عربي ودولي

طالبان تستثمر مخاوف روسيا من تمدد داعش
طالبان تستثمر مخاوف روسيا من تمدد داعش
يعكس عزم روسيا على رفع طالبان من قائمة المنظمات الإرهابية بعد أيام على هجوم مسرح كروكوس سيتي هول، إدركا بأن الحركة الأفغانية ليست قادرة بمفردها على التعامل مع النفوذ والقدرات المتزايدة لداعش خراسان، وأن تقويضه في منطقة آسيا الوسطى يجب أن يبدأ من مركزه بأفغانستان.

وقالت وزارة الخارجية الروسية في الأول من أبريل الجاري إن الأجهزة المعنية في البلاد تدرس مسألة رفع حركة طالبان من قائمة المنظمات الإرهابية، ووصف المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أفغانستان بأنه “بلد جوار يتواصل معه بطريقة أو بأخرى".

ورغم التعاون الأمني الذي نشأ بين موسكو وطالبان قبل هجوم داعش خراسان في الثاني والعشرين من مارس الماضي، إلا أن روسيا أكدت من خلال ممثلها الخاص لدى أفغانستان زامير كابولوف في ديسمبر الماضي أنها لا تتفاوض بشأن حذف طالبان من قائمة الجماعات المحظورة، رافضة أن تحذو حذو كازاخستان التي أزالت الحركة من قائمة الإرهاب.

وسارعت طالبان أخيرا نحو توظيف هجوم داعش خراسان في العمق الروسي لطرح نفسها كطرف رئيسي لا غنى عن التعويل عليه والتعاون معه للقضاء على هذا التنظيم الأخطبوطي وحماية المنطقة من خطره. ويُعد هجوم داعش خراسان في موسكو فرصة ثمينة لطالبان لتنفي روايات من زعموا أنها بالغت في تضخيم خطر داعش لخدمة مصالحها في السلطة، وأن أفغانستان مستهدفة ضمن دول الإقليم من قبل إرهابيين أجانب قادمين من طاجيكستان، ولذلك أعرب رئيس المكتب السياسي للحركة سهيل شاهين عن تقديره لموقف روسيا والاستعداد للتعاون معها.

وبدت حركة طالبان سابقا كأنها تخوض حربا ضد تنظيم داعش بهدف إقناع المجتمع الدولي بالاعتراف بها والانضواء ضمن تحالف إقليمي مهمته التصدي للتنظيم كمدخل لإنهاء عزلتها وانتشالها من أزماتها، وعدم تعريض تجربتها الثانية في السلطة للانهيار السريع كسابقتها.

ومن المرجح أن يكون تغيير موسكو لموقفها من طالبان والاتجاه نحو رفعها من قائمة المنظمات الإرهابية عقب الهجوم الأخير لداعش خراسان، مبنيا على تعاون استخباراتي بين الطرفين مكّن الأجهزة الروسية من القبض على منفذي الهجوم الدموي على مسرح كروكوس سيتي هول في زمن قياسي وكشف ملابسات التخطيط والإعداد له.

◙ إذا لم تحصل طالبان على الدعم باتجاه تحسين الأداء الاقتصادي سوف يكتسب داعش مساحات تحرك أوسع

وتعاونت أجنحة داخل طالبان من قبل مع جهات أجنبية وأجهزة استخبارات خارجية للكشف عن مخبأ زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري ما قاد إلى قتله داخل أحد الأحياء الراقية في كابول بواسطة ضربة نفذتها طائرة مسيرة أميركية صيف عام 2022، كما تعاونت طالبان مع إيران للكشف عن هوية منفذي الهجمات في شيراز وكرمان في يناير الماضي ونفذهما منتمون إلى داعش ويحملون الجنسية الطاجيكية.

وشمل تمدد داعش خراسان خارج حدود أفغانستان إيران والهند وباكستان وأوزبكستان وقيرغيزيا وروسيا، وهو ما صب في مصلحة طالبان التي فتح لها تهديد الإرهاب العابر للحدود لغالبية دول الإقليم أبواب كسر عزلتها والدخول في شراكات متعددة الأوجه من شأنها حل العديد من المشكلات التي تواجهها تحت ذريعة مواجهة عدو مشترك.

وتنتظر طالبان من وراء الانفتاح على دول الإقليم المتضررة من تصاعد تهديدات داعش تطوير التنسيق الأمني والاستخباري والحصول على مساعدات تعزز قدراتها العسكرية، كما تطمح إلى عقد شراكات تجعلها أكثر قدرة على حلحلة الأزمة الاقتصادية، والتي كان لها دور في مضاعفة داعش لمريديه وأتباعه داخل أفغانستان وخارجها.

