عربي ودولي

المقابر الجماعية في غزة: ماذا نعرف عنها
المقابر الجماعية في غزة: ماذا نعرف عنها
أثار اكتشاف مقابر جماعية في مستشفيين في قطاع غزة دعوات من مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان وأطراف دولية أخرى لإجراء تحقيق دولي، ما يمكن أن يستفيد منه الفلسطينيون لجهة الاهتمام الدولي بالقضية إذا قدموا أدلة دقيقة وذات مصداقية بدل الإغراق في السرد والنبش في مواقع المقابر الذي قد يطمس معالم الجريمة.

ورغم أنه لا يوجد تعريف للمقبرة الجماعية في القانون الدولي، لكنها موقع دفن يحتوي على جثث عديدة ووجودها قد يكون مهما في رصد وقوع جرائم حرب محتملة. وقالت السلطات الفلسطينية إن موقع دفن اكتشف في مستشفى ناصر، المنشأة الطبية الرئيسية في وسط قطاع غزة، ضم نحو 400 جثة. واكتشف الموقع بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من مدينة خان يونس.

وشاهد مراسلون صحفيون الاثنين عمال طوارئ وهم يستخرجون جثثا من تحت أنقاض مستشفى ناصر. وأظهر مقطع فيديو صورته رويترز في يناير حفر مقبرة جماعية وقيام فلسطينيين بدفن جثث وقالوا إنهم مضطرون للقيام بذلك في مجمع ناصر الطبي بسبب تعذر الوصول الآمن إلى موقع دفن مناسب على مسافة أبعد.

وعثرت السلطات الفلسطينية أيضا على موقع دفن آخر في مستشفى الشفاء بشمال قطاع غزة استهدفته عملية للقوات الخاصة الإسرائيلية. وتحققت رويترز من لقطات لحفر مقابر بالقرب من المستشفى منذ نوفمبر.

◙ رغم أنه لا يوجد تعريف للمقبرة الجماعية في القانون الدولي لكنها وجودها قد يكون مهما في رصد وقوع جرائم حرب محتملة

وقالت رافينا شمداساني المتحدثة باسم مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان الثلاثاء إن تحقيقا يجب أن يجرى للتثبت من عدد الجثث، لكن “من الواضح أن جثثا كثيرة اكتشفت”. وأضافت شمداساني “كانت أيدي بعضهم مقيدة بما يشير بالطبع إلى انتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، ويتعين إخضاع هذا لمزيد من التحقيقات”.

وتجري المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي تحقيقا بالفعل في فظائع ارتكبها مسلحو حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السابع من أكتوبر ورد فعل الجيش الإسرائيلي. ويتمتع مكتب الادعاء في المحكمة بالولاية القضائية في الأراضي الفلسطينية، لكنه لم يصدر أي تصريحات عن اكتشاف مقابر جماعية.

وبموجب اتفاقات جنيف لعام 1949 التي وقعت عليها إسرائيل، يتعين على أطراف نزاع ما اتخاذ كل التدابير الممكنة لمنع أي عبث بجثث الموتى. ويدعو القانون الدولي الإنساني العرفي إلى احترام الموتى، بما في ذلك واجب منع العبث بالقبور وضمان التعرف على الرفات البشرية ودفنها بشكل لائق.

ويحظر القانون أيضا التشويه والتدنيس وغير ذلك من أشكال عدم الاحترام للموتى، ويجب على الأطراف اتخاذ تدابير لحماية مواقع الدفن ومن بينها تلك التي تحتوي على رفات أعداد كبيرة من الموتى.

وفي عام 2002، في قضية تتعلق بمقتل فلسطينيين في مخيم جنين للاجئين في الضفة الغربية، قضت المحكمة العليا الإسرائيلية بأن وزارة الدفاع الإسرائيلية مسؤولة، بموجب القانون الدولي، عن “تحديد موقع وهوية ونقل ودفن جثث” القتلى الفلسطينيين. وقال القضاة إنه يجب ألا تدفن الجثث في مقابر جماعية بل تُسلم إلى السلطات الفلسطينية.

ويعرّف نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تدنيس جثث الموتى أو التمثيل بها بأنه جريمة حرب، وهو شيء محظور باعتباره إهانة للكرامة الشخصية. وقال الجيش الإسرائيلي في بيان إن ما تقوله السلطات الفلسطينية عن أن قواته دفنت الجثث “لا تستند لأي أساس”. وأضاف أن المقابر حفرها فلسطينيون ونشر لقطات تظهر أن المقابر تعود إلى ما قبل عمليات الجيش الإسرائيلي.

وقال الجيش الإسرائيلي إن قواته التي كانت تبحث عن رهائن إسرائيليين فحصت الجثث المدفونة بالقرب من مستشفى ناصر ثم أعادتها. وأضاف “أجري الفحص باحترام مع الحفاظ على حرمة الموتى”.

ولعبت الأدلة المستقاة من استخراج جثث من مقابر جماعية دورا مهما في محكمة جنائية دولية للأمم المتحدة في يوغوسلافيا السابقة وأقرت المحكمة أن مذبحة سربرينيتشا عام 1995 التي قتلت فيها قوات صرب البوسنة نحو ثمانية آلاف رجل وطفل من المسلمين كانت إبادة جماعية.

وفي محاكمة جنرال قوات صرب البوسنة راديسلاف كرستيتش، وهو أول شخص تدينه المحكمة الخاصة بيوغوسلافيا السابقة بالإبادة الجماعية عام 2001، وجد القضاة أن الأدلة المستمدة من عمليات استخراج الجثث التي تظهر أن مئات الضحايا قد دفنوا معصوبي الأعين وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم وهو ما كان كافيا لاستنتاج أنهم لم يلاقوا حتفهم في قتال.

وقالت اللجنة الدولية لشؤون المفقودين في بيان عن غزة الأربعاء “المقابر الجماعية تحتوي على أدلة حيوية لإثبات حقيقة ما وقع من أحداث… يتعين اتخاذ إجراءات على الفور لحماية وتوثيق المواقع التي وردت تقارير عن وجود مقابر جماعية فيها بغزة”.

وأضافت اللجنة التي ساعدت في التعرف على آلاف الضحايا المدفونين في مقابر جماعية في حروب البلقان في التسعينيات، أن في حالة وقوع جرائم حرب فإن "هذه العمليات تتيح تقديم الجناة إلى العدالة".

وإذا أدت إعادة الدفن أو فتح المقابر الجماعية إلى تدنيس الرفات البشرية، فمن الممكن أن توجه المحكمة الجنائية الدولية اتهامات. وبوسع المحكمة أيضا أن تستخدم تقارير عن محاولة التستر على جرائم بدفن جثث في مقابر جماعية كدليل يدعم أن الجناة كانوا يعلمون أن هذا القتل غير قانوني.

ويستطيع القضاة استخدام الحالات المؤكدة لأشخاص قتلوا وأيديهم مقيدة خلف ظهورهم للتوصل إلى أن الموتى لم يكونوا من المشاركين في القتال. وبموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يعتبر قتل أو جرح مقاتل أثناء الاحتجاز جريمة حرب.

26 أبريل 2024

هاشتاغ

التعليقات