عربي ودولي

واشنطن تبطل مفعول قرار وقف النار في غزة
واشنطن تبطل مفعول قرار وقف النار في غزة
بعد أكثر من 5 أشهر من العدوان الإسرائيلي على غزة وعشرات آلاف الضحايا من الغزّيين بآلة القتل الإسرائيلية غير المسبوقة، تمكّن مجلس الأمن الدولي، أخيراً، في 25 مارس/آذار الحالي، من إصدار القرار 2728 الذي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة، خلال الأسبوعين المتبقيين من شهر رمضان، كما يطلب من حركة "حماس" إطلاقاً فورياً وغير مشروط للمحتجزين الإسرائيليين لديها.
 
وبينما جنّ جنون إسرائيل، بعدما امتنعت الولايات المتحدة، للمرة الأولى منذ بدء الحرب، عن استخدام حق النقض (الفيتو)، لعرقلة تمرير المشروع المقدّم من الدول العشر غير الدائمة العضوية في المجلس، سارعت واشنطن إلى اعتبار القرار الذي لم تمنحه صوتها أيضاً (امتنعت عن التصويت) "غير ملزم"، في محاولة لإفراغه سريعاً من مضمونه.

ورأى متابعون أن التصريحات التي توالت على لسان مسؤولين في إدارة الرئيس جو بايدن، للتشديد على أن القرار "غير ملزم"، يعكس عدم رغبة متواصلة من قبل هذه الإدارة بوقف الحرب، فيما يُنظر إلى عدم استخدام واشنطن الفيتو كمحاولة لامتصاص الغضب الدولي والداخلي المتنامي من طريقة إدارتها لهذه الحرب الوحشية، والعزلة التي بدأت تشعرها على المستوى الدولي بسبب العدوان.

كما أن عدم استخدام الفيتو، قد يكون محاولة من بايدن لهزّ العصا لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ودفعه لفرملة اندفاعته لشنّ عدوان على رفح، أما التفسير الثالث للامتناع عن رفع الفيتو، فيبقى الارتباك الذي وضعت الحرب إدارة بايدن فيه، منذ بدئها، وهي حرب لم يكن الرئيس الديمقراطي يشتهيها على أبواب عام انتخابي حاسم، ووجد نفسه في خضمّها عالقاً بين مزايدة الجمهوريين والتقدميين
 
قرار غزة بمجلس الأمن ملزم أخلاقياً وقانونياً

لكن بغضّ النظر عن نوايا واشنطن من عدم استخدام الفيتو، فإن اعتبارها سريعاً أن قرار مجلس الأمن "غير ملزم"، وهي مسألة حملت إشكالية قانونية كبيرة، وفتحت باب التأويل مجدداً على مصراعيه لتفسيرات ميثاق الأمم المتحدة، شكّل أول ضربة للقرار، الذي أكّدت إسرائيل عدم نيّتها الالتزام به. لكن ذلك وضعها أيضاً سريعاً في خلاف "أخلاقي" مع المجتمع الدولي.

وفور صدور القرار، قالت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، إن بلادها "تدعم بشكل كامل وقف إطلاق النار وتسهيل وصول المساعدات إلى قطاع غزة"، لكنها أضافت أن بلادها "لا تتفق مع كل ما تضمنه القرار، لذا لم نصوت لصالحه، لكننا نؤيد بشكل كامل بعض الأهداف التي يتضمنها هذا القرار غير الملزم".

وحمل القرار صفة "الطلب"، ويطالب "بوقف فوري لإطلاق النار خلال شهر رمضان تحترمه جميع الأطراف، ما يؤدي إلى وقف دائم لإطلاق النار ومستدام، كما يطالب بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن، فضلاً عن ضمان وصول المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم الطبية وغيرها من الاحتياجات الإنسانية". كذلك "يطالب" القرار بامتثال الأطراف للقانون الدولي "فيما يتعلق بجميع الأشخاص الذين يحتجزونهم"، و"يؤكد الحاجة الملحة لتوسيع تدفق المساعدات الإنسانية إلى المدنيين وتعزيز حمايتهم في قطاع غزة بأكمله، ويكرر تأكيده على ذلك". كذلك طالب بـ "رفع جميع الحواجز التي تحول دون تقديم المساعدة الإنسانية على نطاق واسع، بما يتماشى مع القانون الإنساني الدولي"

ورداً على المندوبة الأميركية، رأى المندوب الصيني في الأمم المتحدة، جانغ جون، أن قرارات مجلس الأمن "ملزمة"، واعتبر نائبه قنغ شوانغ، أن البيان الأميركي بأن القرار غير ملزم "يجعلنا نشكك في الإرادة السياسية وصدق الولايات المتحدة". كذلك شدّد نائب المندوب الروسي لدى المنظمة، دميتري بوليانسكي، على أن "بموجب ميثاق الأمم المتحدة، يتفق جميع أعضاء المنظمة مع ضرورة الامتثال لقرارات مجلس الأمن الدولي وتنفيذها".
 
