عربي ودولي

الجفاف يعيد الأنظار للمخزون الاستراتيجي للمياه في صحراء شمال أفريقيا
الجفاف يعيد الأنظار للمخزون الاستراتيجي للمياه في صحراء شمال أفريقيا
وقّع وزراء الموارد المائية في كل من الجزائر وتونس وليبيا، بالعاصمة الجزائرية، على آلية التشاور حول المياه الجوفية في الصحراء الشمالية، وذلك تنفيذا لمخرجات القمة الثلاثية التي جمعت رؤساء الدول الثلاث مؤخرا في تونس، ويتعلق الأمر بالمثلث الجغرافي الذي تلتقي فيه الحدود البرية بينها، والذي يحتوي على واحد من أكبر احتياطيات المياه الجوفية في العالم.

ودخلت حكومات الجزائر وتونس وليبيا، سريعا في مرحلة تجسيد الأفكار والتصورات التي تبناها البيان الختامي الصادر عن القمة الثلاثية الملتئمة بتونس، وذلك عبر توقيع الحكومات الثلاث الأربعاء على آلية التشاور حول المياه الجوفية في منطقة الصحراء الشمالية.

ويتعلق الأمر بالحيز الجغرافي الذي تلتقي فيه الحدود البرية للدول الثلاث، والذي يحتوي على واحد من أكبر الاحتياطيات العالمية في مجال المياه الجوفية، وهو ما يبرز حجم الضغوطات التي تواجهها الجزائر وتونس وليبيا في ميدان التزود بالمياه الزراعية والصالحة للشرب، أمام موجة الجفاف التي تضرب المنطقة في السنوات الأخيرة، وتأثير التغيرات المناخية عليها.

ويخضع الحيز المذكور للحدود الجغرافية التي تقسم البلدان الثلاثة، ولذلك يقع الجزء الأكبر منه المقدر بنحو 80 في المئة في التراب الجزائري، غير أنه كان في أكثر من مناسبة محل خلاف بين الحكومات، وهو ما تجلى أثناء تنفيذ القائد الليبي الراحل معمر القذافي لمشروع النهر الصناعي العظيم، حيث عبرت الجزائر حينها عن امتعاضها من الخطوة، بدعوى أن المشروع يستنزف المياه الواقعة على ترابها، ودعت طرابلس إلى توافق وتوحيد نوع وأشكال الاستغلال والحفر من أجل تأثير أي طرف على الطرف الآخر.

◙ هذا الاتفاق يعد الأول من نوعه ويترجم إرادة حكومات المنطقة في استغلال المخزون المائي في المجال الزراعي

ويعد هذا الاتفاق هو الأول من نوعه، مما يترجم إرادة حكومات المنطقة في استغلال المخزون المذكور في المجال الزراعي والاستهلاكي، غير أن متابعين يطرحون مسألة الإمكانيات المادية والتكنولوجية والقدرات البشرية في عقلنة التسيير والاستفادة من المخزون لصالح الاقتصاد والسكان بشكل عام، حيث تقدر بعض المصادر نسبة الهدر من المصادر الأخرى بنحو ثلث الكميات المنتجة، ولا تزال الجزائر تستعين بالكفاءات الأجنبية في إنتاج وتوزيع المياه، حيث تضطلع شركة “سيال” الفرنسية بالعملية في العاصمة وعدد من المدن الكبرى.

ويعد الخزان الجوفي المشترك من أكبر الملفات الإستراتجية لدول المنطقة، وتنامت أهميته في ظل أزمة المياه التي تتخبط فيها خلال السنوات الأخيرة، ولذلك توجه الاهتمام نحوه بعد عقود من الاستغناء عنه، لوفرة المصادر الأخرى ولغياب الإرادة السياسية والتعاون المشترك لاستغلاله.

