عربي ودولي

المنظور التركي يهيمن على جهود حلّ أزمة تشكيل الحكومة المحلية لكركوك
المنظور التركي يهيمن على جهود حلّ أزمة تشكيل الحكومة المحلية لكركوك
برزت بقوّة فكرة التداول على قيادة الحكومة المحلية لمحافظة كركوك بشمال العراق كحلّ لأزمة تشكيل الحكومة الذي تعذّر بفعل الخلافات الشديدة حول مناصبها القيادية بين القوى الفائزة بمقاعد في مجلس المحافظة خلال الانتخابات المحلية العراقية التي أجريت في ديسمبر الماضي وأسفرت عن نتائج متقاربة تعذّر معها تحقيق الأغلبية المطلوبة لأي من تلك القوى التي لم تستطع أيضا التوافق في ما بينها على تشكيل تحالف يحقق النصاب الواجب توفّره.

وتقوم الفكرة على تجاوز ما أسفرت عنه الانتخابات الأخيرة من نتائج واعتماد مبدأ التداول بين الأكراد والعرب والتركمان على شغل منصب المحافظ.

ويعني تطبيق هذا المبدأ ذهاب المنصب بشكل آلي إلى المكون التركماني على اعتبار أنّ الأكراد سبق أن شغلوه حتى سنة 2017، ثم تسلّمه العرب، ما يعني أنّ الدور جاء الآن على التركمان.

وتوجد مفارقة في خلفية هذه الفكرة تتمثّل في أن تركيا هي أوّل من اقترحها وذلك على لسان وزير خارجيتها هاكان فيدان.

وهدفت أنقرة من وراء ذلك إلى تمكين حلفائها التركمان العراقيين من قيادة المحافظة التي لم تنقطع تركيا عن محاولات تركيز موطئ قدم لها فيها نظرا لأهميتها الإستراتيجية وخصوصا لغناها بالنفط، كما أرادت حرمان عدوها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي تتهمه بالتعاون ضدّها مع حزب العمال الكردستاني من الإمساك بزمام السلطة في كركوك باعتبار الاتّحاد حاصلا في الانتخابات الأخيرة على العدد الأكبر من مقاعد مجلس المحافظة.

ووجّه الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة أفراد أسرة بارزاني رسالة واضحة الى غريمه حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني بقيادة ورثة الرئيس العراقي الأسبق جلال طالباني، وذلك بتبنيه فكرة تدوير منصب محافظ كركوك، ما يعني أنّه ينحاز إلى تركيا ضدّ حزب الاتّحاد حتى وإن كلّف الأمر خسارة المكوّن الكردي للمنصب، وذلك على طريقة “عليّ وعلى أعدائي”.

وجاء التطوّر الجديد في الصراع على منصب محافظ كركوك في غمرة التجاذبات الحادّة التي دخل فيها الحزب الديمقراطي الكردستاني مع عدد من القوى السياسية في إقليم كردستان وفي عموم العراق، إثر إصدار المحكمة الاتّحادية العراقية لجملة من القرارات بشأن انتخابات الإقليم ورواتب موظفيه جاءت غير متلائمة مع مصلحة الحزب الذي رآها انحيازا إلى خصومه وتحديدا حزب الاتّحاد الوطني الذي وقف أصلا وراء إصدارها برفعه دعاوى بشأن القضايا التي تعلّقت بها تلك القرارات.

وأتى تبني فكرة تولي منصب محافظ كركوك بالتداول بناء على اتّفاق غير معلن بين الحزب الديمقراطي وقيادة المكوّن التركماني التي تولّت مهمّة الكشف عن الموقف الجديد لحزب بارزاني.

وشكر حسن توران رئيس الجبهة التركمانية العراقية ورئيس قائمة جبهة تركمان العراق الموحد، في مؤتمر صحفي مشترك مع محمد كمال رئيس فرع كركوك للحزب الديمقراطي الكردستاني، الحزب “على قبوله بفكرة تدوير منصب المحافظ”.

وقال “نحن على قناعة تامة بأن أي إدارة في محافظة كركوك يجب أن تكون بمشاركة الجميع”.

ويُعرف توران بقربه الشديد من القيادة التركية الحالية بزعامة الرئيس رجب طيب أردوغان، ويعتبر وجوده على رأس الجبهة التركمانية إحدى ثمرات التدخّل التركي المباشر في شؤون تركمان العراق، حيث لعبت أنقرة قبل نحو ثلاث سنوات دورا كبيرا في دفع أرشد الصالحي إلى التنحي عن رئاسة الجبهة واختيار توران خلفا له.

ووقع اختيار توران لقيادة الجبهة لسببين، أولهما توجهه الإسلامي المتوافق مع توجّهات حزب الرئيس أردوغان في مقابل الميول القومية الكمالية للصالحي والتي تجعله أقرب إلى حزب الشعب الجمهوري، وثانيهما حالة الوفاق بين توران وقادة الحزب الديمقراطي الكردستاني المتحالفين مع أنقرة في مقابل برود علاقة الصالحي بأولئك القادة.

ورغم النتيجة المتواضعة التي حققها التركمان في الانتخابات المحليّة إلاّ أنهم ظلوا يطالبون بمنصب المحافظ استنادا إلى معادلة وضعتها الحكومة التركية بحدّ ذاتها.

◙ فكرة التداول على قيادة الحكومة المحلية لمحافظة كركوك بشمال العراق برزت كحلّ لأزمة تشكيل الحكومة الذي تعذّر بفعل الخلافات الشديدة حول مناصبها القيادية

وطالب وزير الخارجية التركي في اجتماع عقده مع توران في وقت سابق بأنقرة بـ”الاستمرار في القاعدة المتبعة سابقا في اختيار محافظ كركوك بالتناوب بين أطراف تلك المحافظة المهمة”.

