عربي ودولي

الشيخة هند بنت سلمان بحرينية شقت طريقها بنجاح في عالم التجارة والعمل التطوعي
الشيخة هند بنت سلمان بحرينية شقت طريقها بنجاح في عالم التجارة والعمل التطوعي
 فيما يُعرّف البعض النجاح بالإنجازات والمكاسب المادية تختزل الشيخة هند بنت سلمان آل خليفة، رئيس جمعية الطفل والأمومة ورئيس الاتحاد العالمي لصاحبات الأعمال والمهن البحرينية مفهوم النجاح بالنسبة إليها بالقول “الإنسان بطبيعته طموح، وغالبا ما يوجد خلف هذا الطموح هدف يعتبره غاية يسعى نحوها، ومتى ما حقق ذلك يشعر بالرضا والاقتناع، وهذا الشعور هو نجاح بحد ذاته”.

تجمع الشيخة هند بنت سلمان، بين عالمي التطوع والتجارة ببراعة، حيث ورثت شغفَها بالعمل التطوعي من والدتها وجدتها، فيما شقَّت طريقها في عالم الأعمال التجارية عبر زوجها الراحل. وعلى الرغم من تألقها في إدارة مجموعة الراشد القابضة، التي تشمل قطاع البيع بالتجزئة، فهي تؤمن بأن الأرقام ليست الحَكم النهائي، بل صوت القلب هو المرشد الحقيقي.

وعن فرصة دخولها عالم التجارة والأعمال في سن مبكرة عن طريق زوجها الراحل، و مباشرة بعد تخرجها من الجامعة قالت الشيخة هند بنت سلمان  إن تلك المرحلة كانت إضافة للطموحات الشخصية.. “زوجي المرحوم كان طياراً، ولكنه كان يطمح أيضا بالدخول إلى عالم التجارة، حيث كان ذلك أمراً شائعاً في ذلك الوقت نظرا لسهولة الحصول على التراخيص التجارية”. أما هي فقد كان طموحها العمل بعد تخرجها من الجامعة، وعندما عرض عليها أن تكون شريكته في العمل التجاري أيضا، وجدت الأمر إضافة إلى طموحاتها، والإنسان الطموح بطبعه لا يجد صعوبة في دخول مجالات ومساحات جديدة ومختلفة لم يعتد عليها، وفق قولها.

ومن الصدف أن يكون المحل التجاري يختص ببيع مستلزمات الطفل والأمومة. والأمر لم يكن مقصوداً، ولكنه كان يجمع بين اهتماماتها في العمل التطوعي المتمثل في جمعية رعاية الطفل والأمومة، ورغبتها في خوض العمل التجاري.

الدراسة تختلف عن التجربة العملية، فالأولى تعتمد على اجتهاد الشخص في التحصيل العلمي والثانية تعتمد على التجارب

وحول تأثير دراستها لعلم الإنسان (الأنثروبولوجيا) على رؤيتها وطريقة إدارتها للأعمال، قالت الشيخة هند بنت سلمان إن دراستها كانت تُعنى بالمؤسسات المجتمعية على اختلافها، سواء أكانت المدرسة أم النادي أم دور العبادة، وجميعها قائمة على علاقات إنسانية تربط أفراد المجتمع ببعضهم البعض، ومن خلال دراستها انطلق لديها مفهوم الحقوق والواجبات سواء للمؤسسات أو الأفراد، و”عندما تتزن الحقوق والواجبات فسيكون لها انعكاسات وتأثيرات إيجابية على التنمية وتحقيق الإنجازات”.

وأشارت إلى أن الدراسة تختلف تماماً عن التجربة العملية على أرض الواقع. فالدراسة تعتمد على اجتهاد الشخص في التحصيل العلمي والدرجات التي يحرزها، بينما في الحياة العملية يصبح الإنسان أمام سلوكيات مختلفة لا يكتسبها من التحصيل العلمي، بل من الخبرة والتجارب.