وطالب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بتنفيذ القرار، مشدّداً على أن الفشل في ذلك "سيكون أمراً لا يغتفر". وأكد نائب المتحدث باسمه فرحان حق أن "جميع قرارات مجلس الأمن الدولي تعتبر قانوناً دولياً، وهذا القرار أيضاً". وأضاف أنه "قرار ملزم، يجب تنفيذه مثل القانون الدولي، وفي نهاية المطاف، التنفيذ هو مسألة إرادة دولية". أما مندوب فلسطين رياض منصور، فدعا إلى استخدام "الفصل السابع".

وواصلت الولايات المتحدة محاولة إفراغ القرار من صفته "القانونية"، عبر خارجتيها، ومنسّق السياسات الخارجية في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض جون كيربي، باستعادة وصف القرار بـ "غير الملزم". وقال المتحدث باسم توماس غرينفيلد، نيت إيفانز، أول من أمس، لوكالة "رويترز"، إن القرار "لا ينشئ التزامات جديدة بموجب القانون الدولي، مثل ما يفعله المجلس عندما يفرض عقوبات إلزامية". لكنه اعتبر أنه "رغم أن القرار يفتقر إلى بنود ملزمة، فإن جميع قرارات مجلس الأمن لها وزن كبير ويجب تنفيذها".

هذا الأمر أثار الجدل، ليس من ناحية فقط ربط "عدم إلزامية" القرار الذي تتحدث عنه إدارة بايدن بعدم ورود القرار أصلاً تحت "الفصل السابع" من ميثاق الأمم المتحدة. وفي الواقع، فإن "الفصل السابع"، هو إحدى أقوى الأدوات القانونية التي تمتلكها الأمم المتحدة لإلزام الدول بجعل القرارات "ملزمة"

ومن دون شكّ، فإن إسرائيل، بعد القرار (يحمل الرقم 2728)، مُلزمة "أخلاقياً" بتنفيذه. وينطبق "طلب" الالتزام بتنفيذ القرار، "أخلاقياً"، على حركة "حماس" أيضاً، رغم أنها ليست دولة، أو عضواً في الأمم المتحدة. لكن ورود القرار خارج "الفصل السابع"، يعني عدم وجود آليات واضحة وصارمة لتنفيذه على أرض الواقع.

ولتفسير "إلزامية" القرار من منطلق قانوني (وأخلاقي)، يكفي التوضيح أن المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة تنصّ على أن "أعضاء الأمم المتحدة يوافقون على قبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفقاً لهذا الميثاق"، وذلك من دون الحديث عن "الفصل السابع". ويقول موقع الأمم المتحدة الإلكتروني إن "القرارات الوحيدة التي لديها القدرة على أن تكون ملزمة قانوناً، هي تلك التي يعتمدها مجلس الأمن"، من دون ذكر أيضاً "الفصل السابع"

وكانت محكمة العدل الدولية قد اعتبرت، في رأي استشاري قدّمته بشأن ناميبيا، وضرورة خروج قوات جنوب أفريقيا بموجب قرار صادر عن مجلس الأمن في عام 1970، أنه "لقد جرى سجال بأن المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة تنطبق فقط على تدابير فرض التطبيق التي يتم تبنيها تحت الفصل السابع... إنه من غير الممكن إيجاد أي دعم في الميثاق لوجهة النظر هذه".

لكن الولايات المتحدة، بحسب متابعين، تعتمد غالباً على تفسيرات "ضيّقة" لتبرير قانونية بعض مواقفها، مثل أن القرار لم يأت على شكل أن مجلس الأمن "يقرّر" بل اكتفى القرار بـ"الطلب"، وبأن القرار لم يندرج تحت "الفصل السابع"، بل هو "يؤسس" لوقف نار ممكن، ويُحرج إسرائيل.

