عربي ودولي

"قرار سياسي بحت".. إلغاء "كوتا" الأقليات في إقليم كردستان يثير عواصف الجدل
بوادر أزمة عنيفة، تلوح في المسرح السياسي العراقي، بعدما أثار قرار المحكمة الإتحادية بإلغاء حصة الأقليات الدينية والعرقية في برلمان إقليم كردستان العراق، الكثير من الجدل، إذ اعتبره سياسيون وحقوقيون "إقصاء وتهميشا" لدور تلك المجموعات في الحياة العامة، وانتقاصاً لحقوقها.

وكانت تلك المحكمة التي تعدّ أعلى سلطة قضائية في العراق، أصدرت قرارات عدة، بشأن قانون انتخابات إقليم كردستان، تضمّنت أن تحل المفوضية العليا المستقلة للإنتخابات محل الهيئة العليا لانتخابات برلمان كردستان، من أجل الإشراف على الجولة السادسة لانتخابات البرلمان وإدارتها.

فما هي آثار إلغاء "الكوتا" على التمثيل السياسي للأقليات في كردستان؟ وما هي الأسباب التي دفعت البرلمان الكردستاني لاتخاذ هذا القرار؟

4 دوائر انتخابية

وفي التفاصيل، تضمّنت القرارات تقسيم إقليم كردستان إلى 4 دوائر انتخابية، وتقليص عدد مقاعد برلمانه من 111 مقعداً إلى 100 مقعد، بعد أن قضت بعدم دستورية عدد مقاعد "الكوتا" (حصة الأقليات).

والمقاعد الإحدى عشرة المخصّصة لمختلف المكوّنات، كانت قد أضيفت إلى مقاعد برلمان إقليم كردستان على مرحلتين، إذ جرى في المرحلة الأولى عام 1992، تخصيص 5 مقاعد للمسيحيين بقرار من المجلس الأعلى السياسي للجبهة الكردستانية.

وفي المرحلة الثانية التي تمت في سنة 2009، جرى تعديل قانون الانتخابات لتخصيص 5 مقاعد للتركمان، ومقعد للأرمن.

حسم نزاع بين محافظتين

وعن هذا الشأن، أوضح رئيس حزب "ائتلاف الرافدين"، يونادم كنا أنّ قرار المحكمة الإتحادية لم يكن بإلغاء مقاعد، إنما أتى هذا القرار لحسم نزاع بين محافظتي السليمانية وأربيل فيما يخصّ قانون الانتخابات، لكن كان هناك خطأ بعدم إبراز وثيقة تُثبت أن مقاعد المسيحيين هي جزء من القانون، قائلا: إجتمعتُ ورئيس المحكمة الإتحادية وسيتم دراسة هذه الوثائق التي تُثبت أنّ مقاعد "الكوتا" هي جزء من القانون أصلاً، وهذا القرار لا يتعلق بشكل مباشر بإلغاء مقاعد "الكوتا".

وأضاف كنا، أنه في حال إلغاء مقاعد "الكوتا" في برلمان كردستان، فهذا حتماً يعتبر ضربة قاضية للديمقراطية وإلغاء لمكون أصيل في بلاد النهرين، وهو المكون الكلداني السرياني الآشوري، وهو بمثابة "إقصاء"، مشيراً إلى أنّ نظام "الكوتا" من المفترض أن يحقّق العدالة في التمثيل لأقليات عرقية ودينية ولغوية وإثنية، بما يضمن ويحفظ حقوقها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

وبيّن كنا لـ "جسور"، أنّ قرارات المحكمة تشكّل غمطاً لحقوق مكوّن أصيل وأساسي من مكونات العراق، مضيفاً: يبدو أن القرار جاء بعد إخفاء بعض المعلومات والحقائق بشكل متعمّد عن المحكمة الإتحادية لتذهب باتجاه تعديل القانون بهذه الطريقة.

وتابع، أن نظام الإنتخابات في إقليم كردستان تم وضعه عام 1992 بحكم سلطة الأمر الواقع التي كانت فيها القيادة بيد الجبهة الكردستانية. وفي البداية خلا من مقاعد الكوتا وقبل التوقيع تمّت إضافة هذا الأمر كملحق والتصويت على 105 مقاعد من ضمنها خمسة مقاعد لكوتا المسيحيين في أبريل/ نيسان 1992.

