عربي ودولي

خيارات إسرائيلية متنوعة إزاء معادلات الردع الجديدة مع إيران
خيارات إسرائيلية متنوعة إزاء معادلات الردع الجديدة مع إيران
يشكل الهجوم الإيراني على إسرائيل يوم الثالث عشر من أبريل 2024، ثم استهداف إسرائيل يوم التاسع عشر من نفس الشهر لقاعدة شيكاري العسكرية القريبة من مدينة أصفهان وسط إيران، بداية معادلة ردع جديدة.

وجاء الرد الإسرائيلي المحدود في قوته، والرمزي في أهدافه، بعد مرور أقل من أسبوع على الهجمات الإيرانية المباشرة ضد إسرائيل، والتي بالرغم من محدودية تأثيرها، فإنها عُدت سابقة تاريخية في معادلة الردع بين الطرفين.

ويرى الباحث المتخصص في الشؤون الإقليمية محمود محمود السيد في تقرير نشره مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة أن إسرائيل اختارت الرد بتلك الكيفية استنادا إلى تقييم شامل للهجمات الإيرانية، مفاده أن تل أبيب خرجت بمكاسب عديدة من هذه الهجمات، تتراوح بين إثبات قوة دفاعاتها الجوية، وعودة الدعم الدولي لها مرة أخرى. وبالتالي فلن يكون التصعيد الشامل في صالحها، خاصة أن الولايات المتحدة أعلنت عدم دعمها لأي تصعيد عسكري من جانب إسرائيل ضد إيران.

تباينت ردود الفعل في إسرائيل بشأن الهجوم الذي استهدف مدينة أصفهان، إذ وصفه وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، في منشور على موقع إكس، بأنه “ضعيف” أو “مثير للشفقة”، بينما أشادت عضو الكنيست عن حزب الليكود تالي غوتليف بالهجوم وقالت “هذا صباح نرفع فيه رؤوسنا بفخر، إسرائيل دولة قوية”.

ورأت دانا فايس، محللة الشؤون الدبلوماسية في القناة 12 الإسرائيلية، أن الهجوم الإسرائيلي كان “أنيقا وليس صاخبا ولم يتسبب في أضرار عسكرية كبيرة، ولكنه أوصل الرسالة التي تريدها إسرائيل”. والرسالة الإسرائيلية مفادها أن لديها القدرة على ضرب إيران من الداخل، وأنها تستطيع الوصول إلى أي مكان تريده هناك.

وعلى الصعيد الإيراني، قلّلت وسائل الإعلام وبعض المسؤولين من أهمية الضربة الإسرائيلية، إذ قال التلفزيون الرسمي الإيراني إن المنشآت العسكرية والنووية في أصفهان آمنة، وبث لقطات للمدينة تبدو فيها هادئة. بل وسخر مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي في إيران من الضربة الإسرائيلية باعتبارها “ردا تافها”، حسب تعبيرهم، على ما يقرب من 300 صاروخ وطائرة مُسيّرة أطلقتها إيران على إسرائيل. لذلك لم يكن من المُستغرب تسريب تصريحات صحفية لمسؤول إيراني كبير، لم يذكر اسمه، قال فيها “إن طهران ليست لديها خطط فورية للانتقام من إسرائيل”.

تقييم الهجوم الإيراني

ارتبط الهجوم الإسرائيلي المحدود بتقييم تل أبيب للهجمات الإيرانية السابقة في الثالث عشر من أبريل الجاري، والتي شملت إطلاق حوالي 150 صاروخا بحمولة تراكمية قدرها 46 طنا من المتفجرات، بالإضافة إلى 200 طائرة مُسيّرة مُحمّلة بأربعة أطنان من المتفجرات. وجاء التقييم الإسرائيلي لهذه الهجمات الإيرانية متزنا، مقارنة بتقييمها لأحداث السابع من أكتوبر 2023 أو هجمات حزب الله اللبناني المتكررة في الشمال. وربما ما ساعد على ذلك هو عدم تسبّب تلك الضربات الإيرانية في خسائر مدنية إسرائيلية، بجانب انتفاء عنصر المفاجأة عنها، إذ ظل الداخل الإسرائيلي يستعد لها على مدار نحو أسبوعين.

وتم النظر إلى الهجمات الإيرانية ضد إسرائيل، والتي جاءت ردا على استهداف القنصلية الإيرانية في دمشق في مطلع أبريل الجاري، باعتبارها أكبر وأكثر تعقيدا من الرد الإيراني على اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، في الثالث من يناير 2020. وبالتالي تُدرك إسرائيل أن الضربة الإيرانية لم تكن فعلا رمزيا، إنما تتعلق بالأساس بإعادة تعريف قواعد الردع المتبادلة بين الطرفين.