وفيما يتعلق بتأثير والدها الذي يعمل في مجال القضاء على عملية صناعة القرار لديها وطريقة إدارتها لأعمالها، أكدت الشيخة هند بنت سلمان أن لوالدها رحمه الله تأثيرا كبيرا عليها حتى في استخدام اللغة وفصاحة اللسان والنطق السليم باللغتين العربية والإنجليزية، مشيرة إلى أن القانون يوجه الإنسان في سلوكياته وحياته، وبالتالي تولّد لديها احترام كبير للأنظمة والقوانين، لذلك هي لا تسمح بتجاوز أيّ قانون في عملها وهي قيمة اكتسبتها من والدها.

كما كان لوالدتها وجدتها تأثير بالغ عليها لاسيما من ناحية طلب العلم، فجدتها سافرت للعيش في القاهرة مع أبنائها لمواصلة تعليمهم بعد انتهائهم من المدرسة في البحرين..

وقالت الشيخة هند بنت سلمان إن العلم كان عموداً أساسياً في العائلة الممتدة، وقد توارثوا هذا الشيء في البيت الذي نشأت فيه، حيث تلقى إخوتها تعليمهم في مدارس داخلية في لبنان، فيما كانت تنتظر تخرجها من المدرسة لتحصل على موافقة أهلها للسفر وإكمال دراستها في لبنان مع إخوتها، وبالفعل درست لمدة سنة في كلية بيروت للبنات، ثم التحقت بذات الجامعة التي كان يدرس فيها زوجها رحمه الله.

أبرز التحديات التي تواجه تجارة البيع بالتجزئة اليوم، هي تلك الناجمة عن الظروف والمتغيرات الجيوسياسية في المنطقة

وحول شعورها بتحقيق المساواة للمرة الأولى عندما سمح لها والدها بالالتحاق بنفس الكلية التي كان يدرس فيها شقيقها في لبنان، وعن تفعيلها لقيمة المساواة في مرحلة لاحقة من حياتها عندما التحقت بالعمل بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، أكدت الشيخة هند بنت سلمان أنه خلال فترة عملها في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، عملت على اتفاقية عدم التمييز ضد المرأة، وأقامت ورشاً، ونظمت في مركز معلومات المرأة والطفل، التابع لجمعية رعاية الطفل والأمومة، مسابقة بحثية حول المساواة بين الجنسين، تلاه التوجه السائد في البحرين نحو إنشاء وحدات لتكافؤ الفرص في المؤسسات.. تكافؤ الفرص يعني تحقيق المساواة، وهي من مبادئ عدم التمييز ضد المرأة.

وعندما كانت تجري المقابلات لاستقطاب الكفاءات في مجموعة الراشد، كان يهمها أن تكون المرأة قادرة على الخروج من بيتها والعمل، فكانت تقوم بمقابلات العمل لاستقطاب المواطنات البحرينيات للعمل في قطاع البيع بالتجزئة، حيث كان إقبال النساء على العمل في هذا القطاع قليلا جدا، ولكن مقابلتها لهن كسيدة والحوار من امرأة لامرأة ساهم في تشجيعهن في الالتحاق بالعمل..”أيّ عمل يُبنى على الاحترام، وعندما يعمل الفرد في بيئة صالحة، فسيصبح عطاؤه أكبر”.

وفيما يتعلق بالتحديات التي تواجه تجارة البيع بالتجزئة اليوم، قالت الشيخة هند بنت سلمان إن أبرز التحديات هي تلك الناجمة عن الظروف والمتغيرات الجيوسياسية في المنطقة والتي تترتب عليها انعكاسات كبيرة، من بينها تأخر وصول البضائع على سبيل المثال، وفي هذه الحالة يتم البدء بدراسة خطط بديلة، من بينها الالتفات إلى أسواق جديدة لا تمر عبر الأسواق التي يحدث فيها التأخير. كذلك الأسواق التي تعتمد على منتجات بسيطة مستوردة من الشرق مثل الخيوط والألوان واجهت تأخيرا في استلام البضائع.

