عربي ودولي

نازحو جنوب لبنان يخشون من تحول المواجهات إلى
نازحو جنوب لبنان يخشون من تحول المواجهات إلى "الوضع الطبيعي"
 قبل وقت قصير من أذان المغرب، رمت ميرفت رسلان ومجموعة من النساء الأخريات البطاطس المقلية في الزيت المغلي لتقديمها مع إفطار تلك الليلة.

وتنتمي هذه النساء إلى حوالي 60 عائلة كانت تحتمي في فندق مهجور في بلدة المروانية جنوب لبنان. وفرّت الأسر من القصف والغارات الجوية التي جعلت منازلها الواقعة في المنطقة الحدودية مع إسرائيل مهددة. وأصبح النازحون عائلة واحدة، لكنهم يتوقون للعودة إلى ديارهم.

وقالت رسلان “منزلك أفضل خاصة خلال شهر رمضان. تتذكر كيف اعتدت أن تجتمع مع عائلتك، أطفالك..، أصهارك وجيرانك. وتجد نفسك الآن تجلس وحدك في غرفة”.

ويعيش هؤلاء النازحون في فندق مونتانا الذي توقف عن العمل خلال2005. ويُذكر أنهم من بين ما يقدر بنحو 90 ألف شخص من جنوب لبنان نزحوا بسبب الاشتباكات شبه اليومية بين جماعة حزب الله المسلحة والقوات الإسرائيلية. وذكرت وكالة تابعة للأمم المتحدة أن 60 ألف مدني لبناني قرروا البقاء في المنطقة الحدودية والمخاطرة.

واندلعت الاشتباكات الحدودية بإطلاق حزب الله لبضعة صواريخ عبر الحدود في 8 أكتوبر، بعد يوم من توغل حماس المميت في جنوب إسرائيل والقصف الإسرائيلي الذي تبع ذلك لقطاع غزة. وسرعان ما تصاعدت الأحداث إلى تبادل شبه يومي للصواريخ والقصف والغارات الجوية عبر الحدود وخارجها أحيانا.

وأسفرت الغارات الإسرائيلية عن مقتل أكثر من 300 شخص في لبنان. وكان جلهم من مقاتلي حزب الله أو الجماعات المتحالفة معه. لكن أكثر من 40 منهم كانوا مدنيين.

وفي المقابل، قتلت ضربات حزب الله ما لا يقل عن ثمانية مدنيين إسرائيليين و11 جنديا، وشردت عشرات الآلاف على هذا الجانب من الحدود.

الغارات الإسرائيلية أسفرت عن مقتل أكثر من 300 شخص في لبنان، في المقابل قتلت ضربات حزب الله ما لا يقل عن ثمانية مدنيين إسرائيليين و11 جنديا

وتقول آبي سيويل في تقرير نشرته الأسوشيتد برس إنه من غير المرجح أن تتوقف الهجمات عبر الحدود قبل التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة، وربما لن تنتهي حتى بعد ذلك.

وأبقت حالة النزاع المحدود التي طال أمدها الأسر النازحة في لبنان عالقة. وتقرر تعليق الدراسة والعمل والزراعة في المنطقة الحدودية اللبنانية. وكان الكثيرون يأملون أن يتزامن وقف إطلاق النار مع بداية شهر رمضان، لكن نصف الشهر مر دون آفاق واضحة للحل.

وانتقل معظم اللبنانيين النازحين للعيش مع أقاربهم أو إلى منازل شاغرة أو غرف قدمها السكان في أقصى الشمال. وانتقل البعض إلى منازلهم الثانية أو شققهم المستأجرة. وتعتبر الملاجئ مثل فندق مونتانا الملاذ الأخير.

وقال علي مطر، الذي يترأس اتحاد بلديات منطقة ساحل الزهراني، وهي تضم المروانية، “يمكن لأي شخص أن يتصرف خلال 10 أو 15 أو 20 يوما أو شهرا من النزوح. لكننا ندخل الشهر السادس الآن. ويبدو أن الحال سيستمر لفترة أطول”.

