اخبار

أردوغان يواجه تحديات جسيمة لكنه لا يزال في وضع آمن
أردوغان يواجه تحديات جسيمة لكنه لا يزال في وضع آمن
في ظل التطورات السياسية الأخيرة بتركيا يبدو أن الرئيس رجب طيب أردوغان يواجه تحديات جسيمة؛ فقد أثار تراجعه في السياسة الداخلية والخارجية، جنبا إلى جنب مع اشتداد الأزمات الاقتصادية، تساؤلات عن مستقبله السياسي. وبالرغم من هذه الظروف الصعبة يجب علينا ألا نستبعد أردوغان من المشهد السياسي تماما، إذ يتمتع بقاعدة داعمة من الأنصار، ويظل قادرا على البقاء في السلطة وتعديل إستراتيجياته لمواجهة التحديات.

وقال الكاتب الأميركي مارك تشامبيون في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء إن نتائج الانتخابات البلدية في تركيا التي جرت مطلع هذا الأسبوع كانت مذهلة، حيث احتفل بها مئات الآلاف من الأتراك باعتبارها انتصارا للعلمانية، واحتفل بها عمدة إسطنبول أكرم إمام أوغلو باعتبارها إحياء للديمقراطية الليبرالية التي تبث الأمل ليس فقط في نفوس مواطني بلاده، وإنما أيضا في نفوس مختلف سكان العالم.

ويمثل هذا بداية معركة من قبل معارضي الرئيس رجب طيب أردوغان، وليس الانتصار فيها. ويقول تشامبيون: دعونا نبدأ بأسباب الأمل، لأنه بالنسبة إلى أي شخص آمن بالوعد الاستثنائي لتركيا ديمقراطية ومنفتحة، كان العقد الماضي مظلما بلا انقطاع.

وأشار إلى أن ما أثبتته الانتخابات البلدية التي جرت في مطلع الأسبوع هو أنه حتى بالنسبة إلى أكثر القادة الشعبويين نجاحا، يمكن أن تكون قوة السياسات القائمة على الهوية غير كافية إذا دمرت الاقتصاد. وبحسب تشامبيون، كانت الإدارة السيئة واضحة بشكل خاص في حالة أردوغان، لأنه اعتبر مسؤوليته الشخصية عن السياسات النقدية الكارثية مبعث فخر.

وأدى إيمانه بأن خفض أسعار الفائدة سيقلل من التضخم، بدلا من زيادته، إلى حدوث كارثة رغم كل النصائح والأدلة. وفي الوقت نفسه حقق حزب الشعب الجمهوري الذي يتزعمه إمام أوغلو نتائج أفضل حتى من توقعات قادته.

وحصد حزب مؤسس تركيا مصطفى كمال أتاتورك عددا أكبر من الأصوات على الصعيد الوطني من حزب العدالة والتنمية الحاكم، للمرة الأولى منذ تولي أردوغان السلطة قبل أكثر من 20 عاما. كما استحوذ حزب الشعب الجمهوري على المزيد من البلديات والمدن. وحتى الرئيس التركي بدا متواضعا بسبب هذه الهزيمة. وحقق حزب الشعب الجمهوري هذا رغم تخليه عن جهود التعاون مع الأحزاب المعارضة الأخرى لترشيح مرشحين مشتركين.

وكانت الانتخابات محلية فقط. ولكن في تركيا، حيث تتمركز السلطة بشكل مفرط في يد الرئيس الآن، تقدم المدن موارد ورعاية أساسية لأي محاولة لاستعادة السلطة السياسية. وللمرة الأولى منذ جيل، تجد المعارضة الآن في إمام أوغلو منافسا موثوقا به للرئاسة.

ومع ذلك، لا ينهي أي من هذا عصر أردوغان ولا يشكل وصول ديمقراطية علمانية صحية إلى تركيا. وهناك اختلاف كبير بين الوضع الحالي والوضع المفترض. أولا، مثل الانتخابات البلدية في كل مكان، لا تشكل الانتخابات في تركيا دائما مؤشرات موثوقة على كيفية تصويت الأشخاص لصالح سلطة تنفيذية مركزية. وثانيا، لا توجد انتخابات وطنية مقررة حتى عام 2028، وهو ما يمنح أردوغان الوقت الكافي لتدارك خطئه الذي ارتكبه في مجال الاقتصاد. والواقع أنه لم يضمن إعادة انتخابه إلا في العام الماضي من خلال الاستمرار في ضخ القدر الكافي من المال في النظام لتخفيف تأثير التضخم الجامح.

