عربي ودولي

العقلية الذكورية تهمش النساء ضحايا الحرب الاسرائيلية
العقلية الذكورية تهمش النساء ضحايا الحرب الاسرائيلية
يتزامن يوم المرأة العالمي اليوم مع ذكرى مضي خمسة أشهر على اندلاع الاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل جنوبي لبنان. ومرة جديدة تظهر الحرب نهجاً اقصائياً في تعاطي المجتمع مع النساء حتى عندما يصبحن ضحايا يقتلن في منازلهن بالصواريخ الاسرائيلية. فنرى تمييزاً فاضحاً في التعامل مع موتهن وكأنهن أدنى مكانة من الرجال.

على مواقع التواصل الاجتماعي التي تحفل بصور وقصص الرجال القتلى بالكاد نرى صوراً للنساء الضحايا أو نعوة لهن في خبر سريع، خصوصاً أولئك اللواتي ينتمي أفراد أسرهن لحزب الله. هكذا يرحلن في الظل وكأنهن بلا ملامح ولا وجود. مجرد أضرار جانبية في خلفية المشهد. مجهولات لا قصص تروى عنهن كأنهن لسن بمصافي الرجال، خصوصاً المقاتلين منهم.

على منصتي “تيك توك” و”إكس” الكثير من القصص والشرائط المصورة للرجال الذين قضوا في الحرب من مقاتلين ومدنيين، فيما يصعب العثور على قصة لامرأة ضحية، إلا تلك الملحقة بالرجل. بالمقابل تنشر مشاهد مصورة لثكالى يكابرن على خساراتهن ويرددن خطابات شبّعن بها ليتجاوزن المشاعر الإنسانية ويتحولن إلى مثال على غيرهن من النساء الاقتداء به. فيصبح واجبهن تربية الأبناء على الجهاد للسير تحت راية المرجع الشيعي الراحل روح الله الخميني. هكذا وحتى في لحظات الفجيعة على النساء أن يلتزمن بالدور الذي يفرض عليهن. 

من بين المشاهد المتداولة فيديو لوالدة مقاتل في حزب الله، تلقي خطبة أمام النساء في عزاء ابنها وتتحدث عن انتظارها للحصول على جثته دون التمكن من العثور على أجزاء منه. وترى في الأمر مواساتاً للزهراء ابنة النبي محمد ولنجلها الإمام الحسين قطيع الرأس وأخاه غير الشقيق العباس قطيع اليدين. في مشاهد أخرى، ثكالى يودعن أبناءهن ويعددن كم بقي لديهم من الأبناء المستعدين لتقديمهم "فداءاً للسيد" أو "المقاومة".

تعكس هذه الممارسات العقلية الذكورية التي تهيمن على أجساد النساء في حياتهن وحتى بعد موتهن. فهي التي تقرر التعامل مع أجسادهن وصورهن وحتى ذكرهن بعد رحيلهن. وتذكر أيضاً بالعديد من الخطب الدينية لرجال دين بمواقع قيادية في حزب الله يتحدثن عن واجبات النساء التي يحصرنها بإطاعة الزوج وتربية المجاهدين. كما يذكر تهميش صور النساء بفتوة عدم جواز نشر النساء لصورهن على مواقع التواصل الاجتماعي واستبدالها بصورة شجرة، والتي أثارت الكثير من السخرية منذ سنوات.

جانب آخر تظهره هذه الحرب وهو إبعاد النساء كلياً عن موقع القرار فيها وفي غيرها من الشؤون المرتبطة بها. فالنساء اللواتي للحرب تداعيات مضاعفة عليهن تفوق بأضعاف تلك التي تصيب الرجال ممنوعات من المشاركة في أي من القرارات المرتبطة بها أو الادلاء بآرائهن وما عليهن سوى الإطاعة. وإن كانت النساء مبعدات عن قرارات الحرب في كل العالم، لكن التهميش أكثر تجسداً في بلد يخضع النساء لقوانين أحوال شخصية مذهبية تتحكم بأبسط تفاصيل حيواتهن، وفي حزب ذو عقيدة تفرض عن المرأة إطاعة الرجل وتمنع ترشحها لمناصب قيادية في الدولة والحزب.

ومن بين القصص المحزنة التي تمّ تناقلها حتى في البيئة المؤيدة لحزب الله من دون الإضاءة عليها، قصة والدة حرمت من حضانة طفلها ومن رؤيته بفعل قوانين الأحوال الطائفية والذكورية السائدة إلى أن قضى في غارة اسرائيلية مع زوجة أبيه، التي أخفيت صورها ولم يحك عنها هي أيضاً. لتزيد من حسرة خسارة الأم لطفلها حسرة حرمانها منه قبل رحيله. نساء أخريات محرومات هن أيضاً من رؤية أطفالهم بينما يخشين عليهم من الحرب التي لا تليّن موقف الآباء تجاههن.

وإذ تهمش الحرب أكثر وأكثر قضايا النساء، وتؤدي لتراجع الحديث عن معاناتهن بحجة الأولويات، لكنها تظهّر جوانب إضافية من تمييز المجتمع ضدهن، وتحديداً ذلك المحكوم بعقيدة لا تراهن خارج أدوار محددة عليهن الالتزام بها. جوانب تستحق الإضاءة عليها ومراجعتها لعله يصير للنساء الضحايا ملامح وقصص.

08 مارس 2024

هاشتاغ

التعليقات