عربي ودولي

"الطلاق الرمادي".. راحة للأزواج في خريف العمر وانتكاسة للأبناء
عكست أحداث مسلسل “بقينا اتنين” الذي يعرض على بعض الفضائيات المصرية أن “الطلاق الرمادي” الذي يحدث بعد سنوات من الزواج أصبح واقعا فرضته الأزمات الأسرية المتراكمة، وتزداد المشكلة عندما يحدث الطلاق مع وجود أبناء في سن المراهقة والشباب، ما يجلب انتكاسات نفسية خطيرة.

ونسف ما يعرف بـ”الطلاق الرمادي” الذي يقع في خريف العمر الميراث الفكري عن مؤسسة الزواج بأنه كلما طالت فترة الارتباط تكون نسبة الانفصال أقلّ، بحكم العِشْرَةِ وتقارب الشريكين في الكثير من الاهتمامات وأبناء يكبرون، ما يقوّي العلاقة الزوجية، لكن ثمة تغيرات جعلت من الانفصال في سن متقدمة واقعا مخيفا.

ناقشت أحداث المسلسل ماذا يحدث للأبناء عندما تنتهي علاقة الأبوين بعد زواج دام سنوات طويلة، حيث يواجهون الحرج والنظرة السلبية بما ينعكس عليهم من الناحية النفسية، ويزيد من توترهم وإخفاقهم في التعليم وعدم ثقتهم بالمحيطين بهم والفشل في تكوين صداقات بسبب التغيرات المصاحبة لصدمة الطلاق.

وتصبح الانتكاسة النفسية على المراهقين أو الشبان من قرار انفصال الأبوين أشد تأثيرا من تلك التي يتعرض لها الأطفال الصغار، وهو ما أظهره مشاركون في العمل الفني، كانعكاس واقعي لما يحدث داخل الأسر نفسها، إذ يشعر الأبناء الكبار بالضياع والتشتت والميل إلى العزلة ورفض المحيط العائلي وكراهية تكوين أسرة مستقبلا.

ويقرر الزوجان القبول بـ”الطلاق الرمادي” لراحتهما بعيدا عن المشاعر التي تنتاب الأبناء بعد أن يصلا إلى مرحلة لا يستطيعان معها الاستمرار، وفق كلام ولاء رزق التي انتهت حياتها الزوجية وهي في سن الثالثة والخمسين، لكنها كانت انتهت من تزويج جميع أبنائها وبناتها إلا واحدة تدرس في الجامعة.

طول فترة العلاقة بين الشريكين لنحو ربع قرن أو أكثر لم يعد دليلا على نجاح الحياة الزوجية أو مثالية العلاقة

وقالت الأم لـ”العرب” إن الطلاق في خريف العمر أكثر قسوة على الشريكين، وأحيانا يكون خيارا لا مفر منه عندما يصل الطرفان إلى حالة من الراحة النفسية في السنوات الأخيرة من حياتهما، معقبة “عندما يقرر الزوجان الانفصال في سن متقدمة ينظران إلى راحة الأبناء طالما تربوا وتعلموا وأصبحوا قادرين على الاعتماد على أنفسهم”.

وتختلف أسباب “الطلاق الرمادي” حسب ظروف كل علاقة، والمشترك بين الحالات المختلفة هو عدم الإحساس بأهمية الشريك وتراكم المشكلات التي تسببت في جمود العلاقة، حسب ولاء رزق، التي أكدت أن وقائع الانفصال في مرحلة متقدمة من العمر تكون بطلب من المرأة غالبا بسبب قهر الرجل وتؤجل القرار إلى حين أن يكبر أولادها.

وكشف مركز الإحصاء الحكومي أن معدلات الطلاق بين كبار السن في مصر وصلت إلى 10 في المئة من إجمالي حالات الانفصال، ما يعني أن أحداث مسلسل “بقينا اتنين” ليست خيالية، وناقشت أزمة أسرية مسكوتا عنها، باعتبار أن هذه الفئة من الأزواج من المفترض أن علاقاتهم صلبة.

وذهبت بعض الدراسات الصادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية في مصر (حكومي) إلى أن غالبية حالات الطلاق التي تقع بعد سن الخمسين ترجع إلى العزوف العاطفي وتراكم الضغوط النفسية والذهنية التي يسببها أحد الشريكين دون حلها مبكرا، وبحث الزوج عن امرأة أخرى تلبّي احتياجاته البيولوجية.

ويلجأ بعض الرجال إلى الزواج الثاني في سن متقدمة من فتاة صغيرة على أمل استرجاع سنوات الشباب، وهو ما ترفضه الزوجة التي حافظت على العِشْرَةِ والمودة لسنوات طويلة، وتشعر بمرارة التخلي عنها بعد أن تقدمت في العمر، ما يضطرها إلى طلب الطلاق.