وحول الخطوات التي سيقوم بها ممثلو الأقليات في هذا الشأن، يقول كنا إنها ستتضمن التشاور مع المحكمة الاتحادية لعلاج الإرباك الذي حصل من دون قصد، وإيضاح المعلومات التي تم إخفاؤها لإعادة العمل بنظام الدائرة الواحدة ومقاعد الأقليات.

إنقلاب على الدستور

في المقابل، أكد القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، عماد باجلان، أن من حق نواب الأقليات اختيار تحالفاتهم على غرار البرلمانيين الممثلين للأقليات في مجلس النواب العراق، لافتاً إلى أنّ هذا القرار مجحف بالنسبة للأقليات.

وقال باجلان لـ "جسور" إن "نظام الكوتا أعطي للأقليات كي يكون لهم تمثيل سواء في إقليم كردستان أو في بغداد، وأي مرشح هو حرّ في تحالفه مع أي حزب كان".

وأضاف أن "هناك توصية من الجارة إيران لمحاربة الحزب الديمقراطي الكردستاني بكل الوسائل، اقتصاديا، ماليا، سياسيا، برلمانيا، وهذا القرار (من المحكمة) صدر لخدمة أجندات الجارة لتقويض مقاعد الكوتات (الموالية) للحزب الديمقراطي الكردستاني، وهناك أوامر من طهران لتضييق الخناق على إقليم كردستان عبر المحكمة الإتحادية، فكثير من قرارات الإتحادية كانت سياسية لمحاربة إقليم كردستان."

وتساءل باجلان "لماذا من الطبيعي أن يتحالف ممثلو الأقليات في البرلمان العراقي مع من يريدون وممنوع على ممثلي الأقليات في برلمان إقليم كردستان ذلك؟"، وبأي حقّ تتعدى المحكمة الإتحادية على الدستور؟ وتابع "هذا هراء، من يفوز بمقعد "الكوتا" هو مخير ليتحالف مع أي جهة ولا يوجد إكراه في هذا الشأن، وهذا قرار سياسي بحت".

القرارات "قاطعة"

من جهته، يقول الخبير القانوني علي التميمي "لا توجد إمكانية لتعديل قرارات المحكمة الاتحادية، وأي دعوى قضائية لا يتم البت بها إلا بعد توفر شرط وجود مصلحة وسبب دستوري مقنع للقضية، ما يعني أن المحكمة تعاطت مع الطلبات وفق القانون".

ويضيف التميمي لـ "جسور"، أنّ المحكمة الاتحادية "لم تتعدّ الشروط الدستورية، لأن من مهامها وفق المادة 93 من الدستور العراقي تفسير مدى دستورية القوانين والأنظمة، وإذا ما وجدت أنّ هناك قوانين مثل الإنتخابات تخالف الدستور فإن من حقها إبطالها".
 
ويشرح أن المحكمة تعمل وفق قانون (رقم 30 لسنة 2005) ووفق نظام داخلي، ويتم التصويت على القوانين من قبل تسعة أعضاء اثنان منهم من إقليم كردستان، إما بالإجماع أو الأغلبية.
 
"ولهذا، فالأحاديث السياسية تمثل وجهات نظر السياسيين وليس المحكمة"، يتابع التميمي.

وحول إمكانية استئناف أو إعادة رفع قضية من جديد من قبل أبناء المكونات العراقية التي تعتبر نفسها متضررة من القرار، يقول التميمي إن قرارات المحكمة الاتحادية "قاطعة وباتة وغير قابلة للطعن أو التمييز والاستئناف وواجبة التطبيق في إقليم كردستان والعراق ككل. وفي حال رفع قضية جديدة فإن المحكمة ستردها لأنه لا يحق تقديم الدعوى مرتين".

يشار إلى أن قانون انتخابات إقليم كردستان تم تعديله مرات عدة منها عام 2009 حين أضيفت خمسة مقاعد للتركمان ومقعد للأرمن، ليرتفع العدد من 105 مقاعد إلى 111 مقعداً.

29 فبراير 2024

هاشتاغ

التعليقات