عربي ودولي

هل دخلنا زمن المهادنات والصفقات؟
هل دخلنا زمن المهادنات والصفقات؟
لم يعد بإمكان العدوّ الاسرائيلي تجاهل الانتقادات التي تطاله في ما يتعلّق بالملفّ الانساني بالحرب الضروس التي يخوضها على الشّعب الفلسطيني. لكنّه حتّى الساعةيعوّل على الموقف الأميركي الدّاعم الذي مثّله هوكشتين حيث تبنّى وجهة النّظر الاسرائيليّة بالمطلق فدعا إلى تطبيق تام للقرار 1701 وإبعاد كلّ مظاهر التسيّيب في السلاح عن الحدود الجنوبيّة.
 
أمّا على الجبهة اللبنانية فمقابل محاولات منظّمة حزب الله بتجزئة القرار 1701 وتطبيقه مجتزءًا توصّلًا إلى تفريغه من مضمونه ومفاعيله السياسيّة والأمنيّة، يستمرّ العدوان على لبنان مع ارتفاع وتيرة اقتراب الهدنة الرمضانيّة -الانسانيّة في غزّة؛ ورهان منظّمة حزب الله على إمكانيّة انسحاب هذه الهدنة على لبنان لأنّ الجبهتين مرتبطتان بمفهوم المنظّمة. لكّن الجبهتين مفصولتان؛ فالأميركي والاسرائيلي أعلنا ذلك بوضوح. فبالتالي لا هدنة مرتقبة في لبنان. وما يحدث في الجنوب مرجّح أن يتصعّد أكثر فأكثر.
 
فالقتال مساندة لغزّة وإشغالا للعدو الاسرائيلي قد سقط. ومنظّمة حزب الله باتت أمام خيار وحيد وهو مواجهة النّار بالنّار. ولكن الاشكاليّة الكبرى التي تطرح في هذه المعركة غير المتكافئة، هل تستطيع منظّمة حزب الله إلحاق الأذى بالعدوّ الاسرائيلي كما هو مزمع أن يفعل بلبنان؟ مع العلم أنّ مقدار الدّمار والضحايا والشهداء والأضرار والتهجير الذي تسبّب به حتّى الساعة، لا يقارَن بما سببته المنظّمة لسكّان الشمال. وهذا الكلام بالطبع لا يعني أنّنا نضرب معنويّات الشارع اللبناني المناصر لمنظمة حزب الله ولنظرية وحدة الساحات، إنّما نقرأ النتائج بموضوعيّة.
 
فبالنسبة إلى منظمة حزب الله ومحور إيران، الشرط الوحيد مفاده توقّف الحرب في غزّة لتذهب منظمة حزب الله إلى مناقشة الحلول المطروحة. لكنّ إسرائيل تصعد في لبنان، وتؤكد أن هدنة غزة لن تشمل جبهة الشمال. ما يؤكّد ذلك فرضيّة جرّ لبنان إلى الحرب بسبب تطرّف منظّمة حزب الله، وعدم اكتراث إسرائيل لأيّ اعتبار إنسانيّ؛ فضلا عن توسع الضربات من الجنوب والضاحية فقط في المرحلة الأولى لتتخطّى كلّ الخطوط الحمر على كامل ال 10452 كم2.
 
وهذا ما يدفع إلى الاستنتاج بأنّ إسرائيل مزمعة على الاستمرار في استهداف قيادات حماس وإيران في لبنان. ولكن باعتقادنا تدرك إسرائيل تمامًا أنّ أيّ توغّل برّي ستكون فاتورته باهظة جدًّا، ولا سيّما بأنّ جبروت جيشها قد انكسر، وعسكرها متعبٌ. وهذا ما يعزّز الفرضيّة التدميريّة التي سبق لها وجرّبتها في العام 2006. ولكنّها لن تكرّر خطأ الإبقاء على حساب البقاء. أي أنّها لن تقدم على خطوة ناقصة في لبنان تكون نتيجتها تسوية دوليّة تترجم بالسياسة الدّاخليّة اللبنانيّة.
 
وما يؤكّد ذلك هو التّجربة المرّة التي خاضتها في طريقة تطبيق القرار 1701 المعتورة. حيث باتت متأكّدة تمامًا أنّ أيّ قرار دولي، أو أي ضغط دولي سيكون مرحليًّا. لأنّها أدركت أنّها تحارب نهجًا فكريًّا عقائديًّا. وما نجح هذا النّهج بإيلامها إلّا لأنّه داوى الداء التطرّفي اليهودي بداء مثيله. كذلك جرّب المجتمع الدّولي تثبيت الأمن لحليفته الشرق - أوسطيّة عبر منح حماس السلطة المطلقة على قطاع غزّة، تحت أنظار الموساد الاسرائيلي، فكانت النتيجة في السابع من أكتوبر بطوفان الأقصى.
 
