عربي ودولي

قلق الأسد من الحرب وراء تقليص إيران وجودَها في سوريا
قلق الأسد من الحرب وراء تقليص إيران وجودَها في سوريا
قلّصت إيران وجودها العسكري في سوريا، بعد الضربات الإسرائيلية التي استهدفت عددا من قيادييها العسكريين، في خطوة يرى مراقبون أنها تهدف إلى الإبقاء على حذر خفي من موقف الرئيس السوري بشار الأسد الذي يرفض صداما إسرائيليّا – إيرانيّا على أراضي بلاده.

وكان الانسحاب متوقعا لأن الإبقاء على الوجود الإيراني في سوريا يعني آليّا إما القبول بالاستهداف الإسرائيلي الذي أفضى إلى تصفية قيادات بارزة، منها الجنرال محمد رضا زاهدي المكلف بملف سوريا ولبنان في الحرس الثوري، وإما الرد على الاستهداف وما يعنيه من فتح جبهة مع إسرائيل، وهذا ما لا تريده إيران في الوقت الراهن.

ويُظهر الانسحاب أن إيران بدأت بتعديل إستراتيجية وجودها في سوريا بشكل يجعلها تبتعد عن الحدود مع إسرائيل، على أن تترك لأذرعها مهمة تغطية هذا الانسحاب والاشتباك التكتيكي مع إسرائيل.

ويرى مراقبون أن الخطوة الإيرانية مرتبطة بقلق الرئيس السوري الذي لا يريد أن يفضي التصعيد إلى حرب جديدة على أراضيه في الوقت الذي يسعى فيه لتأهيل نفسه دوليّا، وبدا ذلك واضحا من حديثه قبل أيام عن لقاءات سورية – أميركية ومراهنته على تغيّر الموقف الأميركي في قادم الأيام.

الخطوة الإيرانية مرتبطة بقلق الأسد الذي لا يريد حربا جديدة على أراضيه في الوقت الذي يسعى فيه لتأهيل نفسه دوليّا

وقال مصدر مقرّب من حزب الله لفرانس برس، من دون الكشف عن هويته، “أخلت القوات الإيرانية منطقة الجنوب السوري، وانسحبت من مواقعها في ريف دمشق ودرعا والقنيطرة” في جنوب البلاد خلال الأسابيع الماضية. وأضاف “لها في دمشق مكتب تمثيلي فقط يتمّ عبره التواصل بين الدولة السورية والحلفاء”، في إشارة إلى الفصائل الموالية لإيران.

وأشار إلى أن الاجتماعات “كانت تُعقد داخل القنصلية الإيرانية، ظنّا (من منظميها) أنهم في مأمن من الضربات الإسرائيلية”، وفق المصدر ذاته.

وغذى حديث الأسد عن لقاءات تجري “بين الحين والآخر” مع الولايات المتحدة التكهنات بأن تكون واشنطن قد فتحت قنوات التواصل مع الأسد لإخراجه من الفلك الإيراني، وأن ذلك مقدمة ضرورية لإعادة تأهيل نظامه إقليميّا ودوليّا بعد أكثر من عقد من العزلة الدبلوماسية.

ولا شك أن جزءا من التغيير سيكون مرتبطا بمدى قدرة الأسد على الضغط من أجل تقليص النشاط الإيراني في سوريا.

ويعطي الوجود الإيراني لإسرائيل صورة معاكسة لما يَنْويه الأسد الذي يريد أن ينأى ببلاده عن الحرب ولا يريد استعداء إسرائيل لحساب مصالح إيران أو حزب الله، ويبحث عن كسر حالة الجمود التي طبعت العلاقة بين دمشق واشنطن حتى لا تعارض إعادة تأهيله إقليميا ودوليا.

ومنذ سنوات النزاع الأولى في سوريا، كانت إيران أحد أبرز داعمي الأسد، سياسيا وعسكريا واقتصاديا. وينتشر حوالي ثلاثة آلاف مقاتل ومستشار عسكري من الحرس الثوري الإيراني في سوريا، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، لكن طهران تتحدّث فقط عن مستشارين يساعدون القوات الحكومية.

وتدعم طهران مجموعات موالية لها، على رأسها حزب الله، في القتال إلى جانب الجيش السوري. ويتحدّث المرصد عن وجود عشرات الآلاف من المقاتلين الموالين لإيران، سوريين ولبنانيين وأفغان وباكستانيين، في مختلف المناطق.

لكنّ القصف الذي استهدف مطلع أبريل الجاري القنصلية الإيرانية في دمشق، والذي نسبته طهران ودمشق إلى إسرائيل، شكّل ضربة موجعة. وأسفر القصف عن مقتل سبعة عناصر من الحرس الثوري، من بينهم قياديان، أحدهما زاهدي.

وقال مدير المرصد رامي عبدالرحمن “أخلت القوات الإيرانية مقرّات بدءًا من دمشق وفي جنوب البلاد، وصولا إلى الحدود مع الجولان المحتل من إسرائيل، خشية استهدافها مجددا”. وأضاف أن مقاتلين من حزب الله وآخرين عراقيين حلّوا مكان القوات الإيرانية في المناطق المذكورة.

حديث الأسد عن لقاءات تجري "بين الحين والآخر" مع الولايات المتحدة غذى التكهنات بأن تكون واشنطن قد فتحت قنوات التواصل مع الأسد لإخراجه من الفلك الإيراني

وردا على استهداف القنصلية أطلقت إيران على إسرائيل ليلة 13 أبريل المئات من المسيّرات والصواريخ، في أول هجوم إيراني مباشر على الدولة العبرية. واستهدفت هجمات -نُسبت إلى إسرائيل- وسط إيران الأسبوع الماضي، لكن طهران قلّلت من أهميتها.

ولئن كان قصف القنصلية قد سرّع سحب قوات إيرانية من عدة محافظات في سوريا، فإن عملية تقليص الوجود العسكري بدأت منذ مطلع العام، على وقع ضربات إسرائيلية طالت أهدافا إيرانية منذ بدء الحرب بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة، إثر هجوم غير مسبوق شنّته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي.

وأوضح المصدر المقرّب من حزب الله أن تقليص عدد القوات الإيرانية بدأ بعد غارة اتهمت طهران إسرائيل بشنّها على مبنى في حي المزة بدمشق في 20 يناير، وأدّت إلى مقتل خمسة مستشارين إيرانيين، من بينهم مسؤول استخبارات الحرس الثوري في سوريا ونائبه.

واتهمت إيران في 25 ديسمبر إسرائيل بقتل رضي موسوي، القيادي البارز في فيلق القدس التابع للحرس الثوري، في ضربة قرب دمشق. وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان غادرت دفعة من المستشارين الإيرانيين خلال شهر مارس على وقع الضربات الإسرائيلية.

25 أبريل 2024

هاشتاغ

التعليقات