ويبدي متابعون مخاوفهم من تجارب سابقة منيت بالفشل، تتعلق باستغلال الموارد الطبيعية، كما هو الشأن في الجزائر وليبيا، اللتين لا تزالان تعتمدان على مخزونات النفط والغاز كمصدر وحيد للخزينة العمومية، رغم المخاطر التي تكتنف العملية وفشلهما في التحرر من التبعية لقطاع الطاقة رغم مرور عقود على التفكير الحكومي والخطاب السياسي.

ولا تزال موارد طبيعية كالمياه والنفط والغاز مدعومة من طرف الحكومات المحلية، وهو ما كرس حالة من التبذير والتسيب، انضافت إلى أساليب استغلال بدائية تهدر معها كميات معتبرة، وتعد الجزائر وليبيا من الدول الأكثر تسويقا للمنتوجات الطاقية بأسعار رمزية، بدعوى التغطية الاجتماعية من طرف الدولة لحاجيات المجتمع.

وأفاد البيان الذي توج حفل التوقيع على آلية التشاور، بأنه “تم الاتفاق بين الوزراء الثلاثة للموارد المائية في حكومات الجزائر وتونس وليبيا، على أن يكون مقرها في العاصمة الجزائرية، وعلى سيادة كل دولة على مياهها الجوفية، وأن الآلية تسعى إلى تحقيق التكامل في مجال الأمن المائي، قياسا بما تمثله من أهمية قصوى في تحقيق التنمية المستدامة واستقرار وتنمية الدول الثلاث”.

◙ تزايد المخاوف من تجارب سابقة منيت بالفشل، تتعلق باستغلال الموارد الطبيعية، كما هو الشأن في الجزائر وليبيا

وأضاف “شددت الدول الثلاث على ضرورة الحفاظ على الموارد المائية، كونها موردا إستراتجيا وحيويا لها ولعموم المنطقة، وعلى ضرورة صياغة مقاربة جديدة تهدف إلى الحفاظ على المصالح المشتركة وتعزيز التعاون والتنسيق في مجال الموارد المائية بطريقة مستدامة مع الأخذ بعين الاعتبار مبدأ سيادة كل دولة على مياهها الجوفية”.

وحسب بيانات رسمية، فإن حجم المياه الجوفية المملوكة للجزائر من الخزان المشترك تقدر بنحو خمسة مليارات متر مكعب، وهو ما يعتبر موردا إستراتجيا يمكن تحويله إلى مصدر لتحريك عجلة الاقتصاد والزراعة وتغطية الاستهلاك، غير أن توجهات الحكومة المتجددة لإنتاج واستغلال الغاز الصخري في جنوب البلاد، يثير مخاوف المختصين والمهتمين بشؤون البيئة، رغم أن المسافة بعيدة بين حيز الخزان المائي في أقصى الحدود الجنوبية الشرقية مع تونس وليبيا، ومواقع مشروعات الغاز الصخري في الجنوب الأوسط.

وتعتبر الآلية الموقعة بين الحكومات الثلاث أول اختبار لمخرجات القمة الثلاثية التي جمعت مؤخرا بين الرؤساء عبدالمجيد تبون وقيس سعيد ومحمد المنفي في العاصمة التونسية في غضون هذا الأسبوع، ويمكن أن تكون فاتحة تكتل إقليمي يجري التأسيس له في المنطقة، خاصة وأن بيانه الختامي تضمن أفكارا وتصورات مغرية لشعوب الدول الثلاث.

غير أن تجربة الاتحاد المغاربي المشلول منذ منتصف تسعينات القرن الماضي، بسبب الخلافات الدبلوماسية والسياسية المتصاعدة بين الجزائر والمغرب، واللغط الذي أثير حول نوايا جزائرية لاستغلال القطيعة بينها وبين الرباط، لإيجاد تكتل بديل للاتحاد المذكور، لم تستبعد عن مصير التكتل الجديد، ولو أن القمة الثلاثية لم تطرح ذلك بتاتا، وركزت على العلاقات الثلاثية والملفات المشتركة في مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية وغيرها.

25 أبريل 2024

هاشتاغ

التعليقات