لذلك كلّه، نحن مقبلون على مرحلة جديدة بعد سقوط زمن المهادنات الذي كاد أن يصل إلى الرّبع قرن من الاستقرار غير الثابت؛ والذي كان مقبولا بحسب الساسة الاسرائيليّين نتيجة انشغالاتهم بقضاياهم الشخصيّة على حساب قضيّتهم الكبرى. لكنّ اليوم أخصام نتانياهو يحضّون الاسرائيليّين على رفض هذا النّهج وأبرزهم رئيس الوزراء الأسبق إيهودا باراك الذي يصرّح بضرورة إنهاء سلطة حماس على غزّة، وبعدم بقاء الجيش الاسرائيلي فيها، لتفادي ذبح الاسرائيليين في أسرّتهم بحسب زعمه. لكأنّ جيشه يرشّ العطور وينثر البخور على الشعب الفلسطيني منذ أكثر من سبعين عامًا!
فهم مزمعون القضاء على قدرات حماس العسكريّة في غزّة. مع تأكيد باراك على بقاء الفلسطينيين وعدم رحيلهم إلى أيّ مكان، لكن المهمّ في ذلك أن ندرك تمامًا بأنّ أيّ استمرار لأيّ سلطة فلسطينيّة لن يكون على قاعدة احتمال تشكيلها أيّ تهديد أمني للمنطقة. ما يؤكّد على أنّ التسويات لن تكون على حساب بقاء هذا الفكر العقائدي في السلطة السياسيّة مقابل ضمانه تأمين استقرار حدوديّ ما. وهذا ما يعزّز فرضيّة التصعيد على الجبهة اللبنانيّة.
 
ذلك كلّه والموقف الرّسمي للدّولة اللبنانيّة جسّده وزير خارجيّتها عبد الله بوحبيب الأربعاء 6 آذار الجاري في أعمال الدورة 161 لمجلس الجامعة العربية الذي شارك فيه على المستوى الوزاري، حيث اعتبر بو حبيب أنّه "على الرغم من الدمار الذي تهدّد إسرائيل بإلحاقه في لبنان، إلّا أنّ هذه الحرب لن تكون نُزهة، وقد تتطوّر بسرعة إلى حرب إقليميّة. إنّنا نريد الاستقرار على الحدود اللبنانية الجنوبيّة، ونريد إنسحاب اسرائيل الكامل من أراضينا."
 
فما تحاول منظّمة حزب الله الايحاء به إلى المجتمع الدّولي عبر بوحبيب الذي تحوّل إلى ناطق رسمي يهدّد العالم باسمها ، هو تحويل هذه الحرب إلى إقليميّة في حال صعّدت إسرائيل هجومها على لبنان. متى يدرك هؤلاء كلّهم أنّ لبنان لم يعد موجودًا في حسابات الدّول الكبرى مذ أضحت الدّولة اللبنانيّة دولة منظّمة حزب الله؟ مع رهانها المستمرّ على أن التهدئة في غزة ستنسحب حكمًا على لبنان، نظرًا لأن الحزب لا يخوض معركة منفردة بوجه إسرائيل، بل يصرّ على أنّه جبهة مساندة لغزة. كما تراهن المنظّمة أيضًا على ازدياد عدد النازحين والمهاجرين الإسرائيليين الذين يقطنون بالقرب من الحدود اللبنانية، مما سيؤدّي إلى زيادة في الارتباك داخل الحكومة الإسرائيلية.
 
فبالرّغم من ذلك كلّه، الطرفان الاسرائيلي - الأميركي والايراني – اللبناني يريدان وقف هذه الحرب لكنّ سبل ذلك بين الطرفين متناقضة. فعلى ما يبدو حتّى الساعة أنّ الاسرائيلي لم يتنازل بعد عن الخيار العسكري، وما الترويج باقتراب موعد الصفقة الدّوليّة مع منظمة حزب الله على حساب لبنان كلّه سوى المزيد من ذرّ الرّماد الفارسي في العيون اللبنانيّة.
 
لكنّ وسط ذلك كلّه، يبقى الخوف من أيّ حادث أمني قد يذهب بالميدان العسكري على الجبهة اللبنانيّة أبعد بكثير ولا سيّما أنّ الرأي العام الاسرائيلي يدفع نحو الحرب على لبنان أكثر.

08 مارس 2024

هاشتاغ

التعليقات