◙ تل أبيب خرجت بمكاسب عديدة من هذه الهجمات تتراوح بين إثبات قوة دفاعاتها الجوية وعودة الدعم الدولي لها

ومن وجهة نظر إسرائيلية، صارت قوة تل أبيب على الردع غير فعّالة في مواجهة طهران، وخطورة ذلك تكمن في احتمالية تكرار تلك الهجمات الإيرانية، ولكن بقوة نيران أكبر، وفي سياق صراع عسكري أشد ضراوة بين الطرفين، لذلك، كانت هناك قناعة داخل إسرائيل بأن الرد يجب أن يكون مباشرا وداخل الأراضي الإيرانية.

وتدرك إسرائيل أن إيران خلال إعادة تعريفها لقواعد الردع، كانت حريصة على تحجيم حالة التصعيد، والحيلولة دون اتساع نطاقه إلى حرب إقليمية شاملة. إذ كان بإمكان إيران أن تطلق، على أقل تقدير، ضعف عدد ما أطلقته من صواريخ ومسيّرات، دون استنزاف مخزون أصولها العسكرية بعيد المدى. كذلك ركزت الهجمات الإيرانية على قاعدة نيفاتيم الجوية في جنوب إسرائيل، وتجنبت مدنا مثل تل أبيب أو حيفا، إذ كان من المرجح أن يؤدي استهدافها إلى سقوط خسائر مدنية إسرائيلية.

والنقطة الأهم هي أن إيران لم تدفع حزب الله اللبناني إلى المشاركة في مثل هذه الهجمات. ومن وجهة نظر عسكرية، فإن مشاركة حزب الله في تلك الهجمات كانت ستؤثر في فاعلية الدفاعات الجوية الإسرائيلية. ومن جانبها، تدرك إيران أن تدخل حزب الله في تلك الهجمات، كان يمكن أن يؤدي إلى حرب شاملة مع إسرائيل. ولن تلعب طهران بورقة حزب الله إلا في حالة وجود تهديدات وجودية للنظام الإيراني. لذلك جاء الرد الإسرائيلي على نفس المستوى، ودون استفزاز طهران.

وتم النظر إلى نجاح أنظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية في إسقاط 99 في المئة من الصواريخ والمُسيّرات الإيرانية، وفق التصريحات الرسمية، على أنه “نجاح هائل لإستراتيجية إسرائيل الدفاعية”، واستثماراتها، منذ ما يقارب الأربعة عقود، في تطوير أنظمة الدفاع الجوي لديها. كذلك نجحت إسرائيل في العمل في إطار تحالف عسكري غربي، شمل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وهو ما قد يُمهِّد مستقبلا لتعزيز هذا التحالف الدفاعي في مواجهة الممارسات العسكرية الإيرانية. وربما خلق هذا النجاح حالة من الرضا داخل إسرائيل وفي مؤسستها العسكرية، وقلّل من الضغوط على حكومة بنيامين نتنياهو بشأن ضرورة الرد الفوري الانتقامي.

تحركات إسرائيلية محتملة

وعلى الرغم من اعتبار الخبراء الإسرائيليين أن الهجمات الإيرانية في حد ذاتها تحمل رسائل خطرة، فإن تقييمهم العام يشير إلى تحقيق تل أبيب مكاسب سياسية عديدة من ورائها. إذ أظهرت الجيش الإسرائيلي في ثوب المؤسسة القوية القادرة على التصدي للتهديدات الخارجية، كما تخلصت تل أبيب من العزلة الدولية النسبية التي كانت تعيشها مؤخرا على خلفية المطالبات الدولية لها بوقف حربها على قطاع غزة. كذلك حدث تحول في موقف الكونغرس الأميركي، وصوت مجلس النواب يوم العشرين من أبريل الجاري على خطة مساعدات واسعة لصالح إسرائيل بقيمة نحو 26 مليار دولار.

على الرغم من أن دورة الضربات والضربات المضادة التي تنخرط فيها إسرائيل وإيران مؤخرا، ما زالت في إطار محدود، فإنها مرشحة للتفاقم. وليس من المؤكد أن إسرائيل ستكتفي بهجومها على أصفهان، وليس بالضرورة أن تمتنع إيران عن الرد مجددا هذه المرة.

وفي هذا الإطار، قد تملك إسرائيل ثلاثة خيارات أساسية للتحرك العسكري في الفترة المقبلة، سواء بدافع تقليم القوى العسكرية الإيرانية أم ردا على هجوم انتقامي جديد قد تشنه طهران. ومن غير المستبعد أن تقوم إسرائيل بتوجيه ضربات عسكرية مباشرة إلى إيران، وغالبا ستستهدف تلك الضربات قواعد وأصولا عسكرية إيرانية تابعة للحرس الثوري، أو أصولا اقتصادية مثل حقول النفط.

ويتمثل الخيار الثاني في شن هجوم سيبراني إسرائيلي على البنية التحتية الحيوية في إيران، أو تسريع الهجمات الصغيرة داخل إيران، بما في ذلك الاغتيالات. وأما الخيار الثالث فيتمثل في القيام بعملية عسكرية محدودة ضد حزب الله اللبناني في الشمال، وقد تترافق مع ضربات جوية مكثفة للتمركزات العسكرية الإيرانية في سوريا.

25 أبريل 2024

هاشتاغ

التعليقات