وبالنسبة إلى مجموعة الراشد، فالأسواق التي تجدها مفيدة ومناسبة لذائقة المستهلك في البحرين هي أسواق تقع في القارة الآسيوية، وبالتالي لم تتأثر بالظروف الجيوسياسية، ولكن بالمقابل هناك بضائع تستورد من الجانب الآخر من العالم تأثرت، ولا يمكنها عبور القنوات المائية، ولو شحنت عبر الجو فستكون التكلفة مرتفعة.. دائما توجد خطط بديلة من بينها الاتجاه إلى الأسواق الواعدة في العالم، وفق الشيخة هند بنت سلمان، التي أكدت أن المستهلك لديه احتياجات يريد تلبيتها من خلال أسواق أقل سعراً، أو بمنتجات أقل جودة، أو ربما عبر المنتجات المحلية.

وعن تعاملاتها مع احتمال الإخفاق في عالم التجارة قالت الشيخة هند بنت سلمان “في كل مشروع نبدؤه في مجموعة الراشد يكون شعورنا بتحقيق النجاح أكبر من شعورنا باحتمال الإخفاق، وذلك لأن جميع خياراتنا تكون مبنية على معطيات تحقق النجاح للمشروع، مثل رغبة المستهلكين في المنتجات التي نطرحها، وسهولة الوصول إلى مواقعنا”.

وأضافت أنه يجب ألا يمنع الإخفاق الفرد من السعي والمواصلة، وهناك دائماً فرص جديدة تعوض الفرص الأولى. وفي الحديث عن قطاع البيع بالتجزئة تقول “إذا لم يكن البيع على نطاق كبير، فهو في نظرها لا ينجح، خاصة وأن هناك منافسة في البيع بالتجزئة في المتاجر الصغيرة، ولكن تظل دائماً هناك مجالات بديلة يمكن خوضها مثل العقار أو الاستثمار الأجنبي، فالإخفاق في محطة لا يعني نهاية الطريق”.

وعن الصعوبات التي تواجه العمل التطوعي أشارت الشيخة هند بنت سلمان إلى أنه في العمل التطوعي على الفرد أن يعطي ويقدم ثم يأتي الدعم من الخارج، فالتمويل الذاتي في العمل التطوعي صعب. وفي ظل كل ما يعصف بالعالم اليوم وتغير الأولويات والتوجه لدى المؤسسات، بات من الصعب الحصول على الرعاية والدعم المالي، وهو ما يحتم على المؤسسات الأهلية تنويع الطرق التي تحصل من خلالها على الدعم.

وعلى سبيل المثال، في جمعية رعاية الطفل والأمومة أطلقت منذ عقود أسواق السفارات وطبق الخير وما زالت مستمرة حتى اليوم وتلقى إقبالا، لكنهم لم يتوقفوا عند هذا الحد، بل اتجهوا إلى امتلاك عقارات باسم الجمعية يتم تأجيرها ويسهم دخلها في تمويل نشاط الجمعية، إضافة إلى مبنى الجمعية القديم بمنطقة السلمانية الذي تحول إلى مجمع عيادات طبية.

وحول مدى مساهمة اسمها في حصول الجمعية على الدعم والتمويل قالت إن الأمر يتعلق بالثقة.. المجتمع لديه ثقة في عضوات الجمعية، وكذلك المصداقية هي المفتاح الذي يساعدهن على الاستمرارية ويجعل المؤسسات الوطنية الكبرى تؤمن برسالتهن.

وعن القيم التي تأخذها بعين الاعتبار في إدارتها لأعمالها التجارية والتطوعية، أوضحت أن احترام الوقت قيمة أساسية بالنسبة إليها، ويندرج تحتها الالتزام بمواعيد تسليم الأعمال. أيضاً العلاقات الإنسانية في العمل التجاري هامة وفيها جوانب تحقق نتائج مرضية، ولكن تبقى مصلحة العمل قبل كل شيء سواء كان ذلك في مؤسسة تجارية أو تطوعية. فالفرد عندما لا يقوم بعمله على النحو المطلوب منه، فربما من الأفضل أن يكون في موقع آخر بتسوية معه وتسليم دوره إلى شخص آخر أكثر كفاءة منه.

