عربي ودولي

تداعيات حرب غزة تعجّل الشراكة بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي
تداعيات حرب غزة تعجّل الشراكة بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي
عجلت التداعيات المحتملة لتوسع الحرب في غزة الشراكة بين القاهرة والاتحاد الأوروبي الذي يخشى انفلات الأوضاع وتدفق المهاجرين باتجاه شواطئه. وينظر محللون إلى حرب غزة على أنها أنقذت القاهرة من أزمتها الاقتصادية وسهلت محادثاتها مع الاتحاد الأوروبي للتوصل إلى اتفاق يرضيها.

وتضمنت اللقاءات المصرية – الأوروبية التي عقدت الأحد تفاهما بشأن ضرورة وقف إطلاق النار في غزة، ما يشير إلى مخاوف مشتركة من احتداد الأوضاع الأمنية في المنطقة وتداعياتها على أوروبا.

وجاءت تطورات الأوضاع على الحدود المصرية الشرقية مدخلا لحزمة مساعدات غربية تهدف إلى تهدئة الأوضاع في المنطقة، وضمان عدم انتقال نتائج الصراع فيها إلى الدول المتشاطئة على البحر المتوسط، حال تنامي معدلات الهجرة غير الشرعية.

وأعاد الرئيس المصري عبدالفتاح  السيسي، في لقائه مع رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، التأكيد على ضرورة وقف إطلاق النار في غزة، ورفض التهجير القسري للفلسطينيين إلى بلاده، وعدم السماح به.

التوافق على ضرورة وقف إطلاق النار يشير إلى مخاوف مشتركة من احتداد الأوضاع الأمنية وتداعياتها على أوروبا

وأعلن مسؤولون بالمفوضية الأوروبية أن الاتحاد سيقدم تمويلا لمصر قدره 7.4 مليار يورو (8.06 مليار دولار) في الفترة من 2024 إلى 2027 بموجب اتفاق لتوسيع نطاق التعاون، يشمل مساعدات مالية قدرها 5 مليارات يورو، واستثمارات بقيمة 1.8 مليار يورو، ومنحا قدرها 600 مليون يورو، وتمويلا طارئا قدره مليار دولار من ضمن المساعدات المالية يصرف العام الجاري.

وعقد السيسي مباحثات مع وفد الاتحاد الأوروبي الأحد، شهدت توافقا حول تعزيز العلاقات بين الجانبين في مجالات مختلفة، أبرزها تطوير الروابط السياسية ومكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية وتعزيز التعاون الاقتصادي، في خطوة تنقل العلاقة إلى مستوى “الشراكة الإستراتيجية الشاملة”.

واستقبل السيسي كلا من رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي ورئيس وزراء بلجيكا رئيس الاتحاد الأوروبي ألكسندر دي كرو ورئيسي وزراء اليونان كيرياكوس ميتسوتاكيس وإيطاليا جورجيا ميلوني ومستشار النمسا كارل نيهامر ورئيس قبرص الرومية نيكوس خريستودوليدس.

وعقد الرئيس المصري لقاءات ثنائية منفصلة مع المسؤولين الأوروبيين، رحّب خلالها برفع العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي إلى مستوى “الشراكة الإستراتيجية الشاملة”، وبحث معهم تعزيز التعاون في مجالات عديدة.

وتتجلى الشراكة بين الجانبين في تعزيز الإستراتيجيات الدبلوماسية والاقتصادية لمصر وتوظيفها في دعم استقرار المنطقة وتعزيز التعاون مع الاتحاد الأوروبي، ما يسهم في منع تدفق المهاجرين غير الشرعيين وضمان الاستقرار الاقتصادي.

ويرى مراقبون أن الشراكة مهمة للطرفين، حيث تحتاج القاهرة إلى مساعدات من جهات دولية مختلفة، ما يؤكد الثقة بقدرتها على الصمود في مواجهة الأزمة الاقتصادية، والقيام بأدوار إقليمية أكثر تأثيرا.

ويساور دول الاتحاد الأوروبي قلق من عدم استقرار الأوضاع في مصر بسبب اشتداد أزمتها الاقتصادية، والتي يصل عدد سكانها إلى 106 ملايين نسمة، وما يمكن أن يسببه هذا الرقم للأمن في شرق المتوسط، ويجلبه من نتائج في مجال الهجرة غير الشرعية، ما يدفع إلى التنسيق مبكرا في ملفات تضمن التهدئة في المنطقة.