وأشارت ولاء رزق لـ”العرب” إلى أن أكثر ما يدفع الزوجة إلى طلب الطلاق أن يعايرها شريكها بكبر سنها، ولم يعد يشعر بالمتعة في الحياة معها، وهنا تقرّر الانفصال لرفضها أن تكون عبئا نفسيا وماديا على زوجها، والعبرة أن تكون المرأة شجاعة في مواجهة الأهل والأصدقاء وقدرتها على بداية حياة جديدة هادئة.

وما يثير خوف الأم التي تقرر الطلاق في خريف العمر هو عدم وجود مصدر دخل يعينها على صعوبات الحياة وتجنب سخرية البعض، حيث تكون مضطرة إلى العيش وحدها، في مجتمع لا تتقبل فئة منه فكرة أن تقدم زوجة على الطلاق وهي في سن الخمسين أو أكثر من دون إدراك تداعيات الاستمرار في علاقة سيئة مهما تقدم العمر.

وكشفت أحداث المسلسل حقيقة صادمة للكثيرين، ترتبط بأن طول فترة العلاقة بين الشريكين لنحو ربع قرن أو أكثر لم يعد دليلا على نجاح الحياة الزوجية أو مثالية العلاقة، فهناك آباء يتقبلون الاستمرار على مضض لأجل أبنائهم، وربما الخوف من غدر المستقبل وعدم وجود وفرة مالية أو الإصابة بأمراض تتطلب وجود رفيق.

ويرى متخصّصون في العلاقات الأسرية أن المرأة التي تطلب أو تقبل الطلاق بسهولة، وهي في خريف العمر، يعني أنها كانت تعيش حياة زوجية فاشلة وتحمّلت، وبعد أداء مهمتها مع أولادها وصلت إلى مرحلة جعلتها قوية وصلبة وشامخة في مواجهة التنمّر والسخرية والنظرة الدونية من بعض المحيطين، لكنها اختارت راحتها النفسية.

أظهرت التعليقات الأسرية على مسلسل “بقينا اتنين” أن مشكلة بعض العائلات عندما تناقش طلاق كبار السن يدينون المرأة وحدها، بغض النظر عن أسباب الانفصال، ولو كان القرار نابعا من الرجل نفسه، إذ يتم اتهام الزوجة بأنها سبب انهيار العلاقة وتدمير الأسرة وتشريد الأبناء بلا اكتراث بأنها وصلت إلى مرحلة استحالة العِشْرَةِ.

وتبعث قضية “الطلاق الرمادي” برسالة محبطة للشباب الذين يريدون بدء حياتهم الزوجية بالتفاؤل، فهؤلاء غالبا ما يتخذون من الزيجات طويلة المدى قدوة لهم في كيفية التمسك بالاستقرار واحترام وصون العِشْرَةِ أمام تشعّب المشكلات، لكن من المهم أن تستوعب هذه الشريحة أهمية الطلاق إذا كان راحة للطرفين.

وأوضحت هالة حماد استشارية العلاقات الأسرية وتقويم السلوك بالقاهرة أن طلاق الكبار أصبح ظاهرة تستحق الدراسة، لكن يصعب فصله عن الحرمان العاطفي داخل بعض الأسر وما يترتب على ذلك من مشاعر سلبية تجعل أحد الشريكين يتمسك بالانفصال لأنه أهون بكثير من العبء النفسي مع شريك خطأ في بيت واحد.

وأضافت لـ”العرب” أن أكبر خطر ينتج عن “الطلاق الرمادي” يكون على المراهقين، لأن تداعياته السلبية متشعبة، حيث يفقدون الأمان ويدخلون مرحلة من العزلة والاكتئاب وتكون بينهم وبين فكرة تكوين أسرة مستقبلا حواجز نفسية يصعب التخلص منها، ما يفرض على الأزواج المتقدمين في السن التعامل بحكمة قبل انهيار العِشْرَةِ.

وتقع بعض حالات طلاق كبار السن عندما يخلو المنزل من الأبناء عقب زواجهم، وتصبح علاقة الشريكين تحت المجهر، فكلاهما يراقب الآخر وردة فعله وتصرفاته بعد فترة من الانشغال بالتنشئة والتربية والتعليم والتجهيز لزواج الأبناء، والخطر أن يعيش الزوجان في غربة وتموت بينهما العاطفة، وكلاهما يتذكر سلبيات الشريك.

وهناك شبه اتفاق أسري على أن الطلاق في خريف العمر مرتبط بأعباء قديمة وليس وليد اللحظة، والخطر عندما يصل الزوجان إلى مرحلة تقييم العلاقة وما إذا كانت مجدية أم لا، وحينها يتم الاختيار ما بين الاستمرار في علاقة غير مريحة لمجرد الزواج أو الانفصال كبداية لحياة جديدة ممتعة، وهنا يقع الطلاق دون جلد الذات.

04 أبريل 2024

هاشتاغ

التعليقات