كما عبّر الوزير صراحة عن امتعاضه من “التقدم غير المتوقع” الذي حققه حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في انتخابات مجالس المحافظات، مشدّدا على وجوب منع “حدوث شراكة بين حزب الاتّحاد وحزب العمال الكردستاني تفضي إلى هيمنتهما على المحافظة”.

وكانت نتائج الانتخابات المحلية التي أجريت في العراق في التاسع عشر من ديسمبر الماضي قد وضعت حزب الاتّحاد الوطني في موقع جيد للحصول على منصب محافظ كركوك.

ويتشكّل مجلس المحافظة التي يطالب أكراد العراق بضمها إلى إقليمهم من ستة عشر عضوا، وقد حصل ممثلوهم في الانتخابات على سبعة مقاعد، من بينها خمسة للاتحاد الوطني ومقعدان للحزب الديمقراطي الكردستاني، ومثلهما للتركمان وستّة مقاعد للقوائم العربية ومقعد واحد للمكون المسيحي ممثلا بحركة بابليون.

وتفضّل تركيا أن تذهب قيادة الحكومة المحلية لكركوك إلى التركمان الذين يشاركونها الانتماء القومي ولها نفوذ كبير على ممثليهم السياسيين.

وتلتقي مصلحة تركيا في إزاحة الأكراد من قيادة كركوك مع مصلحة ممثلي المكّون العربي ما يجعل لفكرة التداول حظوظا في التطبيق.

وأعلن ناظم الشمري منسق هيئة الرأي العربية في كركوك عن ترحيب الهيئة بفكرة تدوير منصب محافظ كركوك، وقال لوكالة بغداد اليوم الإخبارية إنّ “هذه الخطوة تعد الضمان لاستقرار المحافظة وإنهاء الاحتقان العرقي والعنصري الذي لطالما أثارته بعض الأحزاب مع قرب موعد كل انتخابات، بهدف شحن الشارع والحصول على الأصوات”، مضيفا قوله “تدوير المناصب هو الحل الأنجح”.

وعلى الطرف المقابل رفض حزب الاتّحاد الوطني بشكل قطعي فكرة التدوير مذكّرا بأنّها فكرة غير صادرة عن قوى محلّية بل وافدة من تركيا.

وقال القيادي في الحزب غياث السورجي إن “هذا المقترح طرحه وزير الخارجية التركي هاكان فيدان”. وأضاف متحدّثا لموقع المعلومة الإخباري أنّ “تصريح رئيس الجبهة التركمانية حسن توران بحضور رئيس فرع الحزب الديمقراطي في كركوك محمد كمال مرفوض من قبل حزب الاتّحاد جملة وتفصيلا، فليس من حق الديمقراطي والتركمان فرض إرادتهما علينا”.

كما جدّد السورجي تمسّك حزبه بمنصب محافظ كركوك قائلا إن “المحافظ يجب أن يكون من الاتحاد الوطني حصرا”، وعبّر عن استعداد الحزب لأن “تبقى محافظة كركوك بلا محافظ إلى نهاية الدورة الانتخابية”.

ومن جهتها هاجمت حسيبة عبدالله، المسؤولة عن لائحة مكونات الاتحاد الوطني الكردستاني، الحزب الديمقراطي بسبب موقفه من قضية تدوير منصب المحافظ قائلة إنّه “يبيع خفية المستحقات القومية” للأكراد.

ويكشف تعذّر تشكيل حكومة محلية في محافظة كركوك وكذلك في ديالى عن عيوب كبيرة في النظام العراقي، لاسيما في نظام الانتخابات التي كثيرا ما تترك نتائجها جانبا ويتمّ تشكيل الهيئات والمؤسسات التي يُفترض أن تنبثق عنها، باللجوء إلى المساومات وعقد الصفقات السياسية ونسج التحالفات الظرفية على أسس مصلحية نفعية مباشرة.

وتمثّل تلك العيوب بوابة إضافية للتدخلات الخارجية في أدق الشؤون العراقية بما في ذلك شؤون المحافظات وتركيبة مجالسها، وهو ما يؤكّده بروز التصوّر التركي لحل أزمة تشكيل الحكومة المحلية لكركوك في وقت تعثّرت فيه مبادرة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني للحل.

وكان السوداني قد عقد في أواخر فبراير الماضي اجتماعا مع ممثلي الجهات الفاعلة في ملف كركوك أفضى إلى إعلان اتفاق مبادئ لحل مشكلة تشكيل الحكومة المحلية “وفق الاستحقاق العادل الذي عبّرت عنه نتائج الانتخابات، ومن ثم الاتفاق على برنامج خدمي اقتصادي يتوافق مع البرنامج الذي تعمل به الحكومة الاتحادية”.

وتضمّن الاتّفاق أن “يكون منهج الشراكة والتوافق وعدم الإقصاء أساسا للعمل في محافظة كركوك، بالإضافة إلى التوافق على تشكيل ائتلاف إدارة المحافظة من كل القوى الفائزة في الانتخابات ليكون المظلة السياسية لها”.

وتحدّثت المصادر آنذاك عن قيام السوداني بإمهال القوى المتصارعة على مناصب مجلس محافظة كركوك أسبوعين لحل خلافاتها، لكن المهلة انقضت ومازالت المشكلة على حالها، بل ازدادت تعقيدا بدخول عامل التدخّل الخارجي على خطّها.

29 مارس 2024

هاشتاغ

التعليقات