عربي ودولي

الرئيس التونسي يرسم حدودا لتحركات النقابات الأمنية
الرئيس التونسي يرسم حدودا لتحركات النقابات الأمنية
رسم الرئيس التونسي قيس سعيد حدودا واضحة لتحركات النقابات الأمنية من خلال توجيه القوات الأمنية إلى الالتزام بحماية الأشخاص والممتلكات وتأمين حرية التعبير، وذلك على خلفية انسحاب رجال شرطة من حماية عرض مسرحي للممثل لطفي العبدلي بزعم أنه تضمن كلمات وإشارات تخدش الحياء، ما اعتبره الكثير من التونسيين إشارة إلى تغول النقابات وتدخلها في اتخاذ قرارات ليست من مشمولاتها.

ووصف محللون سياسيون موقف الرئيس سعيد بأنه جاء في وقته لطمأنة التونسيين بأن حرية التعبير مضمونة، وبأن الجهاز الأمني مؤسسة في خدمة التونسيين، وليس من صلاحياته اتخاذ قرارات من مشمولات مؤسسات أخرى في الدولة أو المس من قيم الديمقراطية وحرية التعبير بشكل مزاجي.

وأكد الرئيس سعيد خلال استقباله الأربعاء وزير الداخلية توفيق شرف الدين على أن الحق النقابي بالنسبة إلى الأمنيين حق معترف به دستوريا ولكن الدستور ذاته ينص على أن هذا الحق لا يشمل الإضراب، وأن عدم تأمين أي تظاهرة تحت أي ذريعة كانت هو إضراب مقنّع وإخلال بالواجب المهني.

ونوه قيس سعيد بالجهود التي تبذلها قوات الأمن للحفاظ على الأشخاص والممتلكات، وللحفاظ أيضا على حرية التعبير.

وجدد دعوته إلى توحيد نقابات الأمن الداخلي في هيكل واحد يقوم على أساس الانتخاب ويقتصر على الجوانب الاجتماعية دون سواها، لافتا إلى أنه كان قد تقدم بهذا المقترح منذ سنة 2012 لإنشاء هيكل نقابي موحد هو الاتحاد العام  التونسي لقوات الأمن الداخلي.

وكان الناطق الرسمي باسم النقابة الوطنية لقوات الأمن الداخلي شكري حمادة  قال في تصريح لقي رواجا واسعا “من هنا فصاعدا أي عرض فني سيمسّ من الذوق العام سننسحب منه وسنرفض تأمينه؛ الفصل 226 من المجلة الجزائية يجرّم الخدش بالحياء”.

منذر ثابت: رسالة قيس سعيد واضحة؛ ليس هناك وزارة داخلية موازية

واعتبر المحللون أن الرئيس سعيد حسم الجدل الذي ثار مؤخرا بتأكيده على دعم حرية التعبير، وأن قوات الشرطة يقف دورها عند حماية التظاهرات الثقافية والفنية والحفاظ على حرية التعبير، ولا شأن لها بتقييم المحتوى المعروض أو الرقابة عليه. وهي رسالة واضحة للجميع بمن في ذلك المزايدون من أنصار المعارضة الذين رأوا أن حادثة الانسحاب من حماية عرض مسرحي هي تعبير عن توجه عام معاد للفن بل وتعبير أيضا عن توجه لإطلاق أيدي الأمنيين في البلاد.

وأشار المحللون إلى أن الرسالة التي تضمنها كلام الرئيس سعيد خلال لقائه بوزير الداخلية كانت واضحة، وهي عودة الأمنيين إلى دورهم الطبيعي، والقَطْع مع حالة التسيب الموروثة عن العشرية الماضية، والتي جعلت النقابات الأمنية تلعب دورا أقرب إلى السياسي منه إلى الأمني، وأنه لا أدوار استعراضية للأمنيين سياسيا وقطاعيّا.

ولفتوا إلى أن هناك إشارة دقيقة تفيد بأن قيس سعيد سيحد من أنشطة النقابات الأمنية وسيدفع نحو توحيدها في هيكل واحد بمهمة واضحة وهي الدفاع عن البعد الاجتماعي ومطالب أهل القطاع بعيدا عن الصراعات والأجندات الشخصية.

وقال المحلل السياسي منذر ثابت إن “حرية التعبير وحرية الذوق وحرية الضمير كلّ لا يتجزّأ في حقوق الإنسان، ووفق ما ورد الأربعاء فإن الرئيس سعيّد متشبّث بهذا المبدأ ويريد أن تكون هذه الحقوق مؤطرة ومنظمة”.

وأضاف ثابت لـ”العرب”، “هذه رسالة قوية موجهة إلى النخبة والداخل والخارج في علاقة بضمان حرية الفكر والرأي والعقيدة، وستحدّد مجال تحرك وزارة الداخلية، الرسالة كانت واضحة ومفادها توحيد كافة النقابات ذات الاختصاص الأمني، وكذلك دور النقابة في المجال الأمني ضروري لكن ليس وزارة داخلية موازية بتعليمات موازية للقيادات ووزير الداخلية ورئيس الجمهورية”.

وتابع “هناك توجه نحو عقلنة تحرك وتحديد وظيفة النقابات الأمنية، ثم ضبط مهامها في ما هو مهني”.

باسل ترجمان: القضيّة أخذت حجما أكبر من حجمها، والهدف منها إلهاء الناس

وأعرب العديد من التونسيين عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن استهجانهم لسلوك رجال الأمن المعنيّين، مشددين على رفض أي رقابة على المحتوى الفنيّ.

لكن الكاتب والمحلل السياسي باسل الترجمان اعتبر أن “القضيّة أخذت حجما أكبر من حجمها، وخلق مثل هذه القضايا الهدف منه إلهاء الناس، حيث لا يمكن أن يختلف اثنان في علاقة الحرية بالتعبير”.

وقال في تصريح لـ”العرب” إن “من حقّ رجال الأمن أن يعبروا عن امتعاضهم، وهناك دستور جديد منع أن يكون هناك إضراب أو تعطيل عمل المجالات الحيوية (الأمن والقضاء)، وبالتالي اليوم رسالة الرئيس تأتي في إطار التنظيم”.

وأردف الترجمان “الرئيس سعيّد دعا إلى توحيد المصالح الأمنية منذ سنوات، عوض أن تكون هناك عدّة نقابات”.

وكان الممثل لطفي العبدلي قد أدان الأحد أمام جمهور كبير في صفاقس سلوك “أربعة عناصر” من الشرطة قال إنهم رشقوه بعبوات مياه ما أدى إلى تعطّل العرض قبل استئنافه، واتهمهم بأنهم أرادوا أن يدفعوا الجمهور إلى مغادرة المسرح.

لكن متابعين للعرض المسرحي قالوا إن العرض تضمن فعلا مستوى متدنيا ومقاطع لاأخلاقية ومنفّرة، وإن حرية التعبير لا تعني مهاجمة قطاعات بأكملها مثل قطاع الشرطة وتعميم الانتقادات الموجهة له بدلا من النقد الرصين والهادف إلى الإصلاح وليس الاستفزاز.

12 أغسطس 2022

هاشتاغ

التعليقات