المجتمع

فجوة بين التأليف والرؤية الإخراجية تصيب
فجوة بين التأليف والرؤية الإخراجية تصيب "الإسكندراني" في مقتل
أكد فيلم “الإسكندراني” المعروض حاليا في عدد من دور السينما بمصر وبعض الدول العربية، أن تماسك الرؤية الفنية بين مؤلف العمل ومخرجه، وخلق حالة من التناغم تنعكس على تفاصيل العمل السينمائي، يأتي على رأس عوامل النجاح بعيدا عن الأسماء التي تقدم العمل، وغيابه يؤدي إلى نتائج سلبية لفيلم توقع كثيرون أن يصبح في مقدمة مجموعة أفلام جرى طرحها منذ بدء العام الجديد ومستمرة حتى الآن.

بدت الفجوة الواضحة بين توقيت تأليف الرواية المأخوذ منها الفيلم، وهي للمؤلف المخضرم أسامة أنور عكاشة، وبين التوقيت الراهن الذي جرى فيه عرض الفيلم برؤية المخرج خالد يوسف، مؤثرة على قيمة العمل بوجه عام، فالأفكار الرئيسية التي تم على أساسها البناء القصصي اختفت أو لا تتماشى مع التطورات الحالية.

اعتمد مخرج الفيلم خالد يوسف على وجود نقاط مشتركة في الأفكار بينه وبين مؤلف العمل الراحل أسامة أنور عكاشة، وتردد في تدخلاته الإخراجية بالنص المكتوب وترتب على ذلك أن رسالة الفيلم التي تدعو إلى الارتباط بالهوية المصرية وترفض الانفتاح غير المنضبط الذي ظهر في عقد السبعينات من القرن الماضي في مصر جاءت غير واضحة، وربما مشوشة.

تدور قصة فيلم "الإسكندراني" في مدينة الإسكندرية، شمال غرب مصر وتقع على البحر المتوسط، حول بكر ويؤدي دوره الفنان أحمد العوضي الذي يعيش في صراعات مع والده فيسافر إلى الخارج من أجل تحقيق ذاته بصحبة صديقه زكي الذي يجسد دوره عصام السقا، لكن عندما يعود يجد أن الأزمات ما زالت تطارده.

يركز الفيلم على تفاصيل الصراع القائم بين جيل الأب علي الإسكندراني الذي يجسد دوره الفنان بيومي فؤاد، وابنه الوحيد بكر الإسكندراني، المتمرد على العمل مع والده في الوكالة الشعبية ويسافر إلى أوروبا ليعود ثريا مثل الكثير من المصريين الذين هاجروا واستفادوا من الانفتاح الاقتصادي أو فروا هربا من الأوضاع الداخلية.

عاد بكر غنيا وواصل صدامه مع والده الذي يتمسك بمبادئ سياسية ترفض تغيير معالم وهوية مدينته التي تربى فيها، ليقرر الابن شراء المحال والبيوت القريبة من متجر والده بأمواله، وهنا يبرز الصراع حول القيمة والمادة والهوية.

هناك خيط آخر للصراع بين بكر وابن عمه (يونس) ويجسد دوره الفنان محمود حافظ حول الفوز بقلب الفتاة الجميلة (قمر) وتؤدي دورها الفنانة زينة ورغم حبها لبكر إلا أن يونس نجح في الزواج منها وأنجب طفلا أسماه علي وهو اسم والد بكر كي يتودد إلى عمه أكثر، في إشارة إلى أن قطاعا من المصريين لم يكن لديهم الترحيب الكامل بفكرة الانفتاح الاقتصادي، وارتكنوا إلى ما كانوا يعيشونه من واقع في هذا التوقيت.

تدور قصة فيلم "الإسكندراني" في مدينة الإسكندرية، شمال غرب مصر وتقع على البحر المتوسط، حول بكر ويؤدي دوره الفنان أحمد العوضي

قالت الناقدة الفنية ماجدة خيرالله إن من أساسيات نجاح الأعمال السينمائية وجود مؤلف قوي ومخرج مخضرم يملك رؤية جيدة، والقاعدة أن يكون النص جيدا، فمهما كانت براعة المخرج لن يستطيع تقديم الشخصيات والمواقف والأفكار بالشكل المطلوب، لكن الوضع مع فيلم “الإسكندراني” كان مختلفا، لأن هناك فجوة زمنية تمتد لحوالي أربعين عاما، بين التأليف ووقت عرض الفيلم الذي شهد تدخلا من جانب المخرج.

وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن المؤلف الراحل أسامة أنور عكاشة برع في تقديم الدراما، وهي مختلفة عن السينما التي لم يحقق فيها نجاحات كبيرة، وتتسم أعماله دائما بالحوار الطويل وهو أحد عيوب الأعمال الفنية في الوقت الحالي، لكن في فترات سابقة كان الممثلون يتباهون بطول الحوارات التي يقدمونها في أعمالهم، وفي النهاية فإن التطويل مؤشر سلبي يؤثر على تقييم العمل الفني، لأن السينما والتلفزيون يعتمدان على الصورة، ما انعكس سلبا على فيلم "الإسكندراني".

وأشارت خيراالله إلى أن إعادة تقديم أفكار بعد وقت طويل من تأليفها سبب رئيسي لعدم نجاح الفيلم، ورغم عدم التحقق من قدر تدخلات خالد يوسف في سيناريو وحوار الفيلم، إلا أنه حاول الاعتماد على أدوات اعتبرها قادرة على إحياء العمل، بينها اختيار بطل جديد يتصور أنه نجم وقدمه بشكل يجذب البعض كشاب مفتول العضلات، وفاته أن هذا النموذج هو السائد في السينما المصرية، وعرض في ظل منافسة قوية مع أسماء عديدة، بينها الصاعد ومن رسخت أقدامه في هذا الشكل.

ولم يقدم الفيلم الإضافة الفنية المطلوبة للممثل أحمد العوضي في أولى أدوار البطولة السينمائية، وقدم ذلك في أعمال درامية، آخرها مسلسل “ضرب نار”، ووضع نفسه في منافسة قوية مع أسماء بارزة مثل أحمد السقا وأمير كرارة وعمرو سعد وحسن الرداد ومحمد رمضان، ومن الأسماء الشابة محمد عادل إمام، وهذا النموذج الأكثر رواجا، ما أدى إلى ظهور أصوات تطالب بتغيير الصورة النمطية للبطل في السينما.

وشددت ماجدة خيرالله في حديثها لـ”العرب” على أن مشاهد العنف من بين الأساليب التي اعتمدها مخرج العمل خالد يوسف لجذب الجمهور، وهو لا يشكل عيبا في العمل بحد ذاته لكن من المهم أن يأتي في سياقه، وبدت بعض المشاهد مختلقة ومتداخلة مع الفكرة الرئيسية للفيلم، كأن هناك ارتكانا إلى اسم الكاتب الذي له أمجاده في زمنه، وإذا كان على قيد الحياة لأدخل تعديلات لضمان تقديم رسالة تتسق مع الواقع، وهو ما جعل الجمهور أمام عمل لا تتمثل مشكلته في أفكار، بل في سوء تقديمها.

كما أن إثارة أفكار عميقة مثل الحفاظ على الهوية لم تعد صالحة بعد أن باتت القضية ممللة ومكررة لدى البعض، فضلا عن أن التأكيد على الهوية يتناقض مع مشاهد العنف الكثيفة التي تتعارض مع فكرة العمل الرئيسية، والتمسك بالأفكار القومية ومناقشة قضايا النصر والهزيمة (نصر أكتوبر 1973 ونكسة 1967) التي كانت سائدة في حقبتي الستينات والسبعينات من القرن الماضي واختفت تقريبا، وهي تعبر عن رؤية جيل عاصر هذه الفترة، وليس الأجيال الحالية.

أكد الناقد الفني أحمد سعدالدين أن تقديم فكرة بعد 34 عاما من كتابتها بحاجة إلى رؤية مغايرة لتقديمها، ولم يحدث ذلك بسبب خشية خالد يوسف من الاعتداء على الأفكار الرئيسية لأسامة أنور عكاشة، لكن تطورات متلاحقة أدت إلى الوصول إلى صيغة تضمن التعبير عن أفكار الرواية بطريقة عصرية، وهي معادلة لم ينجح القائمون على الفيلم في الوصول إليها.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الفيلم قدم النموذج المضاد لفكرة الحفاظ على الهوية التي يدافع عنها أسامة أنور عكاشة بشكل مستمر وجعل منها بطلا للفيلم، ما أفضى إلى مشكلات فنية في الفيلم لم يعالجها المخرج بالشكل المطلوب، والاعتماد على نجومية المخرج لم تفد كثيرا، ولم يصمد الفيلم كثيرا في دور العرض السينمائي على مستوى جذب الجمهور وإيراداته، عكس أفلام أخرى حققت نجاحات مهمة في هذا الموسم. ويحل فيلم "الإسكندراني" في الترتيب الرابع على مستوى إيرادات الأفلام المعروضة في موسم منتصف العام الدراسي، بعد أفلام "الحريفة" و"رحلة 404" و"أبونسب".

06 مارس 2024

هاشتاغ

التعليقات