لعب على اللغة والمصطلحات

وفي هذا السياق، رأت المحلّلة لقرارات مجلس الأمن لدى "مجموعة الأزمات الدولية" (إنترناشونال كرايزس غروب)، مايا يونغار، في حديث لشبكة "سي أن أن"، في تقرير نشر أمس الأربعاء، أن "الولايات المتحدة، التي تلتزم بتقليد قانوني يعتمد على تفسيرات ضيّقة، تجادل بأنه من دون استخدام كلمة "يقرّر" (مجلس الأمن يُقرّر)، فإن القرار الأخير يبقى غير ملزم".

وأضافت يونغار: "دول أعضاء أخرى في مجلس الأمن، وخبراء قانونيون دوليون، يجادلون بأن هناك سوابق قانونية لفكرة أن الطلب يعني بشكل ضمني أنه قرار من قبل مجلس الأمن". واعتبرت المحلّلة أن "جوهر المسألة، هي لغة القرار، وطريقة فهم الدول الأعضاء لميثاق الأمم المتحدة". وبرأيه، فإن "الولايات المتحدة تحاول السير على خطّ رفيع بين انتقاد إسرائيل ودعمها، فعبر اعتبار أن القرار غير ملزم، يبدو أن حسابها يقوم على عدم استخدام الفيتو ما يعني أنها أصدرت إعلاناً محدّداً، ولكن من دون مواجهة الكثير من الغضب الأميركي".

أما بالنسبة ليوسي ميكيلبيرغ، الزميل المساعد في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في مركز "شاذام هاوس" في لندن، فإنه "حتى لو قرّر الخبراء أن القانون ملزم، فإن السؤال هو كيف ومن يستطيع فرض تطبيقه". وبرأيه، فإن الجواب "هو لا أحد"، خصوصاً "أن الدولة الوحيدة التي بإمكانها فرض تطبيقه هي الولايات المتحدة، التي سارعت للقول إنه غير ملزم".

وربما هذا ما يفسّر قول السفير الروسي في الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، أول من أمس، بأن "الولايات المتحدة، وهي واحدة من الأعضاء الخمسة الدائمين الذين يتمتعون بحق النقض في مجلس الأمن، أعلنت صراحة أنها لا تقبل ميثاق منظمتنا، وتتنصل من ثمار المناقشات التي جرت بشق الأنفس في المجلس، بما في ذلك القرار التاريخي الذي تم التوصل إليه بشق الأنفس حول وقف إطلاق النار في غزة". وأضاف ان إسرائيل لديها الآن "تفويض مطلق، ولا تخطط للتوقف حتى تدمر غزة وتسويها بالأرض بمباركة واشنطن، ورغم قرار مجلس الأمن".

وبإمكان مجلس الأمن فرض عقوبات على إسرائيل أو "حماس"، إذا لم يمتثلا أو لم يمتثل أي منهما لتنفيذ القرار، وذلك بقرار يحتاج إلى موافقة 9 أعضاء وعدم استخدام الفيتو. لكن الأمر مستبعد.

وعلى الرغم من أن صراعات عدة لم تتوقف حول العالم، بعد صدور قرارات من مجلس الأمن من هذا النوع، إلا أن اعتبار واشنطن القرار "غير ملزم" أحدث إشكالية كبيرة. وتقول جماعات لحقوق الإنسان إن ادعاء الولايات المتحدة بأن قرار غزة، غير ملزم، قد يخلق مشكلات في المستقبل. وفي هذا الخصوص، اعتبر مدير شؤون الأمم المتحدة في منظمة "هيومن رايتس ووتش"، لويس شاربونو، في حديث لوكالة "رويترز"، أول من أمس، أن الموقف الأميركي "يخاطر بجعل الدول أقل احتمالاً للامتثال للقرارات، وهذا يشمل القرارات التي تريد الولايات المتحدة تنفيذها".

كما رأت مسؤولة شؤون الأمم المتحدة في منظمة العفو الدولية، شيرين تادرس، للوكالة، أن ميثاق الأمم المتحدة "واضح بشأن الطبيعة الملزمة لقرارات مجلس الأمن، ولا أذكر أنني سمعت الويلات المتحدة تشكك في تلك الطبيعة الملزمة عندما يتعلق الأمر بالقرارات الأخرى المعتمدة بشأن سورية على سبيل المثال". وبرأيه، فإن "ما فعلته الولايات المتحدة لم يجعل تنفيذ القرار الذي كان من شأنه أن ينقذ حياة الإسرائيليين والفلسطينيين أكثر صعوبة فحسب، بل إنه قوّض النظام الدولي برمته أيضا".

28 مارس 2024

هاشتاغ

التعليقات