ويقدم داعش خراسان مبالغ مالية كبيرة لمنتسبيه وللملتحقين الجدد بصفوفه، مستفيدا من ارتفاع معدلات البطالة والفقر والتضخم، ما شكل ميزة إضافية لإستراتيجية التنظيم في تنفيذ عمليات التجنيد. ونجح فرع داعش في أفغانستان في ضم الكثير من العاطلين عن العمل، والعناصر المنشقة عن طالبان التي لم تجد لديها المال والمناصب ما تعتبره مكافأة مُرضية عن مشاركتها في حرب العقدين الماضيين.

وعلى عكس حال طالبان التي تحملت مسؤولية إدارة دولة في ظل ظروف معقدة وغير مواتية وفي مرحلة جعلتها أكثر دول العالم فقرًا ومعاناة، فإن داعش خراسان لم يعان ماليًا، وظل يملك الفائض جراء عمليات النهب والتهريب وفرض الإتاوات والضرائب في مناطق سيطرته.

وإذا لم تحصل السلطة في أفغانستان على الدعم الإقليمي والدولي باتجاه تحسين الأداء الاقتصادي سوف يكتسب تنظيم داعش شرعية ومساحات تحرك أوسع مع توفر فرص للانطلاق نحو آفاق أكثر طموحا، منها توجيه ضربات للحدود الروسية – الصينية، في سياق تلبية رغبات جهات معنية بإفشال مشروع خط أنابيب الغاز من سيبيريا الشرقية إلى الصين.

ويضع داعش خراسان إقليم شينغ يانغ الصيني ذاتي الحكم، الذي يشكل الأيغور المسلمون غالبية سكانه والمحاط بسبع دول آسيوية ومن المفترض أن يمر به خط أنابيب الغاز، في مقدمة أهدافه، ليوفر عوامل النجاح لمخطط فتح جبهة جديدة له في وسط آسيا.

◙ طالبان بدت سابقا كأنها تخوض حربا ضد تنظيم داعش بهدف إقناع المجتمع الدولي بالاعتراف بها والانضواء ضمن تحالف إقليمي مهمته التصدي للتنظيم

ويتطلب الانفتاح المنتظر بين طالبان ودول الإقليم حل المشكلات المتعلقة بعرقية الطاجيك، حيث تندد السلطات الطاجيكية بنهج طالبان المتشدد حيال الإثنيات المختلفة داعية إلى احترام حقوق إثنية الطاجيك التي تشكل حوالي ربع إجمالي عدد السكان في أفغانستان، والبالغ عددهم نحو 40 مليونا. وأسهم التمييز الذي تنتهجه طالبان حيال الطاجيك انطلاقا من انحيازها للبشتون في تمرد البعض من المقاتلين الطاجيك في الحركة، وانتقلت نسبة كبيرة منهم إلى داعش خراسان.

وتخصص هؤلاء المقاتلون الطاجيك طوال السنوات الماضية في استهداف روسيا ودول أخرى، مع تحديد أفغانستان وآسيا الوسطى منصة لضرب مصالح روسيا، وتركيا كبوابة نحو أوروبا، وهم يجيدون اللغتين الروسية والفارسية، ومستعدون لتنفيذ عمليات بالوكالة لصالح أطراف أجنبية.

واستقبلت طاجيكستان البعض من المسؤولين والقادة في المعارضة الوطنية الأفغانية، في مقدمتهم أحمد مسعود المنافس السياسي القوي لطالبان، وكشفت طاجيكستان عن قلقها منذ عودة الحركة إلى السلطة في أفغانستان في صيف 2021، من حدوث زعزعة لاستقرار منطقة آسيا الوسطى.

واختلف الحال بعد تصاعد خطر داعش خراسان الذي لا يعترف بأدنى حقوق للأقليات العرقية أو الدينية مقارنة بمواقف وممارسات أقل حدة وتشددا من قبل حركة طالبان، خاصة أن تنظيم داعش يتحدث علانية عن الإطاحة بالحكومة الطاجيكية، ما دفع إلى تغيير نظرتها إلى طالبان.

وإذا حذت طاجيكستان، والتي شهدت حربا أهلية مع إسلاميين في التسعينات من القرن الماضي ولها حدود بطول 1300 كيلومتر مع أفغانستان، حذو روسيا بشأن إنهاء الخصومة مع طالبان وتدشين شراكة إقليمية لمكافحة داعش خراسان، لن يجد الأخير مساحة ليتحرك بها خاصة أن غالبية عناصره يتمركزون عند الحدود الطاجيكية مع أفغانستان.

ومن المرجح أن تسهم أي شراكة إقليمية مفترضة بين طالبان وروسيا وبعض دول آسيا الوسطى وجنوب غرب وجنوب آسيا، في كبح طموحات داعش خراسان التي تستهدف أيضا روسيا وأوروبا والولايات المتحدة.

05 أبريل 2024

هاشتاغ

التعليقات