ويقول تشامبيون: لقد دفع الأتراك الثمن الكامل لهذا التصرف المدفوع أيديولوجيا فقط منذ أن حصل على فترة ولاية أخرى، عندما تحول إلى فريق سياسة نقدية ومالية أكثر تقليدية. وبعبارة أخرى كان أردوغان يعلم أن نوعا من الحساب السياسي قادم وقد خطّط لذلك. لقد شرع المستثمرون الأجانب في العودة، ويمكن لأردوغان ، كما قال، أن يتوقع أن يؤتي دواء التشديد المالي القاسي نتائج ويؤدي إلى تمكين الانتعاش قبل الانتخابات المقبلة.

وليس من المستحيل أن يضطر إلى الدعوة إلى تصويت مبكر، ولكن من الصعب الآن التنبؤ بكيفية حدوث ذلك. وكما قال الرئيس في خطابه الذي قبل فيه الهزيمة: سنقف شامخين، سنقف مرفوعي الرأس. 31 مارس ليس النهاية بالنسبة إلينا، إنه في الواقع نقطة تحول.

◙ الطريقة التي يتجه إليها أردوغان الآن أمر بالغ الأهمية ومازال غير واضح ويبدو أنه سوف يتمسك بسياسات اقتصادية أكثر مسؤولية

إن الطريقة التي يتجه إليها أردوغان الآن أمر بالغ الأهمية ومازال غير واضح. ويبدو أنه سوف يتمسك بسياسات اقتصادية أكثر مسؤولية، لكنه سيظل في الوقت نفسه مسيطرا على أغلب وسائل الإعلام وجميع المؤسسات الحيوية، وهو ما يمنحه سلطات واسعة لتشكيل الأحداث. كما ستظل لديه كل الأدوات التي يحتاجها لتهميش المنافسين السياسيين، إذا قرر استخدامها.

وقد تم سجن صلاح الدين دميرطاش، الزعيم المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، بتهم ملفقة في عام 2016، بعد عام من قيادة حزبه إلى البرلمان بتصويت وفير كلف حزب العدالة والتنمية أغلبيته. ولا يزال في السجن على الرغم من تخليه عن السياسة والأحكام الصادرة عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان التي وجدت أن احتجازه له دوافع سياسية. وقد تم اتهام إمام أوغلو نفسه بإهانة أعضاء مفوضية الانتخابات التركية، وهي تهمة يمكن بموجبها منعه من شغل منصب عمدة إسطنبول.

ويقول تشامبيون إن كل البدايات المشرقة الجديدة السابقة في تركيا، حين اعتقد نقاد أردوغان أيضا أنه ارتكب خطأ جسيما لا يمكن العودة عنه، أتبعها بدلا من ذلك بمضاعفة جهوده وإعادة تقسيم الناخبين لصالحه. وعلى الرغم من أن هذه المرة تبدو مختلفة، فإنه من الحكمة أن نتذكر المعنى الكامل للسلطة شبه المطلقة التي يتمتع بها وكم يعتبر إنشاء مؤسسات مستقلة أمرا أصعب من تدميرها.

ويمكن تصور أن ما حدث مؤخرا يشهد تحول أردوغان نحو الاعتدال، لكن هذا يبدو وكأنه تفكير بالتمني. ولسبب واحد، كانت حصة الأصوات التي فازت بها الأقلية الكردية الكبيرة في تركيا كبيرة مرة أخرى بما يكفي لتأمين كتلة مؤثرة من المشرعين المعادين للرئيس في الانتخابات البرلمانية، الأمر الذي قد لا يبشر بالخير لمعاملتهم. وقد يرد أردوغان باستهداف الأكراد لجذب أصوات القوميين الأتراك.

وقد يقرر أردوغان أن لديه فرصة أكبر لإقناع الناخبين المتدينين والمتشددين بدعمه أو دعم خليفته في جولة الإعادة الرئاسية المستقبلية، أكثر من أولئك الذين ذهبوا إلى حزب الشعب الجمهوري. وكان أردوغان رائدا للرجال الشعبويين الأقوياء الآخرين الذين راهنوا على الحروب الثقافية لإيصالهم إلى السلطة. وكان من المفترض أن تكلفه عثراته الكبيرة في مجال الاقتصاد منصبه في العام الماضي، لكن لم يحصل ذلك، وربما يكون آمنا في الوقت الحالي. وهذا يعني أن خصومه السياسيين والمؤسسات الديمقراطية في تركيا ربما ليسوا كذلك.

04 أبريل 2024

هاشتاغ

التعليقات