عربي ودولي

تونس ترفع أسعار مياه الشرب بالرغم من ارتفاع مخزون السدود
تونس ترفع أسعار مياه الشرب بالرغم من ارتفاع مخزون السدود
 قالت الجريدة الرسمية التونسية الجمعة إن تونس رفعت أسعار مياه الشرب بنسبة تصل إلى 16 في المئة لمواجهة الشح المائي نتيجة الجفاف طيلة السنوات الخمس الماضية. لكن المفارقة المترتبة على ذلك هي أن صدور القرار تزامن مع نزول كميات لافتة من الأمطار وفي ظل حديث عن أن امتلاء السدود تجاوز نسبة الـ35 في المئة.

وعلى الرغم من استبشار المزارعين بالكميات المسجلة التي تنعش آمالهم جزئيا في إنجاح الموسم الزراعي، إلا أن خبراء يؤكدون أن المخزون الحالي لا يكفي للتخلص من تهديدات العطش القائمة، وأن التفاؤل بتساقط الأمطار وتحسن وضع السدود لا يعكس حقيقة الأزمة التي يمكن أن تواجهها البلاد في السنوات القادمة.

ويقر الخبراء بأن الحكومة سعت في فترة أولى إلى تقسيط توزيع المياه على أمل الحد من الاستهلاك المفرط، لكن النتائج أثبتت عكس ذلك، ما دفع إلى الرفع في تسعيرة المياه لإجبار المستهلكين على التقشف. وقالت وزارة الزراعة التونسية في مارس من العام الماضي إنها قررت الاعتماد على نظام الحصص في توزيع المياه الصالحة للشرب، ومنع استعمالها في الزراعة وغسل السيارات وريّ المسطحات الخضراء وتنظيف الشوارع والأماكن العامة.

الأمطار التي تهاطلت في 2024 أنعشت مخزون المياه ليرتفع إلى 813 مليون متر مكعب، أغلبها في السدود الموجودة في شمال البلاد 
◙ الحكومة سعت إلى تقسيط توزيع المياه على أمل الحد من الاستهلاك المفرط

وحذرت من أنّ كلّ مخالف لمقتضيات هذه القرارات يعرّض نفسه لعقوبات تتراوح بين الغرامات المالية والعقوبات السجنية التي قد تصل إلى 6 أشهر. وتعد تونس من بين الدول المهددة بندرة المياه في حوض المتوسط بسبب حدة التغيرات المناخية واستنزاف مواردها. وضرب الجفاف البلاد في سبعة مواسم من بين آخر ثماني سنوات، ما تسبب في تقلص كبير لمخزونات المياه التي وصلت أدناها إلى أقل من 23 في المئة من طاقة استيعاب السدود.

وساد التفاؤل في البلاد بعد الأمطار الأخيرة، حيث فاق مخزون المياه في السدود 35 في المئة من طاقة استيعابها لأول مرة منذ ثلاثة مواسم. ونقلت وكالة تونس أفريقيا للأنباء عن مدير عام الهندسة الريفية والاستغلال والمياه بوزارة الزراعة عبدالحميد منجي قوله إن مستوى امتلاء السدود وصل إلى 35.1 في المئة حتى يوم الأربعاء الماضي.

وأنعشت الأمطار التي تهاطلت في 2024 مخزون المياه ليرتفع إلى 813 مليون متر مكعب، أغلبها في السدود الموجودة في شمال البلاد. لكن الأمطار الحالية لا يمكن أن تخفي التحديات التي تعيشها تونس، والتحذيرات التي تطلقها الجهات المختصة بشأن مخاطر الجفاف وتأثيراته العميقة، في وقت لم تفلح فيه خطط حكومية متراخية في الضغط من أجل التقشف في استعمال المياه، سواء للاستهلاك المنزلي أو لري المزروعات.

◙ الحكومة لا تمتلك دراسات دقيقة عن إمكانيات وحدود المائدة المائية لتونس، وعن مواقعها وحجمها، وهو ما يفسر ترك إدارتها للمبادرات الخاصة

والأمر لا يمكن تفسيره بالجفاف فقط، وإنما لأن الدولة أيضا لم تستعدّ لذلك بشكل جيد خاصة في السنوات الأخيرة، حيث تعطلت حركة بناء السدود الكبرى والمتوسطة بعد ثورة 2011 وغرقت البلاد في معارك هامشية وأوقفت خططا حكومية سابقة لتجميع وتخزين مياه الأمطار للشرب والسقي.

وتقلص نصيب الفرد التونسي من المياه إلى ما دون 420 مترًا مكعبًا سنويًا، في حين أن المعدل العالمي لشح المياه هو 500 متر مكعب للفرد. وظهرت أزمة الري في تونس نتيجة انخفاض مخزون السدود إلى مستويات قياسية بسبب شحّ الأمطار. وبدأت آثار الأزمة تظهر بسرعة، حيث تقلّصت المساحات الزراعية ما يهدد تزويد الأسواق بالمنتوجات الزراعية، من ذلك تراجع إنتاج الحبوب الذي هبط إلى 60 في المئة عام 2023 مقارنة بعام 2022.

ووفق بيانات صادرة عن المرصد الوطني للزراعة تراجع مخزون المياه إلى 586 مليون متر مكعب حتى يوم 6 أكتوبر الماضي، مقابل مستوى بلغ نحو 788 مليون متر مكعب في نفس الفترة من العام الماضي. وهناك مشكلة أخرى تواجه البلاد، وهي الاستخراج غير المدروس للمياه الجوفية، حيث نشطت المبادرات الخاصة لحفر الآبار في أماكن كثيرة، وبعضها يستعمل للسقي، والبعض الآخر للمياه المعلبة.

وتكاثرت الشركات التي تستخرج هذه النوعية من المياه، ما يكشف عن الاستسهال الكبير في الحصول على الرخص من الجهات الحكومية محليا ومركزيا، خاصة أنها تعطى لرجال أعمال معروفين، ما يؤكد غياب رؤية رسمية تجاه المياه الباطنية أو الجوفية. ولا تمتلك الحكومة دراسات دقيقة عن إمكانيات وحدود المائدة المائية لتونس، وعن مواقعها وحجمها، وهو ما يفسر ترك إدارتها للمبادرات الخاصة بدلا من أن تتحكم فيها هي وتعطي الرخص حسب مقاربة دقيقة.

02 مارس 2024

هاشتاغ

التعليقات