وتكبدت البلديات التي تعاني من ضائقة مالية مسؤولية التعامل مع أزمة النزوح، وهي مهمة زادت من صعوبة الأزمة الاقتصادية التي تواجهها البلاد منذ أربع سنوات.

وقال أمين عام الهيئة العليا للإغاثة، اللواء الركن محمد خير، إن الحكومة اللبنانية وعدت بتعويض سكان الجنوب الذين تضررت منازلهم أو دمرت. لكن التمويل لم يتأمن. وأكد غياب أي مسح شامل لتقييم عدد المنازل التي تضررت، على الرغم من كونها “بالآلاف”.

وأشار مسؤول مطلع على الوضع أن حزب الله يقدم مدفوعات شهرية للعديد من العائلات النازحة. ولم يذكر المسؤول، الذي لم يسمح له بإبلاغ الصحافيين عن الأمر وتحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، مبلغا محددا. وأكد أن ذلك يعتمد على حجم الأسرة واحتياجاتها.

الركود مسّ المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية والجمعيات الخيرية الدينية التي تعاني مواردها من ضغوط

ومسّ الركود المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية والجمعيات الخيرية الدينية التي تعاني مواردها من ضغوط.

ويوفر الصليب الأحمر لفندق مونتانا، على سبيل المثال، الديزل لتشغيل مولد كهربائي. ولكن سلام بدر الدين، الذي يشرف على إدارة الكوارث في اتحاد البلديات قال إنه لا يمكن تشغيله إلا لمدة ساعتين في الصباح وخمس ساعات في المساء لأن الإمداد محدود.

وانضمت الولايات المتحدة وفرنسا، من بين دول أخرى، إلى بعثات دبلوماسية في محاولة لمنع الصراع الحدودي من التصعيد إلى حرب واسعة النطاق. ولكن البعض يخشى من أن يتحول الوضع الطبيعي الجديد إلى حالة مستمرة من الصراع منخفض المستوى.

وصرّح إميل الحكيّم، مدير الأمن الإقليمي في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية، وهو مركز أبحاث مقره لندن، “أرى أن خطر نشوب حرب شاملة لا يزال قائما، وأريد أن أقول إنه مرتفع”. لكنه أشار إلى احتمال امتداد صراع طويل الأمد “يستنفد” الاقتصاد والمجتمع اللبناني المتضرر بالفعل.

وقال “تقلقني هذه القدرة على ترشيد مستويات العنف والتكيف معها، وقول إننا بخير طالما نتجنب المستوى الكبير”.

وقالت رسلان إن عائلتها نزحت لفترة قصيرة خلال الحرب الوحشية التي استمرت شهرا بين حزب الله وإسرائيل في 2006. لكن هذه المرة تبدو مختلفة. وألحق القصف أضرارا بمنزل عائلتها، وهي تخشى أن يصبح النزوح المطول دائما.

وأضافت “نحن خائفون… ليس من إسرائيل ولكن من أننا لن نعود إلى منازلنا وقرانا. هذا ما نخشاه”.

وفر عامل البناء والمزارع محمد عيسى مع زوجته وأطفاله الثلاثة من قرية عيترون في 8 أكتوبر، حين سقطت القذائف قرب منزله. وبقي لمدة شهرين مع عائلة أخرى قبل الانتقال إلى فندق مونتانا. وينتظر العودة إلى مسكنه.

وقال “إذا حدث وقف لإطلاق النار، فستجدوننا على الطريق السريع ثم في منزلنا في غضون ساعة”.

وقالت ياسمين ليليان دياب، مديرة معهد دراسات الهجرة في الجامعة اللبنانية الأميركية، إن العائلات النازحة قد تواجه عندما تعود إلى ديارها الواقع القاتم المتمثل في المنازل المدمرة والحقول المحترقة ونقص الموارد.

وأضافت “ليست هذه محادثة حول ما إذا كانت ستستطيع العودة في النهاية، بل إلى ماذا ستعود”.

27 مارس 2024

هاشتاغ

التعليقات