على هامش حضور الدبيبة لمؤتمر رعته الجامعة العربية، وكان الحوار بينهما ذا طابع اقتصادي ولم يخلّ بالموقف منه.

وفسرت المصادر ذاتها النشاط المصري ورعاية اجتماع لأعضاء من مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة الآن على أنهما استكمال لجهود سابقة قامت بها القاهرة ولا تريد التفريط في نتائجها، حيث أغرى خلو الساحة الليبية من مبادرات جادة بعض القوى بزيادة نفوذها، ما يشير إلى إمكانية العودة الحثيثة إلى مربع الاقتتال.

وأشارت المصادر في حديثها لـ”العرب” إلى أن القاهرة تفصل بين مصالحها الاقتصادية في ليبيا ودورها السياسي لمعالجة الأزمة الممتدة، وأنها منفتحة على جميع القوى لوقف النزيف الحاصل في ليبيا، وفقا للضوابط التي وضعتها الأمم المتحدة، والمسؤولية التي تفرضها دواعي الأمن القومي، وهي الضوابط والمسؤولية اللتان تقودان إلى ضرورة إجراء الانتخابات تحت إشراف حكومة وطنية موحدة، وكسر إحدى الحلقات المستعصية في ليبيا.

وقد وطّدت القاهرة علاقاتها الاقتصادية في ليبيا خلال الفترة الماضية، ووسعت نطاق حضور مشاريعها في الشرق والغرب وانفتاحها على قوى متباينة، بما يمكنها من تحقيق مكاسب مادية ومعنوية، ويخلق لها شبكة مصالح تساعدها -عندما يحين الوقت- على تحريك الأزمة سياسيا وتقويض دور من يحاولون عرقلتها لصالح قوى أخرى.

وتستشعر السلطات المصرية قلقا من تحويل ليبيا إلى ساحة استقطاب عسكري بين روسيا والولايات المتحدة، والزج بالدولة -من خلال إغراء قوى داخلية- في مشاريع إقليمية ذات طابع أمني، يمكن أن تعوق الحديث عن حل الأزمة سياسيا، وهو ما يجعل اجتماع مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة في القاهرة بداية لاجتماعات أخرى قريبا.

واتفق أعضاء المجلسين الخميس على تشكيل حكومة جديدة واحدة، ودعوة مجلس النواب إلى الإعلان عن فتح باب الترشح والشروع في تلقي التزكيات ودراسة ملفات المرشحين لرئاسة “حكومة كفاءات” تشرف على تسيير شؤون البلاد.

وشدد البيان الختامي للاجتماع على أهمية “إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وفق القوانين المتوافق عليها والصادرة عن مجلس النواب، والعمل على استمرار توسعة دائرة التوافق.. وتقديم مقترح خارطة طريق من قبل أعضاء المجلسين كمسار أساسي لاستكمال الاستحقاقات الضرورية للوصول إلى الانتخابات”.

◄ التحركات تبعث برسالة مفادها أن استقبال القاهرة للدبيبة قبل أيام لا يغير موقفها من حكومته التي سبق أن وصفها مسؤولون مصريون بأنها "منتهية الولاية"

وكانت اللجنة التي أنيطت بها مهمة متابعة اللقاءات بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة قد عقدت اجتماعا تحضيريا الأربعاء لبحث الترتيبات اللازمة للاجتماع، وتجسير الهوة بين بعض الأعضاء، وضمان الحصول على مخرجات سياسية قابلة للتطبيق.

وجاء لقاء القاهرة بين المجلسين بعد جدل حول لقاء آخر كان من المقرر انعقاده في تونس خلال فبراير الماضي، لكن السلطات هناك منعته، على الرغم من تواجد نحو 120 من أعضاء المجلسين، وانتهت المداولات إلى إصدار بيان أشار إلى اتفاق على تشكيل حكومة وطنية موحدة تتولى الإشراف على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

وتضمن بيان تونس الالتزام بقوانين الانتخابات التي أقرتها لجنة 6+6 وتشكيل حكومة موحدة، ولجنة متابعة من المجلسين تتولى التواصل الداخلي والخارجي لتنفيذ المخرجات المتوافق عليها والتحضير لاجتماع آخر لأعضاء المجلسين.

وسعى اجتماع القاهرة إلى ضخ دماء في العملية السياسية المتجمدة؛ إذ وجدت جهات متعددة راحة في ذلك من عناء المشاحنات والمناورات والترتيبات المضنية، وبدا الجمود صيغة جيدة تلبي تطلعات البعض في مرحلة غير مرغوب فيها حدوث تغيير حقيقي قد يقلب التوازنات التي تناغمت معها عدة قوى.

وأشار مجلس الأمن الدولي في فبراير الماضي إلى التزامه القوي بعملية سياسية شاملة يقودها ويملك زمامها الليبيون، وتيسّرها الأمم المتحدة، وتُبنى على القوانين الانتخابية المحدثة التي اتفقت عليها لجنة 6+6.

وتعرضت القوانين لتجاذبات بين قوى ليبية، وسعت جهات متضررة من إجراء الانتخابات -على رأسها حكومة الدبيبة ومتحالفون معه- لتعطيلها ومنع تحويلها إلى أداة فاعلة تلف حولها الأطراف المؤيدة للانتخابات بهدف طي صفحة الدبيبة.

وقال المحلل السياسي الليبي مصطفى الزائدي إن “لدى مصر رغبة في الوصول إلى حالة الاستقرار في الأراضي الليبية، وحاولت من قبل التوصّل إلى حلول سياسية وأمنية، لكن الأزمة تمثلت في وجود قوى خارجية ترفض حدوث توافق ليبي – ليبي”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الحل لا يتمثل في تشكيل حكومة موحدة لأن ذلك يعني الدوران في فلك توافقات معقدة سابقة، بل في البحث عن جذور الأزمة وإنهاء فوضى التدخلات الأجنبية، وإخراج آلاف المرتزقة الذين أرسلتهم تركيا إلى الغرب والتعامل مع الجماعات المسلحة التي تملك كميات هائلة من السلاح”.

وحرصت القاهرة على استضافة الاجتماع الثاني لأعضاء المجلسين الخميس، والبناء على ما حواه بيانهما الأول في تونس من مضامين، وملء فراغ سياسي طويل، بعد أن تعثرت الكثير من الجهود والمبادرات التي سعت لتسوية الأزمة الليبية، ما أدى إلى التعامل مع حكومتين إحداهما في الغرب وأخرى في الشرق، وزادت الخلافات بين القوى السياسية بعد موافقة مجلس النواب الليبي على اقتسام ميزانية الدولة بينهما.

ولم يؤثر الخلاف بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة حول الميزانية على اجتماع القاهرة وجرى تجاوز تداعياته السلبية، وانصب الحديث على ضرورة التوصل إلى تفاهمات تقود إلى إجراء الانتخابات وكسر الجمود السياسي الراهن.

18 يوليو 2024

هاشتاغ

التعليقات