وقال مساعد وزير الخارجية المصري سابقا السفير حسين هريدي إن القمم المصرية – الأوروبية تدشن مرحلة جديدة في العلاقات بين الجانبين، وتأتي في لحظة تتزايد فيها تعقيدات الأوضاع في المنطقة، ما يؤثر على أمن العديد من الدول الأوروبية، خاصة أن دولا غربية ترى مصر قوة إقليمية مهمة داعمة للسلام.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “الاتحاد الأوروبي يقدم الدعم الاقتصادي لمصر في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية صعبة، ودوله مقتنعة بأهمية التعاون والتنسيق بين الطرفين، وفي غياب ذلك يمكن أن تتعرض مصالح بعض الدول الأوروبية في المنطقة للخطر، ما يشي بإمكانية انخراط دول الاتحاد في جهود الحل التي تشارك فيها مصر حاليًا للوصول إلى هدنة في غزة تفضي إلى وقف القتال”.

وأشار هريدي إلى أن حزمة المساعدات الغربية تشكل دعما كبيرا للقاهرة من أجل التغلب على تداعيات الأزمات الاقتصادية الخارجية على مدار السنوات الثلاث الماضية، والتي أثرت على مصر مباشرة، ويبرهن تعدد أوجه الدعم للقاهرة على مساندة المجتمع الدولي للإجراءات التي تتخذها بهدف الوصول إلى مرحلة الاستقرار الاقتصادي.

وخلقت تداعيات حرب غزة شراكة سياسية وأمنية بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي من نوع خاص، في ظل حالة الاضطراب التي تشهدها الملاحة البحرية في البحر الأحمر، وقد أثرت على عائدات قناة السويس التي تصل أوروبا بآسيا وأفريقيا.

وأكد رئيس المنتدى العربي الأوروبي للحوار وحقوق الإنسان في جنيف (حقوقي) أيمن نصري أن ما يقدمه الاتحاد الأوروبي لمصر يتجاوز البعد الاقتصادي، فهناك شراكة أمنية تتعلق بالتنسيق في ملفات مهمة، مثل مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية.

وأوضح لـ”العرب” أن “دول الاتحاد الأوروبي تسعى لقدر من التوازن في موقفها بشأن الحرب على غزة، بعد أن قدمت كافة أشكال الدعم لإسرائيل وواجهت غضبا شعبيا، حيث تحاول التأكيد على أنها تدعم الأطراف الوسيطة والفاعلة في القضية الفلسطينية سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا، وأن جزءا من المساعدات سيوجه إلى الفلسطينيين”.

وشدد على أنه يتوجب على مصر إثبات المزيد من الحضور على مستوى التأثير في مباحثات التهدئة ووقف إطلاق النار في غزة، والتعامل مع الأمر كدولة محورية لها دور إستراتيجي في حفظ التوازن بالمنطقة، بجانب دورها المهم في تضييق الخناق على عمليات الهجرة غير الشرعية التي توقف عبورها من سواحلها، فضلا عن احتواء اللاجئين والمهاجرين الفارين من دول الصراع إليها بما لا يجعلها دولة ممر يصل منها اللاجئون إلى بعض السواحل الأوروبية.

وسجلت المنظمة الدولية للهجرة العام الماضي نحو 286 ألف مهاجر غير شرعي وصلوا إلى الاتحاد الأوروبي عبر طرق برية وبحرية مختلفة. وتستضيف مصر، وفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، حوالي 480 ألف لاجئ سوداني وطالب لجوء مسجل، فر معظمهم من الحرب التي اندلعت في السودان خلال أبريل الماضي، وتشير مصر إلى أنها استقبلت على أراضيها ما يقرب من 9 ملايين مهاجر خلال السنوات الماضية.

ولفت نصري في حديثه لـ”العرب” إلى أن الاتحاد الأوروبي ينظر إلى مستقبل اتفاقيات إسالة ونقل الغاز بين مصر وإسرائيل إلى الدول الأوروبية بتفاؤل، ويعد على رأس الملفات التي تشجع دول الاتحاد على تقديم مساعدات للقاهرة. وترى أوروبا أن القاهرة سوف تلعب خلال السنوات المقبلة دوراً حيويا في مد وتوصيل الطاقة إليها، وأن نجاحها في تلك المهمة يتطلب دعمًا يساعد جهودها الحالية في غزة لوقف الحرب ودعم قدرتها على مواجهة الأزمة الاقتصادية.

18 مارس 2024

هاشتاغ

التعليقات