وأكدت أنها تجد نفسها في العمل التطوعي ولديها تجربة اكتسبتها من والدتها وجدتها رحمهما الله. العمل التطوعي يمنحها مشاعر غامرة بالرضا مصدرها القدرة على إحداث أثر في المجتمع ورؤية انعكاساتها على حياة الآخرين المستفيدين من العمل التطوعي، بينما النجاحات في عالم الأعمال والتجارة يكون أثرها شخصي.  في العمل التطوعي، تحب أن تكون على رأس العمل دائماً وتتواجد في جميع الفعاليات.

وعن البوصلة التي توجهها في اتخاذ القرارات وهل تتبع حسابات العقل والمنطق أم تصغي لصوت قلبها أفادت أن القلب هو الأهم، فالحسابات والأرقام قد تخطئ، لكن الشعور النابع من الحدس لا يكذب، وهذا الحدس يبرز جلياً في فترات الهدوء والخلوة مع النفس والتأمل.

وأشارت إلى أنها عندما تشعر بالتردد تستفتي قلبها، وتتبع الشعور النابع منه، فالقلب يوجه البشر، حسب قولها، وهذه قيمة موجودة في الأديان أيضا، فالإنسان يجب أن يشعر بقلبه أولا كي يصلّي بخشوع على سبيل المثال. القلب هو ما يوجهها في اتخاذ القرارات، لأن العقل قد يضع العراقيل والعقبات قبل المكتسبات والإنجازات… “لا أستند على العقل كلياً، ولكنني أرحّب بالحوار وسماع وجهات النظر الأخرى”.

من جهة أخرى، أكدت أنه يجب على الإنسان أن يتخذ قراره وأن يكون على قدر المسؤولية لتحمل النتائج، بحيث يضع في حسبانه بأنه قد يكون مخطئاً. مشيرة إلى أنه لو تبين لها لاحقاً أن حدسها لم يكن في محله، فدائماً هناك متسع لتصحيح مسار الأمور، ولكن “إذا الحسابات تخربطت صعب تتعدل” (تضيف ضاحكة)… بشكل عام، اتخاذ القرارات فيه قدر من المجازفة.

وعن كيفية محافظتها على التركيز والاتزان في جوانب حياتها، تعتقد الشيخة هند بنت سلمان أن بداية اليوم يجب ألا تكون ضاغطة ومزدحمة، فإذا أرهق الإنسان نفسه من بداية ساعات النهار، فقد يؤثر ذلك بشكل سلبي على إنجازاته خلال اليوم.

وأشارت إلى أنها تحرص على أن تختلي بنفسها في الساعة الأولى من يومها، حيث تخصصها للتنفس والتأمل والتفكير في الكثير من المسائل، فأول ساعة في اليوم هي التي تحدد مسار بقية اليوم وشكله. كما تتجنب اتخاذ قرارات هامة في آخر ساعات اليوم لأن العقل يكون مشوشا نتيجة الأعباء والضغوط التي تمر بها خلال اليوم، لذا تنتظر لصباح اليوم التالي كي يكون ذهنها صافياً وقادرا على اتخاذ قرارات سليمة دون مؤثرات خارجية.

وحول مدى اتفاقها مع مقولة إنه كلما اقترب الإنسان من لغة الأرقام ابتعد عن العاطفة، أجابت أنها تعتقد أن ذلك صحيح إلى حدِ كبير، فالأرقام تفرض نوعاً من التقييد على الإنسان، وهي بطبيعتها لا تحب القيود، و”قد تفرض الأرقام قواعد علينا ولها جانبٌ سلبي”، لذا فإن الاعتدال هو أفضل مسار يمكن اتباعه، وكذلك اتخاذ القرارات استناداً على الشعور الداخلي، وفق قولها.

07 مارس 2024

هاشتاغ

التعليقات