عربي ودولي

تسقط نظرية
تسقط نظرية "أم الصبي"
ألا يعرف من استنزف "جثة الشهيد الرئيس رفيق الحريري" حدوداً وسقوفاً، ألا يوفّر فرصةً ولا ذكرى، ولا حتى إجازةً؟ أكل شيء يتمركز حول الأمجاد الغابرة والإنجازات الفائتة وحول العاطفية السياسية؟ أفعلا من المهمّ فقط مصالح محددة وأهداف قادة، وبعد ذلك، فليتضرّر من يتضرّر، وليدفع المواطن اللبناني؛ والسّني على وجه الخصوص، ثمن أنانيتهم حتى أشدّنا إخلاصاً وإسناداً لنهجٍ اندثر؟ 19 عامًا من الاستنزاف أليس هناك من جديد في زمام "المبادرة والفعل" يُبنى عليه؟

عاد رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري إلى لبنان بـ"حُلّة جديدة". أوكانت مشكلة المواطن اللبناني معه "قصة شعره"؟ أو هندامه؟ أو طلّته؟ أم كانت في صلب الأداء السياسي؟

الـ"فيتو"!

لم يكن "الفيتو" على الرئيس الأسبق للحكومة اللبنانية سعد الحريري بالأمس واليوم، نابعًا من العدمية والعبثية السياسية، هو رفض من صلب الشارع اللبناني عمومًا والسُّني المحبّ بأغلبيته لنهج والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وموضوعه إنـقـاذ ما تبقى من سيرة هذا العملاق الذي قتله "حزب الله" باعتبار أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان اتهمت كوادره باغتياله... وبشكل خاص إنقاذ الطائفة السُّنية من دوّامة وهب الفُرص لشخصيات سياسية فشلت في تمثيل إرادتها

أما الارتباك والتخبط المُمتد منذ 14 شباط 2005 على مستوى القرار السياسي لـ"تيار المستقبل" تحسبًا فقط للتداعيات المروّعة المحتملة لـ"حزب الله" وما يمكن أن يحدث من سيناريوات ظلامية، بخاصة بعد فاتورة اغتيالات رجالات الأرز من باسل فليحان حتى محمد شطح... كما بعد احداث السابع من أيار (أحداث عسكرية عنيفة جرت في العاصمة اللبنانية بيروت وبعض مناطق جبل لبنان بين المعارضة والموالاة): ما هما إلا نتيجة حتمية لتراخٍ في أداء حكومات سعد الحريري المتعاقبة وحاشيته ورائحة الفساد التي خلّفها مقاولون وصفقات غير مأسوف إلا على ما نُهب فيها، والذي امتدّ على مدار 14 عامًا من نظرية "أم الصبي".

وبالرغم من المحاولات الإعلامية لإعادة فرض الرئيس الأسبق سعد الحريري على خارطة "حزب الله" التوافقية، ورؤيته لنموذج لبنان "أمنه من أمن إيران"، بذريعة حماية البلاد من الفتنة السنية-الشيعية، إلا أن الحضور الذي لم يتجاوز الحد المطلوب لمكان التجمّع المُعتمد خلال إحياء ذكرى استشهاد والده، في محيط ضريحه، عاد ليؤكّد أن السّنة في لبنان، قد تجاوزوا كل دعايات "الوفاء" التي باتت مُستهلكة حدّ التخطي، لا بل سئموا نظرية "أم الصبي" و"تدوير الزوايا" و"ربط النزاع" و"تجرّع السّم" تمامًا.

من المواجهة إلى التعاون

كان لإعلان نهاية المواجهة بين الحريري وفريق 8 آذار الذي أصبح واضحا في سنوات ما قبل الثورة على ضوْء انتخاب ميشال عون رئيسًا: نتيجتان.
الأولى، بروز ما سُمّي بـ"متلازمة الإحباط السني" بصورة مباشرة وفجّة إلى الواجهة، بصرف النظر عن الاعتذارات المتكررة لرئيس تيار المستقبل بين الإخفاق والآخر.
والثانية، التي لا تنفصل عنها، انهيار السردية التي دأب تيار المستقبل على ترديدها لكسب تعاطف الجمهور السُّني أن مسألة "التصدي لحزب الله" مستحيلة ومُصطنعة من قبل الأحزاب السيادية التي تختلق النزاع مع الحزب "بلا جدوى"، للتغطية على "الغدر" بخيارات غير واقعية.

هذا ما يفسّر عدم حلحلة عقدة انتخاب الرئيس المستمرة، والرفض المنهجي لفتح أبواب مجلس النواب في جلسات متعاقبة دستورية تهدف للتوصل إلى رابح ولو بانقسام عامودي بين الموالاة والمعارضة، إلا في إطار حلّ على اسم المرشح "سليمان فرنجية". وهذا ما يُفسّر إنكار حق المسيحيين بانتخاب المرشح الأقوى من أي طرفٍ جاء..

وقد أتاح هذا كله لقطاعاتٍ واسعةٍ شاملةٍ من الرأي العام المحلي والعربي اكتشاف الحقيقة التي عمل "تيار المستقبل" ومناصروه جاهدًا إلى إخفائها، وهي، ببساطة، أن المنظومة السياسية الحاكمة بتركيبة ما قبل "ثورة تشرين" كانت غير فعّالة وغير عمليّة بتاتًا. وأن فريق الثامن من آذار من أهم المستفيدين من إدارة الحريري لأمور الحكومة بالاعتدال المطروح في كل ملف وعند كل استحقاق. بين اللامواجهة واللاتقدم واللاحلّ لأزمة لبنان مع السلاح غير الشرعي بالدرجة الأولى وللأزمة الاقتصادية بالدرجة الثانية.

وهنا، في غياب المكوّن السنيّ للمنظومة تضعضعت أركان الـ"لبنان" الذي يُناسب فرض كل ما استشهد الرئيس رفيق الحريري لأجله. صحيح أن الكتلة التغييرية لم تحقق الكثير المأمول، إلا أن "مضغ" دولة القانون بات فيه شيء من الصعوبة، لا بل فرض مرشح "حزب الله" لرئاسة الجمهورية على لبنان بات شبه مستحيل بالتركيبة الحالية. وعاد الحزب للبحث عن نظرية "أم الصبي"، وصارت عودة "تيار المستقبل" إلى الساحة السياسية حاجة ملحّة يُجَنّد لها إعلاميًا وسياسيًا واقتصاديًا وحتى أيديولوجيًا.

لا بل إن نفي الشعار... "الصبي وأمه" أصبح نفيًا لشرعية السلاح.

وإذا ارتبط حق السلاح بحق عودة الحريري، ارتبط السُّنة في لبنان حتما بمحورٍ لا ناقة لهم فيه ولا جمل. وهنا مربط الفرس.

من المستحيل من هذا المنظور تصوّر أي مخرج لأزمة "حزب الله" غير التعطيل الدائم حتى الانتخابات المقبلة في ظل عمل الماكينة الإعلامية لفريق الثامن من آذار بإعلامييها وناشطيها بالإضافة لمنصات إعلامية مقربة من الحريري (أم من التوجه ذاته) تجهيزًا لقاعدة الاقتراع، وعودة مأمولة لأهم الأعمدة السُّنية ورئيس الحكومة الأسبق الأبرز و"المعتدل" الذي "لا يطعن بحزب الله".

لذا... باختصار، فلستقط نظرية "أم الصبي"!

16 فبراير 2024

هاشتاغ

التعليقات